} ربما يعتبر بعض المعارضين العراقيين ان مرحلة بيل كلينتون أثرت على مجمل تطورات القضية العراقية تأثيراً سلبياً، وأحدثت المزيد من التشتت والانهيار في صفوف المعارضة العراقية نتيجة لاتباعها سياسة "غض الطرف" عن انتهاكات نظام بغداد من جهة وعدم الاهتمام الجدي بتفعيل دور المعارضة العراقية من جهة أخرى. ومن هنا، فإن توقعات هؤلاء المعارضين تبدو متفائلة تجاه ادارة البيت الأبيض الجديدة، لكن البعض الآخر "الراديكالي" لا يتوقع حدوث مثل هذه الانعطافة، انطلاقاً من التجارب الكثيرة الماضية، بدءاً من مرحلة بوش الأب ومروراً بمرحلة كلينتون، فالقضية العراقية باعتقادهم لا يمكن أن تُحسم بالعويل على العامل الخارجي، وإنما بالاعتماد على القوى العراقية الداخلية التي تتسع معارضتها الميدانية للنظام يوماً بعد يوم. توجهت "الحياة" بسؤالين الى شخصيات قيادية في المعارضة العراقية: الأول تناول وضع المعارضة حالياً والامكانات المتاحة لتفعيل دورها مستقبلاً، والثاني حول التوقعات السائدة تجاه ادارة بوش الابن في ما يتعلق بالقضية العراقية؟ ورداً على السؤال الأول أجاب الشريف علي بن الحسين راعي الحركة الملكية الدستورية: "ان المعارضة العراقية موحدة الآن أكثر من أي وقت معنى، وانها تتوسع وخصوصاً في الداخل، ولدينا خطة شاملة بدأنا بتنفيذها، ومنها المشروع الاعلامي، فقد باشرنا باصدار صحيفة، ووضعنا الأوليات لإنشاء محطة تلفزيونية، حيث بدأ البث التجريبي على موجات مختلفة. وفي نيتنا انشاء محطة اذاعية تقوم بنقل اخبار الوطن وجرائم النظام، كما بدأنا بتشغيل مكاتب الاغاثة والتحرك على صعيد كشف انتهاكات حقوق الانسان وتهيئة الأجواء لاستكمال مشروع تقديم صدام للمحاكمة. على صعيد آخر، فإننا نواصل العمل لتحقيق التقارب لوجهات النظر بين فصائل المعارضة العراقية التي تعمل خارج اطار المؤتمر الوطني مع المؤتمر الوطني للوصول الى نقاط الالتقاء وارساء قواعد العمل المشترك من أجل تحقيق الهدف المأمول في اطاحة النظام واقامة نظام عادل". وأشار الدكتور اياد علاوي أمين عام حركة الوفاق الوطني الى ان معارضة النظام تتصاعد في أوساط الشعب العراقي، وقال: "نحن في الوفاق نرى أن معارضة قوى الشعب العراقي العسكرية والمدنية في داخل العراق تتصاعد ضد نظام صدام حسين، ومظاهر هذا التصاعد كثيرة، فمثلاً هناك ازدياد في عدد الهاربين من العسكريين ومنتسبي قوى الأمن الداخلي، وجزء كبير منهم يتصل بمقرات حركتنا، وان الاعتقالات والاعدامات اخذت منحى خطيراً ومتزايداً داخل العراق، فهناك أعداد كثيرة من الهاربين العاملين في هندسة الصناعات العسكرية، وتباعاً تصل منهم أفواج الى الخارج، فضلاً عن الأزمات الأخرى التي تعصف بالنظام، ومنها فشله في عقد مؤتمر قطري لحزب البعث الحاكم بسبب المشكلات التي أخذ يعيشها هذا الحزب وتواتر بؤر الخلافات والمعارضة من داخل الحزب أيضاً، وفي هذا السياق نشير الى محاولات عدي الجادة للاجهاز على سعدون حمادي وتنحيته. ان المعارضة خارج العراق تحتاج الى وقفة مراجعة جادة وجريئة لتقييم مسارها، وتوحيد الجهود لخلق أفضل الوشائج مع قوى الداخل. فالمعارضة في الخارج هي انعكاس للحقيقة في داخل العراق، وبالتالي فإنها موحدة من هذا المنظور، وكلما كثفت وجودها في المقتربات من العراق، أو في كردستان العراق، يزداد الأمل بالتلازم العضوي ما بين المعارضة خارج الوطن وداخله. ان هناك