تفقد روسيا سنوياً 1.3 مليون نسمة، من دون حروب نووية أو تقليدية، ما دفع الرئيس فلاديمير بوتين الى الاعراب أمس، عن قلقه من خطورة الوضع الديموغرافي الذي يهدد بتحويل اجزاء واسعة من الدولة التي تحتل سبع اليابسة في العالم، الى أرض بلا بشر، ما يدفع الجيران الذين تتزايد اعدادهم الى السعي ل"ملء الفراغ". وتلقى رئيس الدولة تقريراً من وزير الصحة يوري شيفتشينكو الذي أكد ان الكثيرين من ابناء روسيا يموتون وهم في عزّ الصبا بسبب امراض غدت "منسية" في البلدان المتطورة مثل السلّ وضغط الدم. وذكر الاكاديمي نيكولاي بتراكوف ان ما يجري حالياً هو "كارثة عمرها عشرة اعوام"، مشيراً الى ان "الاصلاحات" التي بدأت مطلع التسعينات قضت على انظمة الصحة والضمان الاجتماعي بحجة "التوفير" في نفقات الموازنة. ولاحظ المراقبون ان الرئيس السابق بوريس يلتسن كان منع اجراء احصاء سكاني خوفاً من ان تكشف نتائجه الأوضاع المأسوية التي وصلت اليها البلاد خلال السنوات العشر الماضية، اذ تقلص عدد السكان باستمرار. وكانت الأرقام الرسمية تشير الى تقلص يصل الى 750 ألف نسمة سنوياً، في حين اعترف بوتين اخيراً، بأن الرقم الحقيقي يصل الى 1.3 مليون. ويعني ذلك ان عدد سكان روسيا قد ينخفض من 147 مليون نسمة حالياً الى زهاء 50 الى 60 مليوناً بعد نصف قرن او اكثر بقليل. وهذا بدوره سيعني ان الكتلة السكانية في تركيا وإيران ستكون أكبر مما في روسيا، ما قد يدفع الأتراك والايرانيين الى "ملء الفراغ" الديموغرافي، تماماً كما يفعل الصينيون حالياً بتمددهم في مناطق الشرق الأقصى المحاذية لهم. ويقول خبراء الديموغرافيا ان روسيا لن تجد بعد سبع سنوات عدداً من الشبان الذين بلغوا سن الخدمة العسكرية يكفي لقوات الحدود وحدها، ناهيك عن الاجهزة الأخرى الكثيرة التي تحتاجها دولة مترامية الأطراف مثل روسيا. والأكيد ان اعتراف رئيس الدولة بخطورة المشكلة قد يكون فاتحة لمعالجتها، الا ان روسيا عاجزة الآن عن وقف التدهور بالكامل. فالانكماش الديموغرافي هو ثمرة عملية تخريب متعمد او غير مقصود للاقتصاد بدأت عام 1992، وأدت الى تقلص الانتاج الصناعي الى النصف تقريباً وفقدان روسيا أمنها الغذائي واعتمادها الأغذية المستوردة بنسبة 51 في المئة. ويفتقر العديد من المستشفيات الى المستلزمات الطبية الأولية وغالباً ما يطلب من المرضى ان يجلبوا معهم الأدوية والضمادات، ناهيك عن "المكافآت" للأطباء والممرضات. فالممرضة تتقاضى شهرياً مبلغاً يعادل بين 20 و25 دولاراً. وقال ل"الحياة" جراح عربي حصل على الدكتوراه وأصبح من "رعايا" روسيا ان مرتبه لا يتعدى 1200 روبل اي قرابة 45 دولاراً، ما يدفعه الى البحث عن اعمال اضافية مثل زرع الشعر وعمليات التجميل التي يجريها في مستشفيات اهلية.