قتل زوج زوجته في حي البساتين الشعبي في القاهرة قبل أيام لشكه في سلوكها، وبعدما تحاور وتجاذب معها أطراف الحديث واعترفت له بأنها تحب صديقاً له، وبعد ما قتلها قتل ابناءه الاربعة، وفي اليوم التالي استدرج العشيق الى منزل الزوجية وقتله هو الآخر. وهذه الجريمة على رغم بشاعتها، لا سيما لكثرة عدد القتلى، إلا أنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. حين كان الفنان الراحل توفيق الدقن يطلق عبارته المشهورة "أحلى من الشرف مفيش" وهو يهمز ويلمز على فتيات الليل، وحين أكد عميد المسرح العربي المرحوم يوسف وهبي أن "شرف البنت زي عود الكبريت، يولع مرة واحدة بس"، لم يكونا يعبّران إلا عن المفهوم السائد للشرف، فشرف الأنثى هو حفاظها على عذريتها حتى زواجها، أما شرف الرجل فيرتكز على حفاظ المرأة على شرفها، وإذا فقدت المرأة شرفها، وغالباً يعني ذلك فض بكارتها قبل الزواج، يفقد أبوها وشقيقها وعمها وخالها وابناؤهم وأحفادهم شرفهم أيضاً. طبيب الأمراض النفسية الدكتور أحمد عبد الله يمهد لموضوع "جرائم الشرف بتقديم الإطار المجتمعي الذي سمح بوجود مثل تلك الجرائم وقوننتها. يقول: "المرأة في مجتمعنا ليست مسؤولة مسؤولية كاملة عن نفسها، وبالتالي أفعالها، فهي منذ الصغر تربّى في كنف الرجل. وهي ليست مسؤولة أمام المجتمع، ومن هنا عبارة "لم تجد رجلاً يشكمها أو يلمّها"، تعكس التفكير السائد، فهي إن أخطأت فذلك سببه انعدام رقابة وسيطرة الرجل عليها، سواء كان والدها، أو جدها، أو شقيقها، أو عمها، أو خالها... كما أن المجتمع يسحب صفة الرجولة من الرجل الذي لا يقوم بهذا الدور الرقابي. والدائرة مفرغة. فالمرأة المصرية في شكل أو بآخر ترحب بتلك السيطرة، وتشعر في عقلها الباطن بالارتياح للتخلص من مسؤولية نفسها وتكتفي بمحاولات "التزويغ" من تلك الرقابة، ولو أخطأت، تكون عادة العبارة التي تتبادر الى ذهنها وهي "لم يحذرني أحد". ويستطرد عبد الله عارضاً بقية ملامح الاطار المجتمعي السائد، فثقافة الشائعات - في رأيه - سارية ومعترف بها ومتأصلة لدينا، يقول: "نحن نتحدث عن الآخرين، ونخوض في كل ما يخصهم بدءاً من امورهم العامة وانتهاءً بأعراضهم، وهذا يتناقض تماماً مع الدين في مجتمع يدّعي أنه محافظ ومتدين". وللدكتور احمد عبدالله كل الحق في ذلك، فأسهل ما يمكن لأي فرد أن يقوم به هو أن يطلق اشاعة تلوث سمعة امرأة أو رجل، واستناداً الى مبدأ "لا دخان بلا نار"، تعمد الغالبية الى التعامل مع تلك الشائعة باعتبارها حقيقةً مسلماً بها. ويدخل احمد عبدالله فكرة "العرض الجماعي" ضمن اطاره المجتمعي الذي بدأ به حديثه، فعرض المرأة لا يخصها وحدها، لكنه أشبه بمبدأ تايم شير "اقتسام الوقت"، فكل من الرجال "المسؤولين عنها" يمتلك جزءاً من هذا العرض، ويقول: "وفي الدين الإسلامي لا شيء اسمه عار جماعي، فمن تجلب العار تجلبه على نفسها وحسب". والملمح الأخير من الاطار الاجتماعي لجرائم الشرف يكمن في النظرة العامة الى الأنثى باعتبارها عورة ومصدراً دائماً للتحريم. ويحلل استشاري الطب النفسي الدكتور خليل فاضل قضية جرائم الشرف في ضوء ذكورية المجتمع، والنمط الضيق الواحد الذي توضع فيه المرأة. يقول: "قضى العرف بأن من حق الرجل أن يلعب بذيله، وأن تكون له مغامرات، وبذلك يكون "جدعاً ومقطّع السمكة وذيلها وشاطر ومدردح"، وحين يرقى الى تلك المرتبة يكون في نظر أبيه وأمه وخاله وعمه بطلاً". أما الفتاة فلو أقدمت على مثل تلك "الدردحة" والشطارة، فهي "سيئة السمعة". ويؤكد فاضل أنه لا يشجع الانحلال بين أي من الجنسين، لكنه يوضح فقط التناقض والازدواجية السائدين في المجتمع، ويتساءل: "مفهوم الشرف بالنسبة الى الانثى ينحصر في غشاء البكارة، لكن الأهم هو: أين يقع مفهوم الشرف بالنسبة الى الرجل؟ وما مفهوم رجولته، وهو مفهوم هلامي جداً". ويستطرد فاضل قائلاً: "السائد في مجتمعنا هو الكيل بمعيارين، وهذا انتهاك لحقوق الآخرين، فالشاب ينهر شقيقته اذا وقفت على شرفة المنزل، لكن لا مانع لديه من أن ينام مع صديقتها". ويؤكد فاضل أن المجتمع يعزز فكرة الرجل المطلق على حساب المرأة الضعيفة ويتخيل هذا الرجل أن المجتمع نصبه قاضياً على المرأة وأعطاه حق ذبحها. لكن السؤال: هل هذا تصوّر من الرجال، أم هو حق مطلق أعطاه له المجتمع؟ يرد على هذا السؤال بطريقة غير مباشرة مدير وحدة العمل الميداني في المنظمة المصرية لحقوق الإنسان المحامي سعيد عبدالحافظ بقوله إن النص القانوني يفيد بأن من فاجأ زوجته وهي تزني وقتلها ومن يزني بها في الحال، يعاقب بالحبس لفترة تتراوح بين 24 ساعة و3 سنوات، وتخفف الجريمة من قتْل الى جنحة، لكن هذا لا يسري على المرأة التي تقتل زوجها لو فاجأته وهو يزني، بل إنه لا يمكنها أن تحرّك شكوى ضد زوجها الزاني، الا اذا حدثت واقعة الزنا في منزل الزوجية، وتكون عقوبة الزوج ستة اشهر. أما المرأة المتزوجة التي يثبت زناها فتُحبس سنتين". الفيلم المصري "عفواً أيها القانون" إخراج ايناس الدغيدي، يعتبره الكثر علامة مميزة في تلك التفرقة الواضحة بين الرجل والمرأة في عقوبة الزنا. فالبطلة التي قتلت زوجها حين فاجأته يزني في فراش الزوجية، بعد أن تزوجته عن قصة حب، واكتشفت انه عاجز جنسياً، وساندته وشجعته على العلاج، لم ينصفها القانون، ووجدت حبل المشنقة معقوداً حول عنقها. وهنا تؤكد الكاتبة ذات التوجه الاسلامي صافيناز كاظم أن معظم الرجال الذين يقتلون زوجاتهم في ما يسمى ب"جرائم الشرف" عاجزون جنسياً، تقول: "هناك ظاهرة يمكن أن يطلق عليها "كلية العجزة الجنسيين"، مهمة المنتسبين اليها اثارة حنق النساء الى أقصى حد، وهي في اطار عمليات "البلطجة" السائدة في المجتمع". وتقول بلهجة أشبه بالصراخ: "يا أهل القوانين، نحتاج قانوناً حقيقياً لحماية المرأة". منسقة وحدة إعلام الطفولة في المجلس العربي للطفولة والتنمية السيدة ايمان بهي الدين تقول إنه سواء كانت المرأة زانية أو مغتصبة أو هُتك عرضها لا يجوز للزوج أن "يغسل عاره بيده". وتؤكد أن نصوص القوانين في هذا الشأن في حاجة ماسة الى التغيير، إضافة الى أهمية التوعية بأن جريمة الشرف تصيب الأسرة كلها بالدمار، ولن تضفي أية ايجابية على من اقترفها". ولا يقف الأمر عند حد التميز الكامل للرجل في جرائم الزنا، يقول عبد الحافظ: "البند الرابع من قانون العقوبات أورد جرائم هتك العرض، فمن أوقع أنثى بغير رضاها، عوقب بالأشغال الشاقة الموقتة بين ثلاث سنوات وتسع ويصفها عبدالحفيظ بأنها عقوبة هزيلة مقارنة بالجرم، وشدد القانون العقوبة في حالتين لو كانت الأنثى أقل من 16 عاماً، واذا كان الفاعل من أصولها أو من المتولين تربيتها. من جهة اخرى، فلو تعرض رجل لأنثى