أملاً كبيراً في أن تفعل المعارضة العراقية دورها بصورة أكثر مما هي عليه، فالأرضية موجودة، والمطلوب هو موقف مراجعة جاد وهادئ لإعادة صوغ عملها وأُطرها وفق مصلحة العراق والمتغيرات في المنطقة والعالم. ويجب علينا أن لا ننسى ان حصيلة عشر سنوات من عزلة النظام وحصاره اخذت المشكلات تفتك بمؤسسات النظام، فمظاهر ذلك كثيرة كما أسلفت. وقال الدكتور أبو أحمد الجعفري عضو المكتب السياسي لحزب الدعوة الاسلامية: "ان هنالك حالة من التنوع في فصائل المعارضة العراقية، ويعكس ذلك في الكثير من جوانبه التنوع التكويني للشعب العراقي. واتخذت هذه الفصائل من المشترك الاسلامي الوطني بضرورة التغيير والاحتكام الى رأي الشعب باختيار البديل منطلقاً لها، وصبت جلَّ اهتمامها على تحقيق ذلك. واذا كانت مواقف الكثير من الدول الاجنبية ذات الاهتمام بالشأن العراقي كشفت النقاب بمرور الزمن عن خطأ مواقفها حيال محنة شعبنا كالذي حصل في دعم الحصار الاقتصادي الجائر، أو تأييد القصف الجوي الظالم على بلدنا الآمن، أو النظر الى العراق من خلال مصالحها، عززت مثل هذه الممارسات وما انتهت اليه المواقف الأصيلة للحركة الاسلامية والقوى المخلصة التي رفضت منذ البدء هذه الاجراءات الظالمة، في الوقت الذي واصلت رفضها للنظام المفروض على رقاب الشعب. من هنا أشعر ان الانظار الآن تتطلع وأكثر من أي وقت مضى الى القوى الحقيقية المخلصة والتي انطلقت من ارادة شعبنا، وامتلكت القدرة الذاتية والارادة الحرة باعتمادها على الله تعالى ورصيد الجماهير العراقية الواسع، وستكون ظروف التحدي هي المحك الحقيقي لفرز القوى الخيرة التي تتحرك من وحي ايمانها بعدالة قضيتها. ان التقييم الحقيقي لوضع المعارضة العراقية يتأتى من خلال القراءة الموضوعية لواقع الساحة العراقية في الداخل. فالجماهير العراقية ومن موقع الوعي تواصل تصعيدها في مواجهة السلطة، والمتابع لإرهاصات التبدل المتصاعد في الشارع العراقي يرى بما لا يدع مجالاً للشك اشتداد النقمة ضد النظام. ان اتساع وتعميق وتجاوب الجماهير العراقية الذي نراه حالياً يتطلب صب الجهود في بوتقة واحدة، وعلى المعارضة العراقية ان ترسخ الوعي بأهمية التجمع وضرورة الالتحام على شكل مشروع موحد لأنشطتها المختلفة، وتوحيد خطابها السياسي، والتقيد بالمشتركات الوطنية التي تستقطب كل الجهود وتزيل حالة التبعثر والتعاطي مع مؤشرات التغيير في الداخل وما يتعرض له النظام من مآزق على رغم ما يبديه من مظاهر فك العزلة الخارجية، وأخيراً تحديد الثوابت الوطنية وتحويلها الى ميثاق يلتزم به الفرقاء السياسيون بمختلف اتجاهاتهم". وأشار السيد حسين الصدر الشخصية الاسلامية المستقلة الى واقع المعارضة في الداخل والخارج وقال: "ان المعارضة العراقية ليست محصورة بالمعارضة الموجودة خارج الوطن، وانما تمثل الملايين العراقية في الداخل بثقلها الأكبر، باستثناء فارق واحد وهو ان المعارضة في الخارج يمكن أن تلعب دوراً بارزاً في الميدانين السياسي والاعلامي والتعريف بالظروف التي يمر بها الشعب العراقي. ولا شك في أن المعارضة العراقية عموماً تعيش الآن حالة ركود رهيبة، وترهل واسترخاء كبيرين. ذلك لأنها لم تستطع الى الآن ان تنشر مظلتها الواسعة وتوحد فصائلها الفاعلة بكل تلاوينها من أصحاب الهم المشترك، بنحو يُعزز صدقيتها ويمكنها من انتزاع ثقة الجماهير العراقية بها. اكتفى المحترفون السياسيون