نجح الرئيس الباكستاني برويز مشرف ووزير الخارجية الاميركي كولن باول في نقل العلاقات بين بلديهما الى مرحلة جديدة، تعيد التعاون الثنائي الى ما كان عليه ابان الحرب الباردة. ولم اجتماع الرجلين امس في اسلام اباد مجرد اجتماع بين رئيس دولة تستعد للتحول قوة اقليمية في آسيا ووزير خارجية القوة الاكبر عالمياً، بل كان لقاء قمة بين جنرالين متمرسين في اساليب القيادة يملكان القدرة على التحرك بسرعة لوضع استراتيجية مشتركة موضع التنفيذ. وتأكيداً على ذلك حرص مشرف على ان يكون شخصياً في استقبال باول في المطار، الامر الذي كان يفترض بروتوكولياً ان يعهد به الى وزير الخارجية عبد الستار. كما حرص الرئيس الباكستاني على الخوض في ادق التفاصيل مع الوزير الاميركي، ليخرج الرجلان امام عدسات المصورين في مؤتمرهما الصحافي امس، بموقف موحد يظهر انسجاماً كاملاً في تصوراتهما لمستقبل الوضع في افغانستان والآليات الكفيلة بايصال هذا البلد الذي مزقته الحروب الى سلام دائم. وكان واضحاً ان القيادة الباكستانية قررت التخلي عن تحفظاتها ازاء طول مدة الحملة العسكرية في افغانستان في مقابل احتفاظها بدور رئيسي في تقرير مستقبل الحكم في كابول وصيغته. واوضح مشرف: "بالتأكيد، نحن مستمرون في التعاون مع الحملة العسكرية الاميركية اياً كانت الفترة التي يتطلبها تحقيق الهدف منها"، وان كان اعرب عن "الامل في الا تطول مدة" العمليات العسكرية، بعدما كان حرص لدى انطلاقها في السابع من الشهر الجاري على تأكيد انه تلقى ضمانات بان مدتها ستكون قصيرة، ربما رغبة منه في احتواء ردود الفعل السلبية في الشارع الباكستاني. واعطى مشرف تبريراً آخر لتحفظاته السابقة في هذا الشأن هو تفادي فراغ سياسي في افغانستان، مؤكداً ضرورة ايجاد مخرج لذلك، بالعمل على تشكيل حكومة موسعة في كابول في وقت يتزامن مع العمليات المتواصلة. الحكم في افغانستان وفجر الرئيس الباكستاني قنبلة سياسية باعلانه ان "قادة معتدلين في طالبان وعناصر من التحالف الشمالي المعارض يمكن ان يضطلعوا بدور في هذه الحكومة الى جانب الملك السابق محمد ظاهر شاه وقادة سياسيين وقبليين وشخصيات افغانية تعيش في المنفى". ولاحظ المراقبون تعمده في التركيز على دور ل"قادة" في طالبان، في مقابل "عناصر" من التحالف الشمالي، مما يعني اعطاء دور لمن ترضى عنهم باكستان واستبعاد آخرين في صفوف التحالف المناهض للحركة الذي احرق بعض رموزه اوراقهم مع اسلام اباد بتعاونهم المكشوف مع نيودلهي. وبادر باول الى تأكيد امكان التعاون مع معتدلين في صفوف "طالبان" التي اوضح ان اسمها "يستخدم للاشارة الى نظام قائم، لكنها في الوقت نفسه ترمز الى مجموعة من الناس او الافراد ... واذا تخلصنا من النظام، يبقى اولئك الذين يجدون ان تعاليم هذه الحركة ومشاعرها ومعتقداتها لا تزال مهمة". ولوحظ ان تفاهم مشرف وباول ادى الى تصور مشترك يتلخص بثلاث نقاط اساسية ركز كل منهما عليها. وهي: ايجاد تسوية سياسية دائمة عبر "حكومة افغانية موسعة تمثل كل الاعراق" تعمل على "استيعاب اللاجئين بدل تصديرهم" وتشرف على عملية "اعادة بناء الاقتصاد" في بلادها بمساعدات خارجية. وحرص باول على تأكيد ان اي حكومة مستقبلية في افغانستان يجب ان تكون صديقة لكل الدول المجاورة بما في ذلك باكستان. ولوحظ ان شيئاً لم يرشح عما تردد عن احتمال لقائه وزير خارجية "طالبان" ملا وكيل احمد متوكل الذي افادت معلومات انه جاء الى باكستان في اطار محاولة له للانضمام الى الحكومة المقبلة. كما لم يعلن شيء عن لقاء كان من المحتمل ان يتم بين باول وممثلي الملك الافغاني السابق الموجودين في باكستان. ويبدو ان المساعي في اتجاه التوصل الى تركيبة معينة لصيغة الحكم المستقبلية في كابول والتي تضطلع باكستان بقدر كبير منها، لم تنضج بعد بشكل يمكن من اعلان نتائجها. العلاقات الاميركية-الباكستانية في الوقت نفسه، اكد الوزير الاميركي ان بلاده ملتزمة تطوير علاقاتها مع باكستان، التزاماً