لم يكن مبعوث السلام الاميركي دنيس روس يوماً في نظر الفلسطينيين "غودو" الذي ينتظرونه او يتوقون الى وصوله. ذلك ان هذا المبعوث الذي ربما سجّل رقماً قياسياً في زياراته للمنطقة ولازم عملية السلام لمدة ثماني سنوات هي مجموع فترتي رئاسة الرئيس بيل كلينتون، كان دائماً واضح الانحياز الى اسرائيل، شأنه شأن السفير الاميركي الحالي لدى الدولة العبرية مارتن انديك. وكان ملفتاً امس ذلك الارتباك في اوساط ادارة كلينتون بشأن الرحلة التي كان من المقرر ان يقوم بها روس الى المنطقة، وتأكيد بعض اولئك المسؤولين ان روس لم يلغ رحلته لكنه أرجأها الى اليوم الخميس، فيما اكد مسؤول فلسطيني ان روس لن يأتي لأن مكالمة هاتفية بين الرئيس كلينتون وياسر عرفات ليل الثلثاء - الاربعاء أغنت عن وصول روس. وفي النهاية صرّحت رئيسة روس المباشرة وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت بأن "من الخطأ القول ان زيارته أُلغيت، اذ سيقوم روس بالزيارة ولكن لا يمكنني بكل بساطة ان أقول لكم متى". من المؤكد ان غالبية الفلسطينيين والعرب تنفسوا الصعداء بعد الاعلان عن ارجاء زيارة روس الى اجل غير مسمى قد يمتد الى العشرين من الشهر الجاري، موعد تنصيب الرئيس الاميركي الجديد جورج بوش. ولعل لذلك الارتياح سبباً واضحاً هو ان روس كان سيحمل معه، بناء على طلب من رئيس الوزراء الاسرائيلي المستقيل ايهود باراك، "بياناً رئاسياً" اميركياً يشكّل اساساً لمفاوضات مستقبليه بين اسرائيل والفلسطينيين. وكان الاسرائيليون والاميركيون يسعون معاً وفي الوقت ذاته الى جعل مضمون ذلك "البيان الرئاسي" في حال موافقة اسرائيل والقيادة الفلسطينية عليه، بديلاً من قرارات مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة بخصوص القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني - الاسرائيلي. وكان ذلك "البيان الرئاسي" سيستند الى مقترحات الرئيس بيل كلينتون لإطار تسوية نهائية بين الفلسطينيين واسرائيل، وهي مقترحات عرضها امام جمعية يهودية في نيويورك الاثنين الماضي. وقد بدت العناوين العريضة في مقترحات كلينتون برّاقة ومغرية للوهلة الاولى. اذ كيف يمكن ان يعترض عليها الفلسطينيون وهي تعدهم ب"دولة ذات سيادة وتواصل جغرافي"؟ لكن التناقض بدا واضحاً في صلب مقترحات كلينتون. اذ كيف يمكن ضمان التواصل الجغرافي للاراضي الفلسطينية في ظل اقتراح ضم "الكتل الاستيطانية" الكبرى في الاراضي الفلسطينية الى اسرائيل، علماً ان هذه "الكتل" تقسم الضفة الغربية الى ثلاثة كانتونات كبيرة. لكن الامر الاخطر في مقترحات كلينتون كان رفضه حق اللاجئين في العودة الى ديارهم، ولو لم يكن هناك سبب آخر يدعو الفلسطينيين لرفض مقترحات كلينتون لكان هذا السبب وحده كافياً، باعتبار قضية اللاجئين جوهر القضية الفلسطينية. والواقع ان الوحدة القانونية في دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية سجلت عشرات الاعتراضات والتحفظات بخصوص مقترحات الرئيس كلينتون. ويبدو الآن ان القيادة الفلسطينية تستعجل وداع كلينتون وتنتظر تنصيب خلفه بوش. وليس من المعروف بعد ان كان كلينتون سيورث خلفه افكاره ومسودة بيانه الرئاسي. لكن الاكيد ان الفلسطينيين تجاوزوا مرحلة ضغوط شديدة يأملون ان لا تتكرر.