بالمكاتب في العواصم الآمنة، والامتيازات الشخصية والوعود المعسولة، فيما لفظتهم الجماهير العراقية لفظ النواة. ان القضية العراقية ذات قطبين: يمثل النظام الحاكم القطب الديكتاتوري الأول بسياسته الخانقة للحريات السياسية، ومصادرته لحقوق الانسان العراقي، ويمثل المحترفون السياسيون ممن يسمون انفسهم بالمعارضين القطب الآخر، وهو قطب يزعجه الرأي الآخر، ويسعى جاهداً لتقليص هامش مناورته. ومن جانب آخر، فإن طريق المعارضة العراقية ليس مفروشاً بالورود والرياحين، وخير وسيلة لتفعيل المعارضة العراقية هي اقامة الجسور القوية بين جناحي هذه المعارضة في الداخل والخارج. والصلة بالداخل لا تعني الاقتصار على الصلة بالثوار في الأهوار، وإنما تعني الصلة بكل قطاعات الشعب وقواه الفاعلة، والسعي الدائب الحثيث لإيجاد قنوات حقيقية مع المؤسسة العسكرية أيضاً. ان عملية تفعيل المعارضة العراقية لن تتم ما لم تُحكم هذه المعارضة أمرها وتلملم شتاتها، وتعالج أمراضها. ان عليها أن تقنع الأطراف الاقليمية والدولية بالتعامل معها، من خلال ما تحتله من موقع مؤثر في مجمل ما تمور به الساحة العراقية من أحداث. واعترف فوزي الاتروشي قيادي في الحزب الديموقراطي الكردستاني بصعوبة الظروف التي تمر بها المعارضة العراقية، وأشار الى "ان فاعلية المعارضة في توظيف هذا الوضع لمصلحتها وعلى كافة الأصعدة وضمن مختلف الحلقات الداخلية والاقليمية والعربية والدولية يبدو من الأمور الصعبة جداً، لأن المعارضة لم تبلغ بعد مستوى الطموح، حيث لا يزال واقع التشرذم والانقسام على مختلف الألوان الايديولوجية والخنادق الاقليمية هو الذي يغطي المشهد، على رغم انعقاد اربعة مؤتمرات للمعارض، فلم تستطع جميع هذه المؤتمرات جمع شملها أو على الأقل ايجاد شكل من التنسيق ولو بمستوى الحد الأدنى. أصبح النشاط العراقي المعارض الآن اصعب وأقل قدرة على اجتذاب انظار العالم للواقع المأسوي الذي يعيشه الشعب العراقي، وذلك بحكم الشروخ التي تعصف بالمعارضة العراقية، في حين أن النظام أثبت قدرته على البقاء والامساك بآلته القمعية وتوظيفه واقع الحصار لأهداف عكسية أي لمصلحة ديمومة القبض على السلطة. ان مشكلة المعارضة العراقية تكمن في التخندق الايديولوجي، وتغليب الشعارات الحزبية والفئوية على ما هو شامل وجامع يجعل الجهود تتشظى على أكثر من خندق صغير في حين يبقى الخندق الكبير فاقداً القدرة على التماسك لازاحة الديكتاتورية والتبشير بالتغيير الديموقراطي، ولا ننسى أن المحيط العربي أي الدول العربية لا يزال ينظر مع الأسف الى المعارضة العراقية من زاوية الريبة والحذر ولا يتعامل معها وفق ثوابت ومرتكزات واقعية، فالخطاب الرسمي العربي يضع الطرفين - النظام والمعارضة - في سلة واحدة. وهذا هو أهم مكامن ضعف المعارضة التي لم تستطع طوال السنوات السابقة كسب مواقع عمل جديدة واجتذاب شرائح وقطاعات شعبية واسعة واقتصر التضامن معها على أوساط نخبوية أو حزبية محدودة. وإذا أخذنا في الاعتبار الوهن والتخلخل الواضح في الاداء الاداري والتعبوي والاعلامي للمعارضة عموماً، يتضح لنا حجم البون الواسع بين الواقع والطموح، والى ذلك فان المعارضة ظلت على الغالب اتكالية، حيث تعول على العامل الخارجي، وغائبة أو مغيبة أحياناً عمداً عن الكثير من المنابر المؤثرة أو القادرة على توسيع رقعة قوتها التحريضية والدعاوية. لم تستطع المعارضة سوى