يتجاوز مرحلة التعاون الحالي. وقال: "نعتقد بانه نتيجة التحركات التي قامت بها باكستان في الاسابيع الخمسة الاخيرة، بدأنا في تعزيز العلاقة في اتجاه تطويرها وتنميتها". وكان ملفتاً ابداء باول تفهمه لاسباب وجود قوى متطرفة مناهضة لاميركا في باكستان، اذ عزا ذلك الى الحاجة الى اصلاحات اجتماعية من شأنها اعادة تصحيح المفاهيم الناجمة عن عيوب في انظمة التعليم. وجاء كلامه متماشياً مع ما اعلنه مشرف عن وجوب "اقتلاع جذور" الارهاب والتطرف من خلال التنمية، وهي "معركة طويلة على باكستان ان تخوضها". وبدا الرئيس الباكستاني منزعجاً من سؤال عن استطلاع اظهر معارضة 87 في المئة من مواطنيه الضربات العسكرية لافغانستان، واعتبر ان هذا الامر لا يلغي استطلاعات اخرى عكست "التأييد الذي ابدته غالبية الباكستانيين لقرار حكومتنا" التعاون مع الولاياتالمتحدة في اطار التحالف العالمي لمكافحة الارهاب. الهند وكشمير واغتنم وزير الخارجية الاميركي الفرصة في المؤتمر الصحافي للاشادة بمبادرة مشرف الى اجراء اتصال هاتفي برئيس الوزراء الهندي اتال بيهاري فاجبايي، مشيرا الى ان المشاكل بين اسلام ابادونيودلهي "يمكن ان تحل اذا توفرت رغبة مشتركة، باتباع طرق سلمية واحترام حقوق الانسان"، الامر الذي فسره مراقبون بانه غمز من قناة السلطات الهندية التي تسيطر على شطر من كشمير. وكان الرئيس الباكستاني حرص في كلمة القاها في مستهل المؤتمر الصحافي على تأكيد التزام بلاده علاقات خالية من التوتر مع الهند وحل قضية كشمير بشكل يحقق رغبات الشعب الكشميري، معتبراً ان السلام في هذه المنطقة ليس في مصلحة البلدين فحسب بل المنطقة باسرها، الامر الذي اثنى عليه باول باعتباره ركيزة للاستقرار في آسيا. وعلمت "الحياة" ان المحادثات بين مشرف وباول تناولت التصعيد الهندي الاخير الذي تمثل في اطلاق النار في اتجاه الشطر الكشميري الذي تسيطر عليه باكستان. وافادت مصادر باكستانية مطلعة ان الهند ارادت بهذا التصعيد التعبير عن استيائها من عودة العلاقات الباكستانية- الاميركية الى سابق عهدها، مما قد ينسحب على آفاق التعاون العسكري بين واشنطنواسلام اباد خصوصاً مع وجود مؤشرات قوية الى استعداد الاخيرة لتوسيع مفهوم "الدعم اللوجستي" الذي تقدمه الى الحملة الاميركية بما يتناسب مع نقلة نوعية في العمليات العسكرية ضد اهداف محددة في افغانستان. ويستدعي ذلك نقل مزيد من الامدادات والقوات الاميركية الى قواعد باكستانية. وفي المقابل، تعهد الوزير الاميركي باثارة قضية اعفاء باكستان من جزء كبير من ديونها الخارجية، وهو الامر الذي اشار اليه في اطار حديثه عن سعي واشنطن الى اقناع صندوق النقد الدولي بمنح مزيد من القروض الى باكستان غداة اعادة جدولة ما مجموعه 379 مليون دولار من ديونها. وانتقل باول أ ف ب، رويترز لاحقا الى نيو دلهي، المحطة الثانية في جولته الهادفة الى تعزيز الدعم لحملة مكافحة الارهاب. وقال مسؤول اميركي كبير يرافق الوزيرالاميركي ان "النقطة الاساسية مع الهند هي ان لدينا علاقات مهمة تتعزز سريعا جدا. نحن متحدون في الحرب ضد الارهاب وسنستفيد من ذلك لترسيخ علاقاتنا". ومن المقرر ان يجتمع باول مع نظيره الهندي جاسوانت سينغ ورئيس الوزراء اتال بيهاري فاجبايي اليوم قبل ان يتوجه الى الصين. واستبقت الخارجية الهندية المحادثات، لتعلق على قول باول ان النزاع في كشمير "قضية مركزية في العلاقات" بين الهندوباكستان، معتبرة ان "الارهاب" الذي ترعاه باكستان في كشمير هو المشكلة وليس كشمير في حد ذاتها. وقالت الناطقة باسم الوزارة نيروباما راو: "يجب الا يكون هناك خلط بين السبب والنتيجة.. الوضع الحالي في جامو وكشمير هو نتيجة للارهاب الذي ترعاه دولة". واضافت ان الهند تتمسك دائما بان الطريق الوحيد لانهاء الخصومة مع جارتها اجراء حوار جاد، "لكن هذا يعتمد على اجراء جاد من جانب باكستان لوقف الارهاب عبر الحدود.. هناك استعداد من جانبنا لاجراء محادثات".