استقطب المهرجان الدولي للتصوير تحت الماء المعروف "بكوراليس" أعداداً كبيرة من السياح الى مدينة طبرقة التي تقع على سواحل تونس الشمالية، و"كوراليس" اسم مقتبس من المرجان في اللغات اللاتينية الذي تشتهر به سواحل طبرقة والذي تصدر منه كميات كبيرة سنوياً، وهو يؤمن فرص عمل للرجال في البحر والسيدات في مصانع المشغولات والحلي المرجانية في المدينة. ويشكل "مهرجان كوراليس" الذي يقام في شهر ايلول سبتمبر من كل سنة فرصة للسياح المولعين بالبحر لتعاطي الرياضة واكتشاف الكنوز الكامنة في أعماق السواحل في الوقت نفسه، اضافة الى تمضية اسبوع سياحي في المنطقة الغنية بمعالمها الأثرية والثقافية. وجديد الدورة الخامسة التي أقيمت أخيراً هو مشاركة شخصيات ثقافية واعلامية بارزة من أوروبا والمغرب العربي والتي تابعت اكثر من أربعين شريطاً مصوراً عن فنون الغوص في أعماق البحار وآخر التقنيات المتطورة التي وصل لها الانسان في هذا المجال على مشارف الألفية الثالثة. وتولى خبراء ومتخصصون في الغوص والتصوير تحت الماء اعطاء دروس نظرية وعملية للمشاركين ما شكل فرصة للهواة الذين بدأوا يقطعون خطواتهم الأولى في هذه الهواية لتحقيق قفزة الى الأمام خلال أيام المهرجان. وقال رئيس "الديوان التونسي للسياحة" فخرالدين المسعي ل"الحياة" ان دورات المهرجان استطاعت استقطاب فئات جديدة من السياح وتحقيق أهداف خطة تنويع المعرو ض السياحي وتكثيف الإقبال على المدن السياحية الجديدة وفي مقدمها طبرقة. واستقطبت المدينة خلال الموسم الصيفي الأخير 3500 غواص. وقدر عدد "الطلعات" البحرية التي تقود الغواصين الى أعالي البحار لممارسة هواية الغوص الى الاعماق بأربع الى خمس "طلعات" في اليوم. وبلغ العدد الاجمالي لعمليات الغوص في ساحل طبرقة منذ افتتاح موسم الرياضة البحرية في ايار مايو الماضي الى ايلول سبتمبر نحو 12 ألف عملية ما عكس الاقبال الشديد على هذا الصنف من الرياضات الذي يميز طبرقة عن سواها من المدن الساحلية. ولعل خصوبة الغطاء النباتي تحت الماء وانتشار المرجان شكلا العنصرين الرئيسيين اللذين اجتذبا الغواصين الهواة والمتخصصين على السواء الى المنطقة. وتختلف منطقة طبرقة الناعسة المستلقية على سفوح الجبال الشاهقة المحيطة بها عن المناطق السياحية التونسية الاخرى، فهي تشبه في مناخها وعمارتها قطعة من أوروبا مزروعة في شمال القارة الافريقية لا سيما في الخريف والشتاء عندما تغطي الثلوج جبالها وأشجارها وحتى سطوح بيوتها المسقوفة بالقرميد الأحمر. وينتشر في كل خريف مئات الصيادين الآتين من فرنسا وسويسرا وايطاليا وبلجيكا وحتى من الولاياتالمتحدة في الجبال المحيطة بمدينة عين دراهم التي لا تبعد عنها سوى 25 كيلومتراً ليصطادوا الخنازير الوحشية والثعالب والذئاب والطيور، لكن الصيادين يعودون مساء الى طبرقة ليقيموا في فنادقها الفاخرة. وتطورت الوحدات الفندقية في المدينة سريعاً خلال السنوات العشر الأخيرة فأنشئت في ضواحي طبرقة فنادق حديثة وملعب غولف وميناء ترفيهي ومطاعم ومحلات تقدم خدمات مختلفة للسياح. وشكل انشاء مطار طبرقة الدولي العام 1994 قفزة نوعية أنهت الصعوبات التي كانت تحد من