السنوات الأولى لانبثاق المؤتمر الوطني العراقي من بلورة عنواناً لمرجعياتها التي تتوجه بها الى العالم. وربما كان النهوض الجديد للمؤتمر الوطني ادارياً واعلامياً خطوة جيدة الى الأمام على أن يقترن ذلك بالضرورة بالعمل بأسلوب الحوار والتفاهم ومد الجسور مع كل القوى التي ما زالت بعيدة عن غطاء مؤتمر نيويورك. وما يخص المطالب الكردية المتمثلة بالفيديرالية فينبغي احترامها لأنها حصيلة انتخابات حرة ديموقراطية أُجريت في اقليم كردستان العراق في 19/5/1992، وانبثق عنها المجلس الوطني الكردستاني الذي أقر الفيديرالية لتكييف جديد ومنسجم مع شروط المرحلة للعلاقة بين الشعبين العربي والكردي في العراق. والواقع ان الخصوصية القومية الكردية وخصوصية المعارضة الكردية كانت دائماً أحد العوامل التي يتوقف عليها نجاح أو فشل المعارضة العراقية، لأن المسألة الكردية وارتباطها بالديموقراطية في العراق ظلت وما زالت مهمة محورية لا يمكن لأجنحة المعارضة العراقية على اختلاف مشاربها السياسية ان تتجاوزها. وأبدى الدكتور اكرم الحكيم العضو المؤسس للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق قناعته "بأن جبهة المعارضة للنظام الديكتاتوري الحاكم في بغداد هي جبهة عريضة ومتنوعة ومتنامية وفاعلة سواء داخل العراق أو خارجه، من الرفض الشعبي المتصاعد للنظام والذي يعبر عن نفسه بالمشاركة الجماهيرية المليونية في بعض المناسبات الدينية التي يحاربها النظام ومروراً بالنقد العلني للسلطة الذي ينتشر هذه الأيام بين غالبية العراقيين في الداخل وتوزيع المنشورات وتشويه جداريات الديكتاتور والهروب المتصاعد من الجيش، بل وحتى الوطن كله، وانتهاء بالمقاومة الشعبية المسلحة التي لا يمر اسبوع إلا وتنقل لنا الأخبار الجديدة من عملياتها الشجاعة. أما خارج الوطن فالاجتماعات والتظاهرات والاعتصامات والفاعليات السياسية والاعلامية المتلاحقة والتصدي لمحاولات السلطة لإعادة بناء قواعدها في الخارج من خلال جمعيات المغتربين، هي بعض النشاط الذي لا يهدأ من الحركة المعارضة العراقية. وأفضل دليل على أهمية ما تقوم به المعارضة داخل الوطن وخارجه، هو تصاعد الاعتقالات والاعدامات في الداخل، وكذلك ارسال النظام لشبكات الاغتيال الى الخارج، كما أكد ذلك بعض التقارير الموثقة. ان ما ينقص حركة المعارضة العراقية هو الاطار المشترك المناسب الذي يحقق وحدة الخطاب السياسي ووحدة المواقف العملية لها تجاه مفردات الواقع القائم، وما ينقصها أيضاً هو ايجاد القنوات المناسبة مع الداخل لدعم صمود الشعب ولدعم نشاط وفاعليات المقاومة وكذلك لضبط مسيرة الجماهير والمقاومة في الداخل بخطة التحرك السياسي التي يُفترض التزامها من قبل قوى المعارضة المتصدية والفاعلة. ان الامكانات اللازمة لتفعيل دور المعارضة مستقبلاً وتحقيق المتطلبات التي ذكرناها قبل قليل، متوافرة أو يمكن توافرها بسهولة بشرط وجود استقلالية القرار والتعالي على المصالح الفئوية والذاتية الضيقة والاهتمام بمصالح الشريحة الواسعة من أبناء الشعب". وذكر الدكتور فاروق رضاعة من قيادة اتحاد الديموقراطيين العراقيين: "ان المعارضة في داخل العراق لا تستطيع تنظيم نفسها بالشكل التقليدي للتنظيم نتيجة قسوة النظام وبطشه، بل تلجأ الى أساليب مختلفة، فالمواجهات العنيفة مستمرة بين قوى السلطة وقوى المعارضة تحت اسماء وواجهات عدة، وان كانت بمستوى محدود. ولكن