كشف مدى الخفض غير المتوقع في اسعار الفائدة الاميركية التي اعلن عنها مجلس الاحتياط الفيديرالي المصرف المركزي الاميركي يوم الاربعاء الماضي عن الاهمية التي يوليها المصرف المركزي، وبشكل خاص رئيسه الن غرينسبان، لاستقرار الاسواق المالية من اجل سلامة الاقتصاد الاميركي من الآن فصاعداً. واشنطن، لندن - "الحياة"، أ ف ب، رويترز - اتفقت غالبية عظمى من الاقتصاديين على ان تباطؤ وتيرة الاقتصاد الاميركي منذ الصيف، وحتى وتيرته السريعة، لا تبرر اتخاذ اجراء بهذا الحجم خارج الاجتماعات الدورية للجنة السياسة النقدية. واختصر فرانكو موديلياني الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد لعام 1985 الموقف بقوله: "لم يكن هناك من حاجة للاستعجال في تخفيض الفوائد... من دون ادلة ثابتة على تغير الظروف" الاقتصادية. وكان معظم الاقتصاديين الرئيسيين الاميركيين ال45 الذين استطلعت صحيفة "وول ستريت جورنال" آراءهم اخيراً، لا يزال يتوقع تحقيق نمو اقتصادي بنسبة اثنين في المئة في النصف الاول من سنة 2001 و2.8 في المئة في الاشهر الستة التالية مقارنة باكثر من اربعة في المئة في الفترة الممتدة من كانون الثاني يناير الى حزيران يونيو عام 2000. وبما ان تخفيض مجلس الاحتياط الفيديرالي للفوائد يحتاج الى ستة اشهر لظهور انعكاسات الخفض على النشاط الاقتصادي، كان بامكان الن غرينسبان ان يتريث قبل اتخاذ قرار تخفيض الفوائد وينتظر اجتماع اللجنة النقدية المقبل في نهاية كانون الثاني يناير الجاري. ويهدف القرار المهم الذي اتخذه مجلس الاحتياط الفيديرالي، بتخفيض فائدة الاحتياط بنسبة نصف في المئة الى ستة في المئة وفائدة الخصم بنسبة نصف نقطة مئوية على مرحلتين الى 5.5 في المئة، بشكل خاص الى "تغيير نفسية الاسواق" الواقعة ضحية تشاؤم اعتبره الن غرينسبان نفسه مطلع كانون الاول ديسمبر بانه مفرط وخطير بالنسبة لاقتصاد ينحو ناحية التباطؤ، على حد ما كشف تيموثي اونيل الاقتصادي في "هاريس بنك/بنك اوف مونتريال" في شيكاغو. وكان مؤشر سوق "ناسداك" الاميركية، الذي تغلب عليه شركات التكنولوجيا، سجل في العام الماضي اكبر تراجع منذ تأسيسه قبل نحو 30 عاماً، اذ مني بخسارة نسبتها 39.3 في المئة. وهبط المؤشر بنسبة سبعة في المئة قبل يوم من خفض الفائدة، ليرتفع بنسبة 14.8 في المئة يوم اعلان خفض الفائدة. وشهد مؤشر "داو جونز" العام الماضي من جهته اول تراجع سنوي له منذ فترة الركود السابقة قبل عشرة اعوام وخسر ايضا 1.3 في المئة عند اقفال اول جلسة له في سنة 2001. وهذه الخسائر تعتبر فادحة بشكل واضح بالنسبة الى الن غرينسبان لانها تتجاوز بكثير التوسع الصحي للمضاربات، وبنوع خاص في اسعار اسهم الانترنت، التي تم تسجيلها في الربيع الماضي بحسب بعض المحللين. ويشعر رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي، الذي يحظى باحترام كبير، بقلق متزايد من الانعكاس السلبي للأرقام السيئة المسجلة في الاسابيع الاخيرة على معنويات المستثمرين والمستهلكين، اكثر من قلقه مما تحمل من معان اقتصادية بحتة على حد اعتبار المحللين. وقال جون لوينسكي من مؤسسة "موديز للاستثمارات" ان الاحتفاظ بقيمة سوقية مناسبة بات من الآن فصاعداً أمراً اساسياً جداً لضمان استثمارات الشركات ودعم الاستهلاك بسبب مفعوله الايجابي في زيادة الرسملة. وكانت رسملة الاسواق المالية في نهاية عام 1999 تمثل 170 في المئة من اجمالي الناتج المحلي الاميركي المقدر بنحو 10 آلاف بليون دولار مقابل 50 الى 70 في المئة فقط في نهاية الثمانينات بحسب شركة "بيانكو ريسيرتش" للابحاث. من جهة اخرى، ارتفع عدد الاميركيين حاملي الاسهم مباشرة او بواسطة صناديق استثمار وتقاعد مشتركة من 52 مليون شخص الى 84 مليوناً بين 1989 و1998 بحسب احصاءات بورصة "وول ستريت". وقد لعب ارتفاع أسعار الأسهم منذ مطلع العقد الماضي دوراً مهماً في الاداء الاقتصادي في تلك الفترة، ما وفر نقطة نمو اضافية في السنوات الاخيرة حسب مجلس الاحتياط الفيديرالي. النظام المالي العالمي قال مسؤول في مجلس الاحتياط الفيديرالي ان النظام المالي العالمي المعقد بشكل متزايد يشكل تحديات للمصارف المركزية في الوقت الذي تستعد فيه لمواجهة أزمات ستظهر لا محالة في المستقبل. وقال توماس هوينغ رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي في كنساس سيتي ان عوامل كثيرة تلعب دوراً في تحويل النظام المالي العالمي. واضاف ان من بين هذه العوامل التكنولوجيا والعولمة والطريقة السريعة التي يسير بها الاندماج بين المؤسسات المالية. وأضاف: "بشكل عام هذه التطورات لها جوانب ايجابية كثيرة على كل من المستهلكين وقطاع الاعمال. ولكنها تشكل ايضا بعض التحديات الكبيرة الى حد ما لكل من السوق والبنوك المركزية المكلفة بمحاولة الحفاظ على الاستقرار المالي وتنفيذ السياسة النقدية". ولم يناقش هوينغ المستقبل الاقتصادي الاميركي الحالي او اسعار الفائدة. وهوينغ واحد من بين عدد من مسؤولي مجلس الاحتياط الفيديرالي الذين سيجتمعون في واشنطن يومي 30 و31 كانون الثاني الجاري لمناقشة اسعار الفائدة، علماً ان طبيعة الاجتماع قد تغيرت بعد خفض الفائدة المفاجئ الذي اعلن عنه مجلس الاحتياط يوم الاربعاء الماضي.