لم تتغير مقديشو كثيراً عما كانت خلال زياراتي المنتظمة لها في السنين العشر الماضية، منذ أن تمردت القبائل المناوئة للرئيس السابق الجنرال محمد سياد بري واطاحته في مثل هذا الشهر من العام 1991. فالزائر اليوم، كما في السنين السابقة، لا يحتاج الى تأشيرة دخول ولا حتى الى وثيقة او جواز سفر، كما لا يهبط في مطارها الدولي ولا يرسو في مينائها الرئيسي. ميناء مقديشو ومطارها الدوليان لا يزالان مُغلقين منذ رحيل قوات الاممالمتحدة من البلاد عام 1995. إذ فشل كل من الفصائل القبلية الرئيسية في السيطرة على اي من هذين المرفقين الحيويين اللذين يوفران أهم مصدر دخل مالي للميليشيات. فاستعاضت هذه الفصائل عن فشلها بأن افتتح كل منها ميناءه او مطاره الخاص. وهذه المطارات عبارة عن مهابط أرضية رمالها ممهدة بعرض حوالي 40 متراً وبطول يكفي لهبوط الطائرات وإقلاعها. لا برج مراقبة فيها يرشد قائد الطائرة لدى هبوطها، ولا قاعات مغادرة او استقبال، فهي شبيهة بمحطات الباصات او سيارات الاجرة في أي قرية او بلدة عربية نائية. هبطت "طائرة القات" الصغيرة التي أقلتني من مطار ويلسون الكيني في أحد هذه المطارت على اطراف مقديشو الجنوبية، ويدعى "مطار الجزيرة" ويسيطر عليه تحالف زعيمي الحرب موسى سودي يلحو والعقيد عبدي حسن كايبديد. الطائرة تتسع لحوالي 25 كيساً من القات وأربعة ركاب الى جانبها وخامس الى جانب قائد الطائرة حيث كان مقعدي في تلك الرحلة اليومية بين نيروبي ومقديشو. الرئيس الصومالي الانتقالي عبدي قاسم صلاد حسن الذي انتخبه برلمان قبلي خلال مؤتمر عقد في منتجع عرتا الجيبوتي في آب اغسطس الماضي، وحصل على اعتراف كل العالم، بما في ذلك الاممالمتحدة، يستخدم في رحلاته من مقديشو واليها، مطاراً آخر يبعد نحو 90 كلم منها يدعى بالي دوغلي كان قاعدة عسكرية ايام حكم سياد بري. وهو يقول إن أسباباً تقنية تمنعه من الهبوط في مطار مقديشو الدولي. وتعهد في حديثه الى "الحياة" أن المطار والميناء سيفتتحان قريباً بعد حل المشكلة التقنية وتجهيز المرفق كهرباء ومعدات. لكن معارضيه يقولون إن المدرجات تقع ضمن مرمى نيران ميليشيات يلحو المناوئة للرئيس، والتي تسيطر على منطقة تدعى حي مدينة. كما ان زعيم الميليشيات القوي في مقديشو عثمان حسن علي عاتو يشدد على انه "لن يسمح باعادة فتح المطار والميناء قبل عقد مؤتمر وطني جديد وتشكيل حكومة جديدة". والحال كذلك، لا يجد الزائر بعد هبوطه في مدرج "الجزيرة" دائرة للجمارك أو أخرى للهجرة للتثبت من التأشيرة. كما لا يجد من يسأله هل لديه وثيقة تؤكد انه ملقح ضد الملاريا والتيفوئيد وغيرهما، وتلك وثيقة تشترطها السلطات في معظم مطارات الدول الافريقية. تستقبلني على المهبط، كما في الاعوام السابقة، عناصر مسلحة تدعى "تكنيكلز" لا يمكن أي زائر أجنبي التنقل في المدينة أو خارجها من دون مرافقتها لحمايته خلال اقامته، فيما يحاول الجنرال محمد نور جلال تأسيس جهاز جديد للشرطة. مقر الرئيس صلاد حسن في منزله جنوب مقديشو، حيث عيَّن رجل الاقتصاد علي خليف غلير رئيساً للوزراء، فشكل الأخير حكومة انتقالية من 25 وزيراً، يقيم غالبيتهم الى جانب معظم النواب ال 254 في فندقي "رمضان" و"شامو" اللذين افتتحا خلال الحرب، الى جانب فندقين آخرين. في حين يقيم عاتو المعارض للرئيس على مسافة كيلومتر واحد من منزل صلاد حسن. اما المقر الرئاسي السابق المعروف ب"فيللا صوماليا" فيسيطر عليه زعيم الميليشيات حسين محمد فارح عيديد ويقيم قربه. داخل العاصمة، يمكن الصومالي او الاجنبي استيراد او تصدير أي شيء يرغب فيه بدءاً من المواد الغذائية الى القات والحشيش، وحتى الاسلحة بما في ذلك البنادق الآلية والقاذفات الآلية الدفع "ار.بي.جي" والمدافع المضادة للطائرات. كل ذلك من دون أي ضرائب تجبى او تراخيص للتصدير والاستيراد. كما يمكن الحصول، على جواز سفر صومالي في مقابل 30 دولاراً! وهو ما فعلته قبل خمس سنوات، وحصلت على جواز سفر آخر في عهد الرئيس الجديد، ولكن من دون توقيع وزيره المعني، وعليه اختام دوائر سياد بري. الحكومة الجديدة تقول إنها ستصدر جواز سفر جديداً قريباً، وكذلك عملة جديدة تحل مكان المستخدمة حالياً، والتي كان تجار مقديشو وقادة ميليشيات طبعوا كميات كبيرة منها في الخارج واستعملوها كل حسب حاجته! ولكن على رغم ان السلطات الجديدة لم تثبت أقدامها بعد في كل البلاد، إلا أنها مصممة على استعادة الامن والسيطرة على كل المرافق الحيوية. وهي بذلك تستند الى شرعية دولية وتأييد اعيان القبائل الرئيسية الذين انتخبوها. إلا أن الطريق نحو السلم الاهلي يبدو طويلاً، وكما اعترف الرئيس الانتقالي صلاد حسن ب"أن المشاكل الداخلية أكثر تعقيداً من الاعتراف الدولي" بحكومته.