في كردستان العراق فالوضع القائم يتطابق مع التوصية المشهورة التي أعطتها وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت الى قيادة الحزبين الكردستانيين الرئيسيين وهي "لا تحرش بالنظام العراقي ولا ارتماء بأحضانه". أما بالنسبة للمعارضة العراقية الموجودة قياداتها في الخارج فهي أيضاً تتأثر بمواقف البلد المضيف بهذه الدرجة أو تلك. ولعب الاعلام العربي دوراً سلبياً تجاه المعارضة بل مسيئاً لها في بعض القنوات الفضائية، حين صورت تنظيمات المعارضة وكأنها جميعاً مرتبطة بالادارات الاميركية وتقبض أموالاً منها، وهذا الأمر يجافي الواقع، فهناك قلة من هذه التنظيمات مرتبطة وتقبض الأموال منها. ان التباعد بين اطراف المعارضة هو الآخر أشاع اليأس والاحباط بين ملايين العراقيين بل وصل الى أعضاء لتنظيمات عراقية معارضة، فمن دون ثقل الناس تتحول هذه التنظيمات السياسية الى أجهزة بيروقراطية عاجزة عن القيام بأي عمل فاعل وحقيقي. ومع ذلك كله فإن هنالك امكانات كبيرة لتفعيل دور المعارضة العراقية، وهذا يتطلب خلق آلية للتحرك تقوم على أساس الخلاص من حال التفرق بين أطراف المعارضة العراقية والوصول الى وحدة عمل مشترك ضمن برنامج واضح يحدد طموحات العراقيين في التغيير، وهذا يعني ان تؤجل أطراف المعارضة برامجها السياسية والتنظيمية ذات التطلعات البعيدة وان تعمل فقط ضمن برنامج متفق عليه في اطار جبهة وطنية موحدة، وهذه عملية ليست بالسهلة، وخصوصاً اذا اخذنا واقع هذه المعارضة وما مر عليها من تجارب قاسية، ان مثل هذا التطلع يحتاج الى حوار هادئ بين القيادات وخصوصاً أن هناك الكثير من النقاط التي تتفق عليها أطراف المعارضة وتصلح أن تكون مواداً لمثل هذا البرنامج". ويؤكد الدكتور موفق الربيعي الشخصية الاسلامية المستقلة على اهمية تعتيم المعارضة العراقية من منطق النتائج التي حققتها على ساحة العمل السياسي. ويقول: "ان هناك الكثير من المظاهر التي تدل على توسع رقعة المعارضة لتشمل مساحات لم تصل اليها من قبل، وخصوصاً في الجنوب والأهوار والمناطق المسحوقة والمدن المقدسة فضلاً عن المساحات الجديدة في بغداد وشمال غرب بغداد أو ما نسميه بمنطقة الجزيرة الشمالية الغربية متمثلة بمعارضة العشائر العربية في تلك المناطق. وكذلك شملت مظاهر المعارضة بعض أوساط الدائرة الداخلية للنظام من خلال محاولة بعض أركان هذا النظام مد جسوره الى الخارج اقليمياً ودولياً. وقد غيرت المقاومة الوطنية بشتى شرائحها بعض طرق عملها حيث طورت نشاطاتها المختلفة بالشكل الذي يتناسب والمرحلة، فبدلاً من التصدي لعناصر النظام من ذوي المواقع البسيطة بدأت المقاومة الوطنية تخطط لاقتناص فريسة كبيرة محاولة بذلك كسر شوكة النظام وزعزعة الثقة بأفراده وهياكله، كل ذلك وغيره يدعونا للتفاؤل، فقد أثبتت الأحداث الأخيرة والشائعات التي طاولت مصير صدام حسين أثناء الاستعراض العسكري الأخير هشاشة النظام إذ أخذ أعلام النظام يظهر صدام على شاشة التلفزيون يومياً ليطمئن أعوانه ومواليه وليؤكد ان النظام ما زال بخير وان رأس النظام يقبض على العراق. فهشاشة النظام ظهرت باستجابته الانفعالية ورده المتشنج على هذه الشائعات. أما معارضة الخارج، فإن لها دورها الاعلامي والسياسي، وهي تواجه الكثير من الصعوبات، ومع ذلك حققت بعض الانجازات وخصوصاً على المستوى الاعلامي وكذلك تقريب فكرة تجريم النظام وأركانه