تذرف دنيا، 48 سنة، الدموع وهي تروي حادثة اقتحام مسلحين منزلها وتهديدها باغتصاب ابنتها فوزية ما لم تعطهم فدية مالية. ثم تقودني، وزميلتي المترجمة، إلى سيدة أفريقية اغتصبها 20 شخصاً في حي البساتين في عدن، منطقة سكن آلاف الأسر الصومالية التي لجأت إلى اليمن هرباً من القتال الدائر في بلدها. تعتبر اللاجئات الأفريقيات وإناث الفئات الاجتماعية المهمشة، الحلقة الأضعف والأكثر عرضة لجرائم الاغتصاب التي غالباً ما يفلت مرتكبوها من يد العدالة، بسبب ضعف القوانين وشيوع ثقافة اجتماعية تحول دون الاعتراف بحقوق الضحايا. وما انفكت عبارة «النار ولا العار» تحضر على ألسنة اليمنيين لتعكس مدى تغلغل ثقافة العيب في بنيان هذا المجتمع المحافظ وتوارثها على مدى أجيال. وينظر إلى المرأة المغتصبة باعتبارها لطخة عار لا تمحى مهما كانت ملابسات اغتصابها. ولعل في حادثة نشوب قتال بين قبيلتين على خلفية سماح شخص لحماره باغتصاب أتان (أنثى الحمار) يملكها شخص من قبيلة أخرى، بحسب ما تناقلته الأنباء قبل نحو سنتين، ما يشي بثقل ثقافة العيب واستمرار النظرة المعيبة واللاعقلانية إلى جرائم الاغتصاب. ومعظم هذه الجرائم يُحَل خارج إطار القانون. ولكنها تقع على أسرة المغتصبة مثل شوكة في الحلق لا يزول ألمها. وإذا علمنا أن منطق الدم بالدم وراء انتشار ظاهرة الثأر، يبدو تأثير جرائم الاغتصاب أكثر فداحة وهي تظل تطارد شرف أسرة المغتصبة على مدى أجيال. نادرة هي الحالات التي تتزوج فيها المغتصبة بمغتصبها وتكون في الغالب نتاج تسوية ودية بين الأسرتين. وتحدث عادة مع الضحايا العذارى وصغيرات السن، أو حين يكون المغتصب قريباً. غير أن هذا النوع من الزيجات لا يدوم طويلاً. ويحدث أحياناً أن يموت الزوج أو الزوجة أو كلاهما بعد فترة غير قصيرة، وفي ظروف غامضة يُعتقد أنها جرائم شرف. ويشيع شعبياً عدم التفريق بين الزنى والاغتصاب، وهو يمتد إلى داخل مجلس النواب المعني بالتشريع. ويشترط قانون الجرائم والعقوبات اليمني إسقاط الحد الشرعي الخاص بجريمة الزنى لسريان عقوبة الاغتصاب التي تتراوح بين الحبس عامين و15 عاماً كحد أقصى. وتنص المادة 269 من القانون على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سبع سنوات كل من اعتدى بالاغتصاب على أي شخص، ذكراً كان أم أنثى، من دون رضاه. ولا تزيد على 10 سنوات في حال ارتكب الجريمة شخصان أو أكثر، أو كان الجاني من المتولين الإشراف على المجني عليه أو حمايته أو تربيته أو حراسته أو معالجته، أو أصيب المجني عليه بسبب الحادث بضرر جسماني، أو حملت المجني عليها بسبب الجريمة، أو تسبب الفعل بانتحارها... وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس عشرة سنة، إذا كان سن المجني عليها لم يبلغ الرابعة عشرة. وتربط تقارير بين التعرض للاغتصاب وانتشار ظاهرة انتحار اليمنيات، خصوصاً العذارى منهن واللواتي لا ينجحن في التخلص من الجنين. وبعض المتزوجات يتكتمن على الجريمة ولا