لم يأت الانقلاب العسكري الاخير في باكستان مفاجئاً لنيودلهي، بخلاف ما كانت عليه الحال في عملية كارغيل. واُستقبل هذا الحدث بهدوء نسبي من قبل العسكريين والسياسيين في الهند. وفي تصريح خاص ل "الحياة"، كشف وزير الدفاع الهندي جورج فيرناندز ان الحكومة تلقت تقارير استخباراتية تلمح الى مثل هذا الاحتمال. واعتبر ان "وجود وضع يتسم بعدم الاستقرار السياسي في الجوار هو امر مثير للقلق، لكنه لم يكن أمراً مفاجئاً بالكامل". وكشفت مصادر في نيودلهي بعض الاسباب وراء خفوت رد الفعل المباشر للحكومة الهندية. واشارت الى ان سكرتارية مكتب رئاسة الوزراء، الذي يوجه جهاز الاستخبارات "راو"، تلقى قبل اسبوعين تقريراً من وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "سي آي أي" يحذر الهند من "انتفاضة عسكرية مفاجئة في باكستان ترعاها حركة طالبان بحلول نهاية السنة". كما تضمن التقرير الذي يقع في ثلاث صفحات اشارة الى احتمال تسرب الاضطراب السياسي عبر "خط المراقبة" الذي يفصل بين الهندوباكستان في كشمير. ورفعت الاستخبارات الهندية تقرير "سي آي أي" الى وزارة الدفاع ووزارة الشؤون الخارجية ووزارة الداخلية ومجلس الامن القومي. لكن اخذاً في الاعتبار انشغال البلاد بالانتخابات البرلمانية، قرر المخططون العسكريون الهنود اتباع سياسة الانتظار والمراقبة بهدوء. وابتداءً، عززت الهند اجراءاتها الامنية على الحدود. واُعلنت حال انذار مشددة في الشطر الهندي من كشمير. لكن لم تُنقل حتى الآن تعزيزات عسكرية اضافية الى المنطقة الجبلية، فيما عقدت اللجنة الامنية للحكومة، التي تضم رئىس الوزراء اتال بيهاري فاجبايي ووزير الداخلية لال كريشنا ادفاني ووزير الدفاع فيرنانديز ووزير الخارجية جاسوانت سينغ، سلسلة اجتماعات خاصة. وقال رئىس اركان القوات المسلحة الهندية الجنرال في. بي. مالك في مقابلة قصيرة "لا اعتقد انه سيحدث أي تصعيد للنشاط على الحدود في الوقت الحاضر. فالوضع داخل البلاد باكستان يشهد حراكاً كبيراً". لكن محللين في مجال السياسة الخارجية لفتوا الى عوامل تثير قلق الهند على رغم ما تُظهره من هدوء. اولاً، يُعزى تراجع باكستان في النزاع الاخير في كشمير بشكل اساسي الى موقف رئىس الوزراء المعزول نواز شريف. فلو ان العسكريين الباكستانيين كانوا يملكون سلطة القرار، لكان النزاع في كارغيل أخذ منحى آخر. ثانياً، لم تملك باكستان ابداً من قبل قوة نووية في ظل نظام عسكري، وهو ما يمكن ان يشكل مصدر قلق للهند. الاّ ان مسؤولاً في وزارة الخارجية الهندية تبنى وجهة نظر مغايرة، معتبراً ان "حالة عدم الاستقرار هذه في المنطقة تُبشر بشكل ما باخبار طيبة للهند. فهي تخفف موقتاً الضغوط المسلطة علينا للتوقيع على معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية". وفي غضون ذلك، أكد رئيس الوزراء الهندي آتال بيهاري فاجبايي إلتزامه بتطوير علاقات الصداقة مع إسلام أباد، وقال إن "سياسة الهند تجاه باكستان ثابتة وقائمة على مبادئ". وبالرغم من وضع القوات الهندية في حالة تأهب قصوى، ذكر رئيس الوزراء الهندي أن الوضع عادي على الحدود الهندية - الباكستانية. وفي دكا، أعربت الحكومة البنغلاديشية عن قلقها العميق إزاء استيلاء العسكريين على السلطة في إسلام أباد، وطالبت بضرورة إعادة الاستقرار إلى باكستان سريعا. وحذت الحكومة في النيبال حذوها واعتبرت أن العمل الذي قام به الجيش الباكستاني يشكل "نكسة للديموقراطية". وفي كولومبو، قال الناطق باسم وزارة الخارجية السري لانكية "إننا نراقب التطورات وليس لدينا ما نقوله أكثر من ذلك". ويذكر أن الهند وبنغلاديش وسريلانكا والمالديف ونيبال وبوتان وباكستان، أعضاء في رابطة دول جنوب شرقي آسيا للتعاون الاقليمي سارك، وهو تجمع يهدف إلى تطوير وتحسين التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة.