اعتبرت مصادر سياسية مطلعة في طهران لقاء الرئيسين الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة والايراني محمد خاتمي مساء الثلثاء في نيويورك، خطوة مهمة جداً نحو تطبيع العلاقات المقطوعة بين طهرانوالجزائر منذ العام 1992، فيما وصفت اوساط سياسية في الجزائر اللقاء بأنه "عابر"، وقال التلفزيون الرسمي الذي اكتفى بنقل مشاهد عن مصافحة جرت بين الرئيسين ان اللقاء جرى في إطار ندوة عامة. وكان بوتفليقة اجتمع مساء الثلثاء مع خاتمي في أول لقاء على هذا المستوى بين مسؤولين في الجزائروطهران بعد سنوات من قطع الجزائر العلاقات الديبلوماسية مع ايران عقب إلغاء الانتخابات الجزائرية مطلع العام 1992. وقالت مصادر مطلعة في الجزائر ل"الحياة" أن بوتفليقة أجرى "لقاء سريعاً" مع الرئيس الإيراني على هامش قمة الألفية في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك حيث ألقى خلالها كلمة عن "الحوار بين الحضارات". وتتهم الجزائر منذ سنوات السلطات الإيرانية بدعم عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة، الأمر الذي نفته طهران بشدة. واستغل الرئيس الجزائري مشاركته في ندوة "حوار الحضارات" المنعقدة على هامش قمة الألفية، ليثني على الرئيس خاتمي ووصف إعلانه "2001 سنة الأممالمتحدة للحوار بين الحضارات" ب "المبادرة الصائبة والميمونة" معتبراً ان هذا القرار "جاء فى موعده" لانه "مناسبة مواتية لقطع دابر متطرفي الغرب الذين يتبجحون بحتمية حصول مواجهة بين الحضارتين وأولئك الذين يتبجحون في العالم الاسلامي بتقسيم العالم الى دار الاسلام والحرب". لكن بوتفليقة سرعان ما إشترط على مسؤولي الدول المشاركة في الندوة، بما في ذلك الرئيس خاتمي، ضرورة اعتماد "الديموقراطية مذهباً" وأن "تسعى الى التوافق مع بلدان اخرى ليست شبيهة بها ان هي لم تستطع احلال الوفاق حتى في نطاقها الداخلي من خلال اعتماد الحوار". كما دعا الى "الانفتاح على العالمية" وفي طهران، تلقت الاوساط السياسية الايرانية بارتياح لقاء خاتمي بوتفليقة وقالت ل"الحياة" ان هذا اللقاء يعتبر خطوة اساسية مهمة جداً على طريق تطبيع العلاقات، واضافت ان ايران تتوقع من الجزائر ان تبادر الى اعادة علاقاتها الديبلوماسية مع طهران، خصوصاً انها الجزائر هي التي بادرت الى قطع هذه العلاقات. واعتبر المحلل السياسي الايراني حسن بهشتي بور محادثات خاتمي - بوتفليقة نقطة التقاء عند منتصف الطريق بعد القطيعة الطويلة بين بلديهما. وقال ل"الحياة" ان من اهم العوامل التي دفعت نحو هذا التقارب كان الطروحات الجديدة لبوتفليقة ومنها ما يتعلق بكيفية الخروج من الازمة الداخلية ومن دائرة العنف في الجزائر عبر الحوار، ومنها ما يتعلق بالنظرة الايجابية نحو ايران وطبيعة العلاقة معها. ويضيف بهشتي بور ان العامل الثاني كان سياسة ازالة التوتر التي يتبعها خاتمي وتستهدف مدّ الجسور وبناء الثقة مع العالم العربي في الدرجة الاولى، وتكتسب الجزائر اهمية في هذه السياسة نظراً الى رؤية ايران للدور المهم الذي تضطلع به الجزائر. لكنه يضيف ان طهران ما زالت على موقفها الرافض لاستخدام "السلطة الجزائرية" للعنف ضد الحركات الاسلامية التي تنبذ العنف وتؤمن بالديموقراطية، في اشارة الى "الجبهة الاسلامية للانقاذ". من جهة اخرى، بعث بوتفليقة برسالة طويلة الى رئيس "المجلس الموحد الخاص بافريقيا" كوربورت كاونسل فور أفريكا ستيفن هايس، اشار فيها الى ان "تضخيم بعض الدوائر السياسية وجماعات النفوذ للوضع الداخلي في الجزائر يعتبر وسيلة يستخدمها بعض منافسيكم للابقاء على محميات يدعون امتلاكها"، في إشارة غير مباشرة الى فرنسا التي تعتبر الجزائر مجال نفوذها في المنطقة. ولفت الى أن "لدى الولاياتالمتحدة الامكانات نفسها، بل أكثر من شركاء آخرين فى الجزائر، و سأكون سعيداً برؤية بلدكم الولاياتالمتحدة يفوز بهذه الفرص". وجدد عزمه ملاحقة عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة وقال "نحن لا ندخر أى جهد للقضاء نهائياً على العنف الغريب عن ثقافتنا وعن ديننا على حد سواء". وفي خطوة للتقليل من مخاوف رجال الأعمال الأميركيين من الحضور إلى الجزائر للإستثمار قال :"اننا شأننا شأن الشعب الأميركي نمقت الأعمال الاجرامية مهما كانت الذرائع التي تتذرع بها و نأسف لكون الجزائر تسجل تقريباً المعدل نفسه لنسبة جرائم القتل في الولاياتالمتحدة أي 6 الى 7 جرائم قتل بين كل 100 ألف نسمة". ولاحظ بأن هذه النسبة "أعلى بثماني مرات في مدينة واشنطن منها عندنا".