يتدرج سفح الجبل المغطى بالصنوبر والأكاسيا والفلين والأرز والفرنان نحو البحر الأزرق حيث تنعكس أشعة الشمس الصافية. ومن أعلى مرتفعات طبرقة يلوح على الجهة الشمالية الميناء الترفيهي بمراكبه البيضاء والمجمعات السكنية التي تطوقه من ثلاث جهات، وعلى الناحية اليمنى الفنادق التي تحاذي ساحل البحر. ويصل السائح الى "مدينة المرجان" - مثلما يسميها التونسيون - بواسطة الطائرة أو براً، فالمطار الجديد الذي انشئ عام 1994 لاعطاء دفعة للسياحة في طبرقة لا يبعد عن منطقة الفنادق سوى عشرة كيلومترات، أما الطريق الآتية من العاصمة تونس 170 كيلومتراً فهي تمنح المسافر مشاهد طبيعية فريدة لحقول وبساتين خضراء تنام في احضان الجبال الشاهقة. يقول ممثل وزارة السياحة في طبرقة السيد رؤوف بن سالم: "ما زالت الحركة في المطار تقتصر على رحلة واحدة في الأسبوع تأتي من مطار فرنكفورت ويستخدمها لاعبو الغولف الذين يقبلون على ملعب طبرقة الحديث 18 حفرة لهدوئه واطاره الطبيعي المميز الا ان المطار مرشح لحركة انشط في المرحلة المقبلة مع استكمال بناء سلسلة من الفنادق الجديدة على ساحل البحر ستؤدي الى مضاعفة طاقة الاستيعاب التي تقدر ب3700 سرير حالياً لتصل الى 5700 سرير السنة 2001 الجارية. وتستقطب طبرقة السياح "أساساً في فصل الصيف، فبالاضافة الى السياح المولعين بالبحر يقبل عليها هواة الغولف ويستمر تدفقهم الى بداية الخريف وكذلك معهم المولعون بالسياحة الثقافية. وغير بعيد عنها تقوم متاحف ومعالم أثرية فينيقية ورومانية في مقدمها "متحف شمتو" الذي يضم مسرحاً رومانياً ومصنعاً للرخام كان يصدر انتاجه الى روما ليُستخدم في بناء القصور، وبقايا معابد وبيوت قديمة، وكذلك موقع "بولاريجيا" الروماني الذي يشتمل على معالم عدة وآثار ما زالت محافظة على طابعها الأصلي. وعادة ما يستأجر السياح سيارات ليجولوا بها على المناطق الطبيعية والمدن الأثرية الواقعة في محيط المدينة. مهرجان الحجر الأحمر الا ان احد الشيوخ المتعلمين في طبرقة قال ل"الحياة" ان مدينته نفسها كانت احد المرافئ الفينيقية المزدهرة على الطريق بين صور واسبانيا وهي كانت تسمى على أيام القرطاجيين طبرقه Thabraca. وما زالت المدينة تستثمر ثروتها الساحلية الفريدة المتمثلة بالمرجان منذ العصر الفينيقي ويرتادها آلاف من صيادي المرجان سنوياً فينسون هموم العمل ومتاعب المدن الكبرى وينطلقون الى اعماق البحر بحثاً عن المادة الحمراء المتحجرة. وللمرجان مهرجان سنوي في طبرقة يستقطب اعداداً كبيرة من الأجانب والتونسيين وتقام خلاله طقوس واحتفالات خاصة تضفي على المدينة الواناً زاهية وأجواء حميمية. صيادون وقلعة بعد مهرجان المرجان الذي يتزامن مع اقامة العاب بحرية منوعة ودروس لتدريب السياح على صيد المرجان والغوص في أعماق البحر يأتي موسم الصيد في الجبال خلال فصل الخريف ليستقطب فئات اخرى من السياح بعضهم أوروبيون يطاردون الخنازير البرية في الجبال، وبعضهم الآخر من التونسيين والعرب الذين يصطادون الطرائد البرية المختلفة وينزلون ليلاً في الفنادق. وتشتمل طبرقة على فنادق حديثة من فئتي ثلاث وأربع نجوم موزعة على الجبل والساحل ووسط المدينة محيط الميناء الترفيهي لتستجيب لجميع الهوايات والميول لدى السياح. ويقدر عدد الفنادق ب13 فندقاً الا ان كل واحد منها يرتدي طابعاً خاصاً يختلف عن الآخرين، وبعضها محاط بالغابات ويتربع على الربى الخضراء أو سفوح الجبال مع اطلالة على البحر من جهة وعلى ملعب "الغولف" الذي يتوسط المنطقة السياحية من الجهة الثانية. ومن أهم الفنادق التي تتوافر فيها المسابح والمطاعم وقاعات الترفيه فندق "المهاري" و"غولف بيتش" و"أبو نواس" و"روايال غولف" و"المرجان" و"ميموزا". وقالت السائحة الفرنسية كريستين بورجوا المقيمة في فندق "مهاري" أنها وجدت ضالتها في طبرقة لأنها مدينة بسيطة وصغيرة