عندما فتحت ابواب كنيسة القيامة في حي سوكولنيكي شمال موسكو قبل ساعات من قداس رأس السنة، صعق المصلون لرؤيتهم جثة شاب في الخامسة والثلاثين من عمره متدلية من السقف. وكان هذا واحداً من ثمانية اشخاص قرروا الانتحار في اليوم الاخير من عام 2000، لينضموا الى لائحة طويلة بأسماء من فقدتهم روسيا خلال سنوات "الاصلاح" والذين يقترب عددهم من ضحايا الحرب العالمية الثانية. واذا كان الثمانية انتحروا عن قصد وتصميم فان اربعة آخرين لم يتح لهم الاحتفال بقدوم الالفية الثالثة لانهم ماتوا متجمدين. وهؤلاء كثر عددهم منذ ان تخلت الدولة عن التزامها توفير السكن او على الاقل العمل لمواطنيها او دفع تعويضات، معقولة للعاطلين. ومن لا يجد عملاً، يلجأ عادة الى الجريمة، ولذا سجلت في اليوم الاخير من عام الفين، ثلاث جرائم قتل و31 اعتداء ادت الى جروح خطيرة. وكل الارقام الوادرة، هي حصيلة يوم واحد في موسكو وحدها، ويمكن تصور فداحة الخسائر في سائر انحاء البلاد. ونشرت هيئة الاحصاء الحكومية تقريراً امس، اشار الى ان عدد سكان روسيا بدأ يتقلص بوتيرة سريعة منذ عام 1992، اي مع بدء "الاصلاحات الراديكالية" فانخفض من زهاء 149 مليوناً الى 144، ويتوقع ان يصل عام 2015 الى 4،134، اي ان البلد سيكون قد فقد 14 مليون نسمة، فيما اشارت توقعات اعدها خبراء هيئة الاممالمتحدة الى ان عدد سكان روسيا سيصل عام 2050 الى زهاء 120 مليوناً، فيتراجع البلد بذلك من المرتبة السابعة التي يحتلها حالياً الى الموقع الرابع عشر في لائحة الدول الاكبر عدداً. وللمقارنة، تكفي الاشارة الى ان روسيا خسرت خلال حربين هما العالمية الاولى 1914 - 1918 والاهلية 1918 - 1921، عشرة ملايين نسمة بين قتيل ومهاجر. وفقدت خلال اربع سنوات من الحرب العالمية الثانية ضد المانيا وحلفائها 15 مليون نسمة. وللعلم فان الالمان استخدموا الطيران والمدفعية وسائر الاسلحة الفتاكة، فيما اقتصر "المصلحون" على تجويع السكان وحرمانهم من اسباب العيش وحتى مبرراته. ومن المحزن ان الخسارات الاكبر سجلت في مناطق تسكنها اقليات قومية مهددة اصلاً بالانقراض، وخصوصاً في الشرق الاقصى. فقد وصلت نسبة الانكماش الديموغرافي في مقاطعة تشوكوتكا الى 48 في المئة، اي ان هذه المنطقة فقدت نصف سكانها في غضون ثماني سنوات. وسجل خبراء الاحصاء ظاهرة كارثية اخرى، اذ ان 580 الفاً من القادرين على العمل توفوا عام 1999، وشكلوا بذلك 27 في المئة من نسبة الوفيات الاجمالية في السنة المذكورة. وازاء هذه الارقام قد يشعر المواطن الروسي باحباط شديد يدفعه الى التفكير بالانتحار غيظاً ولكن مثل هذه الاخطار لم يراود من اطلقوا كارثة "الاصلاحات" فالرئيس السابق بوريس يلتسن ما برح يحتل قصراً رئاسياً حكومياً في ضواحي موسكو واقرب مساعديه موزعون بين المناصب الحكومية ورئاسات البنوك والمؤسسات المدنية التي انشئت على انقاض الدولة وفوق حطام سكانها.