يبحن حتى لذويهن، فهذا بالنسبة إليهن أقل وطأة من الفضيحة. ولا يقتصر أمر التكتم على أسر الإناث المغتصبات، بل يطاول أيضاً حالات اغتصاب الذكور. وحتى لو كان الاغتصاب مجرد إشاعة، فإنه يترك أثراً سلبياً على الأسرة. مثال ذلك فوزية (15 سنة) التي قالت إنها توقفت عن حضور دروس اللغة الإنكليزية التي تنظمها جمعية خيرية في الحي، بسبب نظرة زميلاتها إليها بعدما أشيع بأن مسلحين اغتصبوها، مشيرة إلى أن زميلاتها لن يصدقن براءتها. وتبدو السيدة «مليون» الصومالية التي اغتصبها 20 شخصاً، بحسب قولها، أشبه بمن فقد الإحساس بمحيطه... وهي أفادت بأن اغتصابها تسبب في قتل الجنين الذي في رحمها، من دون أن تتمكن من الحصول على حق معاقبة الجناة. ويؤخذ على القانون عدم تشدده في العقوبة ضد مرتكب جريمة الاغتصاب، خصوصاً في ما يتعلق بالضحية القاصر، إضافة إلى إغفال القانون جريمة الشروع في الاغتصاب، والتي عادة ما يجري تكييفها باعتبارها هتك عرض ولا تتجاوز عقوبتها الحبس مدة عام وغرامة 3000 ريال يمني. وتؤدي حال الفوضى والفلتان الأمني التي يشهدها اليمن منذ اندلاع الاحتجاجات، مطلع العام الماضي، إلى تزايد حالات الاغتصاب، خصوصاً في أوساط نساء الفئات الدنيا والفقيرة واللاجئات الأفريقيات. ويقول ناشطون حقوقيون إن القانون اليمني منحاز ضمنياً للذكور على حساب الإناث، مشيرين إلى أن بعض جرائم الاغتصاب يجري تكييفها بسبب «مطاطية» النصوص القانونية في اعتبارها جرائم زنى، ويجري التعامل مع المجني عليها باعتبارها شريكة في الجريمة. وفضلاً عن ضعف النصوص القانونية المتعلقة بالاغتصاب وفساد القضاء وانحيازه لأسباب سياسية واجتماعية، تفتقر أجهزة العدالة للوسائل الحديثة التي تسهّل التحقق من الجرائم، مثل أجهزة فحص الحمض النووي. وفي الحالات التي يتم فيها التعرف إلى الجناة وضبطهم فإن بعضهم يفلت من العقاب، خصوصاً إذا كان صاحب مركز اجتماعي كبير، أو موظفاً في جهاز الدولة، أو تكون الضحية من الفئات الفقيرة، مثل اللاجئات والمهمشات. وقالت دنيا إنها أبلغت الشرطة بأسماء اليمنيين الذين اقتحموا منزلها وهددوها باغتصاب ابنتها، بيد أن المتهمين ما لبثوا أن عادوا ومعهم عدد أكبر من المسلحين، وأجبروها على توقيع إقرار بالتنازل عن القضية. ويؤدي شيوع التكتم وعدم الإبلاغ عن جرائم الاغتصاب إلى غياب الإحصاءات الدقيقة عن حالات الاغتصاب. وبحسب منظمة اللاجئين فإن 3000 امرأة أفريقية تعرضن للاغتصاب من قبل مهربين خلال العام الماضي في منطقة حرض الحدودية. وإضافة إلى المهربين تتعرض بعض اللاجئات للاغتصاب من قبل عناصر في الشرطة ومواطنين يمنيين. وفي بعض المناطق، ينظر إلى النساء الهامشيات المعروفات باسم الخادمات باعتبارهن «متاعاً متاحاً» لبعض أفراد الفئات الأعلى والمعروفين باسم القبائل. وقلما تجرأت نساء هذه الفئة من المغتصبات على الشكوى للجهات الرسمية خشية انتقام مغتصبيهن، ونتيجة الشعور بعدم تعامل الجهات الرسمية بجدية وعدالة.