بلا "زحمة سير" ولا ضوضاء. وأضافت: "الهدوء يساعدك على الاستمتاع بالمناظر الطبيعية في الجبل وعلى ساحل البحر وفي محيط المارينا والمناطق الأثرية" قبل ان تؤكد انها قلماً وجدت في رحلاتها "مدينة سياحية بمثل هذا الدفء والهدوء". ويحرص السياح الذين يقيمون في طبرقة على زيارة الجزيرة الصغيرة الواقعة قبالة المدينة والتي يتربع فوقها حصن عتيق شيده الايطاليون الذين جاؤوا من جنوة واحتلوا المدينة لمدة 150 سنة بين القرنين السادس عشر والسابع عشر. ومن أعلى الحصن الذي لا يزال يستخدم كمنشأة عسكرية تبدو المدينة وكأنها تتسلق الجبل بشوارعها النظيفة وبيوتها البيضاء مثل كرات ثلج تتشبث بالسفوح. وتشبه طبرقة ميناء جونيه اللبناني، لكن سقوفها القرميدية الحمراء تجعلها أقرب الى مدينتي نيس أو كان الفرنسيتين، مع اختلاف أساسي مرده هدوء الميناء وبساطة الحياة اللتان تجعلان السائح قادراً على الاستمتاع بميزات المدينة الصغيرة في أي ساعة من اليوم. الا ان السائح الايطالي كلاودو بروندينو له رأي اخر في طبرقة فهو يراها أقرب الى "لوغانو" السويسرية "لأن منظر الجبال والغابات والمباني المتحدرة الى الأسفل يكاد لا يختلف هنا وهناك" مثلما قال. - لكن لوغانو تشرف على بحيرة جميلة؟ يرد كلاوديو فوراً "بالعكس، مواصفات البحيرة موجودة في خليج طبرقة الناعس بين احضان الجبال لكنها تملك ميزات اضافية كونها تمنحك فرصة الصيد في أعالي البحار والغوص الى الأعماق بحثاً عن المرجان وهذا ما يشدني اليها". وما لا يقوله كلاوديو وكثيرون من السياح الغربيين هو ان كلفة الرحلة السياحية الى طبرقة زهيدة جداً قياساً على اكلاف الاقامة في المنتجعات السويسرية والنمساوية المشابهة لها، فسعر الغرفة في فنادق الأربع نجوم لا يتجاوز 110 دولارات صيفاً و55 دولاراً شتاء. كذلك تقدم المطاعم المنتشرة في محيط "المارينا" اصنافاً شهية من السمك والاطباق البحرية بأسعار زهيدة. على رغم هذه الميزات السياحية الكثيرة لا تستقطب طبرقة اعداداً من السياح تناسب طاقة الاستيعاب المتوافرة فيها. ولا يتجاوز عدد الزوار 112 ألف سائح في السنة يشكل الايطاليون والفرنسيون والألمان 51 في المئة منهم، أما الباقون فمن ابناء البلد. ويتكثف الاقبال السياحي في فترات المهرجانات السياحية السنوية وأبرزها مهرجان "الجاز" في مطلع الصيف ومهرجان جمع المرجان "كوراليس" في أيلول سبتمبر، وطبعاً يبقى فصل الصيف ذروة الموسم السياحي، مع أن هناك أنشطة سياحية وترفيهية يمكن ان تستمر في الخريف والربيع وحتى الشتاء مثل الصيد البري والبحري ورياضة الغولف والسياحة الثقافية والتدريبات على رياضة الغوص. ويبرر العاملون في صناعة السياحة أسباب تأخر تدفق السياح الغربيين على طبرقه بأنه "مسؤولية وكالات الأسفار الأوروبية التي نادراً ما تبرمج هذه المنطقة في خططها التسويقية لأنها ربما أقل شهرة من منتجعات سياحية أخرى في تونس". ويضيفون أنه "ربما كان غياب الرحلات المباشرة من المطارات الأوروبية الى طبرقة أحد المعوقات الرئيسية أيضاً أمام تنشيط الحركة السياحية، لكن استكمال انشاء الفنادق الجديدة التي هي قيد البناء الآن سيسهم حتماً في اقناع وكالات السفر بالترويج للمنطقة، بعدما يكون حجم الاستيعاب أرتفع الى ما يقارب ستة آلاف سرير وبعدما يستكمل الكازينو الذي ستيديره مجموعة بارتوش ومنشآت ترفيهية أخرى". وتتهيأ طبرقة لاستقبال زوار جدد الشهر المقبل للمشاركة في مهرجان الجاز الشتوي Tabarka Jazz Week-End الذي يقام يومي 9و10 شباط فبراير بمشاركة عازف الجاز العالمي مارتن تايلور الذي يقدم أفضل اعماله اضافة الى فرقة "فانكي براذ" الأميركية. ويستقطب المهرجان اعداداً كبيرة من السياح والديبلوماسيين وهو عبارة عن صورة مصغرة للمهرجان الصيفي الذي يقام الصيف المقبل على مدى عشرة أيام وبمشاركة فرق جاز شهيرة من أميركا وأوروبا.