بإشارة أو قول يحكم عليه بالحبس مدة لا تزيد على شهر، واذا كررها في خلال العام الأول يحكم عليه بمدة لا تزيد على ستة شهور. إلا أن عبدالحفيظ لا ينظر الى نصف الكوب الفارغ فقط، بل وجد بعض الايجابيات التي طرأت على الصعيد القانوني في الآونة الاخيرة، يقول: "المادة 14 لسنة 1999 ألغت المادة 291 من قانون العقوبات والتي تقضي بأنه لو تزوج الخاطف بمن خطفها زواجاً شرعياً لا يحكم عليه". وكان هذا النص يشجع من خطف فتاة أن يتزوجها في مخفر الشرطة ويطلقها وهو خارج منه. أما النقطة الايجابية الثانية، فهي قانون الخُلع الذي حل جزءاً من مشكلة استمرار دعاوى الطلاق لفترات طويلة، وهو ما كان يدفع عدداً من الزوجات الى الجمع بين اكثر من زوج، وبالتالي حد هذا القانون من جرائم الشرف. الدكتور أحمد عبدالله من جهته يشبّه جرائم الشرف التي يقتل فيها الرجل المرأة بالوثنية وعصور الجاهلية، يقول: "يؤمن بعضهم بأنها طريقة جيدة لتقديم القربان قتل المرأة لتحقيق الطهارة، وهذا مناقض للدين الاسلامي الذي ينص على أن الانسان يقترب الى الله بعمله، ثم إن الله سبحانه وتعالى وضع حدوداً واضحة لمثل تلك الأمور". وفاضل يقول إن الرجل المهمش الضعيف نفسياً واجتماعياً يدمر نفسه والآخرين من خلال سلوكيات، مثل جريمة الشرف. ويتفق الجميع بشكل أو بآخر على الحاجة الى توعية المجتمع بالأضرار الجسيمة التي تنتج عن جرائم الشرف. أحمد عبدالله يرى أن الدين يسعفنا في أي محاولة لرفع الظلم، "فهذه هي نقطة البداية الصحيحة، فالقرآن والسُنة خير مرجع، لا سيما أن التجربة الغربية في هذا الصدد ليست مشرفة، من جهة أخرى، علينا أن نربي المرأة منذ صغرها على أنها مسؤولة عن نفسها". ويؤكد فاضل أن الدين الصحيح لا يسمح بمثل تلك الجرائم، و"الجميع في حاجة الى تغيير العقلية والخضوع لعملية إعادة تعليم، حتى الطبقات الاجتماعية العليا، وهنا تقع على وسائل الإعلام مسؤولية كبيرة للتوعية". صافيناز كاظم أيضاً تقول إن "اسلحة الدمار الشامل" في يد الرجل وحده وعلى واضعي القوانين التنبه لذلك. وتضم ايمان بهي الدين صوتها مطالبة بتضافر جهود رجال الدين والإعلام لدعم حركة شعبية نابعة من المجتمع نفسه، لا سيما أن مصر تتمتع حالياً بهامش كبير من الحرية يسمح لها بتناول قضايا كان الحديث عنها محظوراً قبل سنوات ليست بعيدة. نسب ومعلومات نسبة التعرض للاغتصاب متقاربة جداً في كل من البلدان الصناعية والبلدان النامية، وامرأة واحدة بين كل خمس أو سبع نساء تتعرض للاغتصاب في حياتها. - من بين 910 آلاف من حالات الحمل في العالم، نصفها غير مخطط له، ونحو 25 في المئة غير مرغوب فيه، وتنتهي نحو 150 ألف امرأة حامل كل يوم الى الاجهاض، فثلث هذا العدد يتم اجهاضه في ظروف خطرة، وتموت خمسمئة امرأة في العالم يومياً بسبب الاجهاض غير المأمون. - غالباً ما تكون الفتيات هدفاً للاساءة الجنسية، ويعود ذلك الى تدني مكانتهن الاجتماعية، وانعدام التعليم كسلاح يحميهن ويوفر لهن سبل الامتناع والجنس المأمون. - الخبيرة في مجال حقوق المرأة في الاردن الدكتورة لميس ناصر تشير الى أن نسب دوافع جرائم العنف ضد المرأة في الاردن كالتالي: 8،55 في المئة القتل دفاعاً عن الشرف، يليها الاغتصاب في المرحلة الثانية بنسبة 1،33 في المئة، وهتك العرض في المرتبة الثالثة بنسبة 2،21 في المئة.