والعمل على جلبهم الى محاكمة دولية لمحاكمتهم عن الجرائم التي ارتكبوها ضد الانسانية سواء داخل العراق أو خارجه. لقد بدا أن بعض فصائل المعارضة العراقية، عن حسن نية أو غفلة من أمرها، أعطى العامل الاقليمي أو الدولي دوراً أكثر من حجمه واعتقد ان هذا العامل سيكون حاسماً في عملية الصراع مع النظام، وبعد أن تبين له خطأ تقديراته بدأ في تقييم امكاناته الذاتية في الداخل والخارج، ووضع العالم الاقليمي والدولي في اطار حجمه الطبيعي. ان الوضع المقبل يتطلب وبصورة جدية العمل على توحيد المعارضة العراقية بفصائلها كافة، وايجاد برنامج عمل مشترك كحد أدنى لتعاون هذه الأطراف، فالوحدة في ميدان العمل السياسي لم تتحقق الى الآن، وهذا الأمر يحتاج الى مضاعفة الجهود لتحقيق هذه الوحدة. المعارضة والادارة الأميركية ورداً على السؤال الثاني عن توقعات المعارضة والموقف الاميركي وجديته تجاه القضية العراقية في ظل زعامة بوش الابن اجاب الشريف علي بن الحسين "بأن تيارنا ليس من دعاة الاعتماد على قوى خارجية للاطاحة بالنظام، بل نسعى في الاعتماد على قوانا الذاتية. ولكن نبقى بحاجة الى علاقات مميزة مع دول العالم وبالخصوص اميركا، لأنها القوة العظمى الوحيدة في العالم، وقد أعلنت مراراً استعدادها لمساعدة الشعب العراقي. ونحن نتقبل هذه المساعدات الغير مشروطة، اما جديتهم فهم جادون، وقد تبين ذلك من خلال تصريحاتهم، خصوصاً الرئيس بوش، وكذلك من خلال علاقاتنا مع المسؤولين في طاقمه، حيث تمكنا من الوصول الى وعود تزيد فينا الثقة بالاستمرار في دعم الشعب العراقي للاطاحة بنظام صدام واقامة نظام ديموقراطي". وقال الدكتور اياد علاوي: "ان الاشارات لحد الآن من الادارة الجديدة للولايات المتحدة تجاه النظام العراقي هي اشارات جيدة، لكن ما هو مطلوب ان تكون هنالك مواقف حاسمة وجذرية من قبل الولاياتالمتحدة في مساعدة الشعب العراقي وقواته المسلحة. ومن هنا يتعين على المعارضة العراقية نفسها أن تقف موقفاً صلباً مع الولاياتالمتحدة رافضة بشدة المواقف الوسطية والسطحية أو تلك التي من شأنها المحافظة على سياسة الاحتواء فقط التي اثبتت فشلها. ان الصداقة لا تتجزأ، فالدول الصديقة لقوى الشعب العراقي اقليمية كانت أم دول مراكز القرار في العالم، عليها أن تكون بمستوى الصداقة واستحقاقاتها، وان لا تكون انتقائية بمواقفها، والا فلا داعي لمثل هذه الصداقة". وشدد أبو أحمد الجعفري على العلاقة بين الاستراتيجية الاميركية في المنطقة وتوجهات النظام العراقي، وقال: "ان الادارات الحاكمة في اميركا لها اهداف استراتيجية ثابتة، والقضايا التي تدخل في دائرة الاستراتيجيات لا يمكن أن تتبدل بسهولة. هذا من جانب ومن جانب آخر، فإن الموقف الاميركي ازاء أي نظام عميل كالنظام العراقي لا يتخذ بمعزل عن معادلة الصراع والمواجهة في المنطقة عموماً، وما يمكن أن ينعكس على اسرائيل، في الجانب الآخر. ان ما يشهده المسرح الفلسطيني من تصاعد ثوري جماهيري رائع وما يمكن أن يؤدي الى انعكاسات على الشارعين الاسلامي والعربي، يجعل النظرة الى النظام العراقي من خلال المصالح الصهيونية، وما يمكن أن يصيبها في حالة التغيير. واذا كانت ثمة مساحة للتفاوت بالرؤى التفصيلية وما يلحقها من مواقف ضمن المسموح الاستراتيجي، فإن أي بادرة ايجابية محتملة لا تتخطى رفع الحصار الاقتصادي الظالم على الشعب العراقي وإيقاف القصف الجوي والشروع