قدَّمت منشورات "أصدقاء المعرفة البيضاء" في بيروت كتاباً بعنوان "تعرَّف إلى ذاكرتك"، في 64 صفحة من القطع الوسط، من تأليف الدكتور جوزيف مجدلاني، وهو يندرج في خانة "علوم باطن الإنسان"، التي تسمى إيزوتيريك، كاشفاً أسرار الذاكرة وطرق تطويرها. ويُظهر الكتاب أنَّ للذاكرة علاقة مباشرة بالوعي، كونها بعدًا من أبعاده أو جزءاً من أجزائه، "بل هي القسم المتفتّح والناشط والمنظم من الوعي، أي القسم المكثف منه، لأنها مقدرة على احتواء المعلومات والمعارف". وبذلك تكون الذاكرة "القسم الأكثر وعياً في الجزء الواعي من الكيان البشري، لأنها مقدرة الوعي نفسه على التمدد عبر الزمن". قد يتساءل بعض القرَّاء الذين لم تتسنّ لهم الفرصة للإطلاع على الإيزوتيريك كيف تكون للذاكرة أهميَّة كبيرة في تطور الوعي، لكنهم يستطيعون ان يراقبوا انعكاس هذه الحقيقة في شتى الأمور الحياتية. أليس التاريخ نفسه، وهو ذاكرة الأحداث، المرجع الأكثر أهمية لتقويم وعي الشعوب؟ أليست ملفات وسجلات أرشيف الشركات وهي ذاكرتها العنصر الأساسي في عملياتها؟ فكيف بالحريّ ذاكرة الإنسان، تلك التي لا تقتصر على المعلومات المادية البديهيَّة بل على الخبرات الإنسانيَّة التي يتشرّب الوعي خلاصتها. من هنا يوضح الكتاب أن "العقل هو المختبر، المعرفة مادة الاختبار، الوعي حصيلة الاختبار"، إذاً، كون الذاكرة سجلاً للاختبارات، يجعلها في منتهى الأهميّة للربط والمقارنة في سبيل تطوير حصيلة الاختبارات. يوضح الكتاب المستلزمات الضرورية لتطوير الذاكرة ومجموعة تمارين تطبيقية لتفتيح قدراتها وتقوية ملكة التركيز حتى لا تشيخ مع التقدم في العمر. ويشرح الكتاب أنّ أسباب التفاوت في مقدرات الذاكرة عائدة إلى العناصر التالية: 1- قوة التركيز الذهني والانتباه، 2 -العناية بالذاكرة والاهتمام بتطويرها، 3 -درجة الوعي المكتسبة في خبرات الإنسان. نلاحظ أن تلك الأسباب عائدة كلياً إلى إرادة الإنسان في الجهد والاكتساب وليس إلى عامل الحظ، بذلك يبرز السؤال: هل الطاقات الهاجعة في الإنسان وجدت لتكتشف وتحسن حياة صاحبها وتوسع مداركه، أم لتبقى غافلة كامنة وكأن لا وجود لها؟!". ويسترسل الكتاب موضحاً أن للذاكرة أنواعاً عدة مترابطة ببعضها بعضاً. فلكل جهاز وعي في الإنسان ذاكرته، كما أن لحواس البصر والسمع والشم والذوق واللمس ذاكرة. وللفطرة في الإنسان ذاكرة تحوي المعلومات الأولية التي تحثه على الحركة والأحاسيس… وهي تُشَبَّه بالذاكرة الأولية ROM التي برمجت عند تجميع الكمبيوتر.أما الذاكرتان الأساسيتان عند الإنسان فهما الذاكرة المادية الظاهرية في الدماغ والذاكرة الباطنية. وتعتبر ذاكرة وعي الظاهر، أي المقدرة الذهنية المادية. امتداداً للذاكرة وعي الباطن. محتوياتها عادية كالأسماء والعناوين والأمور الحياتية المادية. وهي تُشَبَّه بالذاكرة العاملة RAM في الكومبيوتر. ومفتاح الذاكرة الباطنية هو الحكمة، وفهرسها مراحل الوعي المكتسبة وقد تُشَبَّه بذاكرة التخزين HARD DISK في الكومبيوتر، التي تسجل فيها خلاصة العمليات التي سجلت في الذاكرة العاملة RAM. ولا تصح المقارنة بين ذاكرة الإنسان وذاكرة الكومبيوتر إلا في سبيل التشبيه لتقريب المفاهيم، فذاكرة الكومبيوتر تحفظ بينما ذاكرة الإنسان تعي. ومن اطلع على تركيبة الكومبيوتر يلاحظ أن الإنسان ما كان ليخترع آلة كهذه لو لم يكن النموذج الأصلي كامناً فيه. أفلا يذكر ذلك بالقول الشهير للفيلسوف اليوناني أفلاطون أن "المعرفة هي تَذكُّر".