الاقبال على زيارة المنطقة بسبب بعد المسافة عن العاصمة تونس 180 كيلومتراً وعن مطارها الذي كان أقرب مطار لطبرقة. رحلات دولية وبعدما اقتصر المطار في مرحلته الأولى على الرحلات الداخلية تطور في السنوات الأخيرة الى مطار دولي وباتت شركات الطيران ووكالات الأسفار السياحية تسيّر رحلات "تشارتر" مباشرة من المدن الأوروبية الرئيسية الى طبرقة حيث يمضي السياح الأوروبيون اسبوعاً على الأقل على الرمال الذهبية يستمتعون باعتدال الطقس وصفاء البحر. وفي مقدم الفنادق الحديثة في طبرقة "أبو نواس المنتزه" و"غولف بيتش" و"إيبار وتال المهاري" و"روايال غولف مرحبا" وهي من فئة النجوم الخمس اضافة الى عدد من الفنادق الأخرى المنتشرة في الجبل وعلى ساحل البحر أو في وسط المدينة بين محلات بيع المرجان. ومن أجمل معالم طبرقة القلعة التاريخية التي تحرس المدينة من جزيرة صغيرة تقع قبالتها والتي يطلق عليها اهل المدينة اسم "حصن الجنويين" كون الايطاليين الآتين من جنوة على الضفة المقابلة من البحر المتوسط أقاموا في طبرقة قرناً ونصف القرن قبل اجلائهم منها. ويتيح الحصن رؤية المدينة البيضاء النازلة من الجبل والغابات الكثيفة التي تطوقها من الخاصرة الى الخاصرة والمنطقة السياحية بملاعبها ومنشآتها الحديثة على مرتفع يشبه مائدة فسيحة بين الجبال ووسط المدينة. وقال السائح الهولندي هانس بارت رول ل"الحياة" ان طبرقة تملك سحراً خاصاً كونها ليست مدينة شرقية بسبب عمارتها الحديثة، لكنها ليست غربية ايضاً لأنها تعبق بمناخات الشرق. وأضاف: "توحي العمارة المنتشرة هنا بأنك في احدى القرى السويسرية التي تتسلق الجبال، فعلى عكس المدن التونسية التي زرتها سابقاً، فالمدينة هنا ليست اسلامية عتيقة بأسواقها ومساجدها وشوارعها الضيقة. كل شيء فيها مبني على الطراز الأوروبي، وقيل لي ان سبب هذا الخيار هو تساقط الثلوج وهطول أمطار غزيرة في فصلي الخريف والشتاء، لكنك تجد فيها مناخات حميمة ومحلات سياحية ومعالم أثرية لا تجدها سوى في الشرق". فينيقيون ورومان لا تقتصر السياحة الثقافية التي تطورت في طبرقة خلال السنوات الأخيرة على المعالم الحديثة الايطالية والاسبانية، وانما تزخر المنطقة بآثار الفينيقيين والرومان الذين سكنوها وحولوا السهول التي تقع وراء جبال طبرقة الى أخصب البساتين حتى أطلق المؤرخون القدامى على المنطقة اسم "مطمور روما" أي مخزن القمح. ويتنقل السياح من طبرقة الى مواقع تاريخية عتيقة بينها تيبوريو ماجوس ودوقة وشمتو وجامة التي تبعد ثمانية كيلومترات عن مدينة سليانة الحالية والتي شهدت المعركة الفاصلة بين القائد الفينيقي هنيبعل وجيوش روما والتي مهدت لسقوط قرطاج بأدي الرومان بعد هزيمة هنيبعل. ويشكل متحف "شمتو" اكبر خزان للآثار الرومانية والفينيقية، فهو يشتمل على مسرح عتيق وقاعات متخصصة تضم أثاراً وأواني وأزياء ورسوماً على الفسيفساء تحكي صوراً حية من الحضارات التي تعاقبت على المنطقة. وبعد جولة على الآثار والمتاحف يعود السائح الى الفندق ليستمتع بالشمس والبحر والرمال الذهبية المترامية، أو ليمارس لعبة الغولف أو التنس فيما يستقل آخرون زورقاً ويختفون في أعماق البحر.