بمحاكمة صدام باعتباره مجرم حرب ومواصلة الحصار السياسي لنظامه، لا يمكن أن تحافظ على "صدقية الأممالمتحدة ومجلس الأمن ولا تحفظ لها صرخة ما يمر به الشعب العراقي وهو في حال الحصار المزدوجة الاميركي - الصدامي. واميركا تتحمل القسط الأوفر من المسؤولية في تغيير ميزان القرار تجاه شعبنا المظلوم. واستهل السيد حسين الصدر جوابه بالعودة الى ذاكرته ابان حرب الخليج الثانية وقال: "ما زلت أتذكر كلمات "ديك تشيني" نائب بوش الابن وزير الدفاع ابان ولاية بوش الأب، حيث قال: "باتت ايام صدام معدودة"، ولكن الأيام أثبتت عكس ذلك، فتلك كانت مجرد كلمات رنانة لا تحمل من سمات الصدق والفاعلية شيئاً! ألم يدع بوش الأب العراقيين جيشاً وشعباً للتحرك ضد صدام، في اعقاب هزيمة حرب الخليج الثانية عام 1991، وما ان انتفضت الجماهير العراقية وكتبت بالدم رفضها للديكتاتورية، حتى أُعطي بطل الجرائم والهزائم صدام حسين الضوء الأخضر لارتكاب أفظع مجزرة مروعة، فيما سمي بإبادة الجنس البشري. ودعني أصارحكم بأن الشارع العراقي خصوصاً والعربي عموماً لا يثق بالسياسة الأميركية، ولا برجالها. ان بوش الابن ونائبه، عريقان في الصفقات النفطية، ولن يتورع صدام عن تقديم الاغراءات والحوافز لهما او غيرهما لحمل الادارة الاميركية الجديدة على التعامل معه. فالموقف الأميركي من صدام مرتبط وبصورة عضوية ب"الموقف الصهيوني" منه، وهو لم يحسم حتى الآن". وقال الدكتور أكرم الحكيم: "على رغم استراتيجيات الولاياتالمتحدة وسياساتها الخارجية ومواقفها الكلية في القضايا المهمة، فإنها لا تتأثر بتغير الرئيس، إلا انني أتوقع موقفاً سياسياً واعلامياً أكثر تشدداً تجاه نظام صدام لارغامه على الخضوع لقرارات مجلس الأمن ومنع تهديده لجيرانه. وأتوقع أن يتصاعد موقف الادارة الاميركية الجديدة اذا تمكنت المعارضة العراقية من خلق مشكلة حقيقية تهدد استقرار النظام على المدى القريب، وإذا حصلت تغيرات دراماتيكية في النخبة الضيقة التي تمسك مقاليد القوة الأمنية والمخابراتية في بغداد والاحتمالين واردين بدرجة كبيرة وأقرب مما نتصور". وأشار الدكتور فاروق رضاعة الى "ان سياسات الدول لا تبنى على مواقف عاطفية وانما وفق مصالحها، وما هو قائم الآن في العراق هو أن سلطة حاكم بغداد تبرر للولايات المتحدة وجودها لحماية مصالحها في المنطقة. أما ما يقوم به النظام من عمليات بطش داخل العراق، فهذا ليس من شأن الولاياتالمتحدة، ولعل دور نائب الرئيس الحالي تشيني معروف أثناء حرب الخليج الثانية، إذ عمل مع الجنرال كولن باول في نصح الرئيس بوش بعدم التقدم نحو بغداد.، واتخذ الرئيس الأميركي أيضاً قراراً بعدم دعم الانتفاضة والسماح لقوات الحرس الجمهوري بالانسحاب وضرب الانتفاضة والقضاء عليها. ويبدو ان الولاياتالمتحدةوبريطانيا في حال عزلة تجاه موقفهما من القضية العراقية على الصعيد الدولي، لذلك اعتقد بأن العقوبات الاقتصادية سوف تستمر ولكن بشكل مخفف، وكذلك سوف تقل الطلعات الجوية فوق العراق، إذ انها تكلف ملايين الدولارات سنوياً، وتبقى بعض الطلعات لغرض جمع المعلومات فقط، وسوف يبقى الدعم المحدود للمؤتمر الوطني وضمن الحدود المرسومة له، بالعمل الدعائي لمن؟ والسياسي مع من؟. والحال الوحيدة التي قد تدفع الولاياتالمتحدة الى اتخاذ قرار حاسم وفاعل هي فيما اذا أقدم النظام على حماقة جديدة تهدد المنطقة وتدفق النفط ووصوله الى مختلف ارجاء العالم وبأسعار مقبولة لا تؤثر على الاقتصاد العالمي فضلاً عن ضمان أمن دولة اسرائيل. وأعتقد ان السلطة القائمة في العراق سوف تبقى على صراخها وتهديداتها الجوفاء تجاه اسرائيل. واستبعد فوزي الاتروشي حدوث انعطافات حاسمة في الموقف الاميركي تجاه القضية العراقية وقال: "لا أعتقد بأننا سنشهد انعطافات كبيرة في ما يخص التعامل مع ملف المعارضة، لا سيما وأن واقع الحصار سيشهد شروطاً على مستويات عدة، وان مواقف الدول الأوروبية طرأ عليها تغييرات نسبية بالمقارنة مع السنوات الماضية. ولكن يمكن القول ان الادارة الجديدة والأسماء المعلنة حالياً كمواقع تنفيذية مؤثرة الى جانب بوش الابن ومسكونة بأجواء حرب الخليج الثانية، وبعضهم شارك فيها. وستقف هذه الادارة بحزم لمواصلة الضغط على الحكومة العراقية لتطبيق كافة القرارات الدولية ذات الصلة، وستستمر في دعم المعارضة العراقية بأشكال مختلفة. ان العامل الحاسم هو ان المعارضة العراقية هي وحدها القادرة بنشاطها وبأدائها وبوحدتها وبقوة تأثيرها وتنويع أساليب عملها للضغط على الموقف الاميركي لاكسابه المزيد من الجدية، فلا أحد يُقدّر مرارة الحريق بقدر ما يحسه المكتوي بناره. وقال الدكتور موقف الربيعي: "ان الموقف الاميركي لا يتغير إلا عندما تتغير المصالح الأميركية، والموقف الاميركي كذلك محكوم بالمعيار المزدوج في دعم اسرائيل ومعاداة العرب والمسلمين. والتوقع هو ان ادارة بوش الابن عليها التزامات معنوية في انهاء حرب غير مكتملة، فقد بدأ بوش الأب حرب تحرير الكويت ولم ينهها بالاطاحة بالنظام الذي ارتكب خطيئة احتلال الكويت وعلى بوش الابن الذي يرافقه طاقم ابيه ان يصلح الخطأ. ومعلوم ان ادارة بوش الابن وكذلك الكونغرس بغالبيته يسيطر عليه الجمهوريون بخلاف ما كان يحدث في زمن ادارة كلينتون الديموقراطية والكونغرس ذو الغالبية الجمهورية، فالصراع بين الادارة والكونغرس ذهب ضحيته الشعب العراقي خلال العقد الأخير. ينبغي علينا التحذير من انه لا يرجى من هذه الادارة ولا تلك اي خير للعراق وشعبه، لأنها المصالح الاميركية هي التي تحدد السياسة المقبلة، فإذا كان في استمرار توتر المنطقة وبيع السلاح الى الأطراف المتصارعة يخدم المصالح الاميركية، فسوف يكون ذلك هو السائد حتى وان كان ذلك على حساب مصالح شعوب المنطقة". من الواضح ان ملام ح الوضع المستقبلي للملف العراقي ما زال يتحمل الكثير من التقديرات والتخمينات، خ صوصاً أن توجهات الادارة الاميركية الجديدة لم تتكشف لحد الآن، كما لم تظهر ردود فعل جوهرية من الطرف العراقي المتمثل بسلطة النظام والموقف من ادارة بوش، الأمر الذي يتطلب مرور شهرين أو ثلاثة حتى يتبلور التصور الأميركي تجاه القضية العراقية، علماً ان هنالك بعض التسريبات الذي يشير الى حماسة الادارة البريطانية في انهاء أو تقليص مستوى العقوبات نتيجة ل ضغوط قوية من الشركات والمؤسسات البريطانية، وهذا التطور يضغط على الادارة الاميركية التي اذا استمرت في عملية الحصار والاحتواء، ربما ستصبح لوحدها معزولة من بقية الدول الكبرى بما في ذلك بريطانيا التي يمهد بعض المسؤولين فيها من خلال لقاءات مع اطراف بالمعارضة العراقية الى صعوبة الابقاء على هذه الحال بصورة طويلة. إذاً المواقف ربما تتغير باتجاه اعادة الاعتبار لنظام بغداد أو العكس أيضاً، ما دام الأمر ما زال يخضع لمفهوم الاحتمالات وليس اليقين.