تجاوز "الحزب السوري القومي الاجتماعي" مرحلة البحث عن "تبرئة" حزب "البعث" الحاكم في سورية من دم "البعثي" العقيد عدنان المالكي، وبلغ مستوى البحث عن بوابة لدخول العمل السياسي العلني - الرسمي في البلاد. وكان "القومي الاجتماعي" في حاجة الى نحو خمسين عاماً ليحصل على تراكم مؤشرات الى "البراءة" بدأت معالمها تتبلور مع وصول الرئيس الراحل حافظ الاسد الى الحكم بعد "الحركة التصحيحية" عام 1970، قبل ان يستطيع قادته وممثلوه الحديث عن الانضواء تحت "جبهة الوطن" التي تضم جميع الاحزاب السياسية المؤمنة ب"الأمة السورية". وشهد العام الماضي مؤشرات اضافية الى "علاقة جديدة" بين "البعث" والحزب، بينها انتاج التلفزيون الرسمي مسلسل "حمام القيشاني" الذي "كرس" الخلاص من اغتيال المالكي، و"تشكيك" وزير الدفاع العماد أول مصطفى طلاس بعلاقة الحزب بالعملية في كتابه "مرآة حياتي" وحديثه عن "الجغرافية السياسية لسورية الطبيعية" في اطروحة لنيل درجة الدكتوراه، وذلك بعدما دخل باصيل دحدوح قبل نحو سنتين الى البرلمان ك"ممثل" للحزب للمرة الثالثة، رغم انه غير مرخص رسمياً. وهناك ايضاً "غض طرف" السلطات المعنية عن نشاطات الحزب واجتماعاته "شبه الدورية" واصداره بيانات وتعليقه لافتات في مناسبات وطنية. وقال الدكتور دحدوح ل"الحياة" ان احدى مشكلات عمل "القوميين الاجتماعيين في الشام كانت عدم وجود قيادات محلية، لكن الآن هناك قيادات في الادارات المحلية والبرلمان". وزاد ان الحزب يبحث الآن في تشكيل "قيادة محلية في الشام" لفتح الطريق امام دخوله الى "الجبهة الوطنية التقدمية" التي تضم ثمانية احزاب مرخصة بقيادة "البعث" الحاكم. ولم يقدم الحزب الى الآن طلباً رسميا للانضمام، لكنه اجرى اتصالات أولية مع مسؤولين "بعثيين" أعلنت في بيانات رسمية. واكد دحدوح: "سيكون الحزب جاهزاً عندما تقرر القيادة السياسية السماح له بالعمل في جبهة الوطن". تنظيمياً، لا تعتبر نشاطات الحزب مسموحة او ممنوعة رسمياً، لكن عملياً يحظى بمعاملة تتجاوز احياناً الحيز الممكن لاحزاب "الجبهة التقدمية" لانه ينشط في قطاع الطلاب المغلق امام تلك الاحزاب. وقال ممثل "القومي الاجتماعي" في البرلمان: "لا نرى مانعاً للنشاط الفكري في كل القطاعات باستثناء قطاع الجيش وقوى الامن". واستدرك ان قيادة الحزب تعمل على "تأطير تيار سوري قومي اجتماعي يتألف من حزبيين قدماء واولادهم ومن حولهم ومن استطاع التعرف على فكرنا من خلال العلاقة مع اعضاء في الحزب". وفي مقابل وجود 4،1 مليون "بعثي" وآلاف الاعضاء في احزاب "الجبهة الوطنية التقدمية" من الناصريين والشيوعيين، يعتقد دحدوح بأن "انتشارنا كبير في الاجيال في الشام". ويطلق الحزب على سورية "الشام" باعتبار انه "لا يعترف بالحدود التي رسمها اتفاق سايكس - بيكو" عام 1916، لذلك هناك مشكلة في موافقة قيادة الحزب التي تضم جناحين في لبنان بعد خروجها من سورية، على اعتماد قيادة في دمشق لان ذلك يعتبر "إقراراً بتجزئة اقليم سوريا الطبيعية". وليس هذا الخلاف الوحيد مع "البعث"، اذ ان "القومي الاجتماعي" يؤمن ب"جبهة عربية كوحدة كبرى للعرب" و"الامة السورية" و"الوطن السوري"، في حين يؤمن الحزب الحاكم في سورية ب"الوحدة العربية" و"الامة العربية" و"الوطن العربي". وهناك ايضاً خلاف مع ميثاق تأسيس "الجبهة الوطنية" العام 1972 الذي اشترط لدخول اي حزب ان يؤمن ب"الاهداف القومية للامة العربية" وب"وحدة المصير والتراب والتاريخ" و"وحدة تراب الوطن العربي"، اضافة الى عمل احزاب "الجبهة، لمقاومة الحركات الانفصالية" التي تستند في مطالبها الى وحدة اقاليم وليس الوطن العربي. واذ يعتقد دحدوح بأن هذا الخلاف "لفظي وليس عقائدياً"، قال: "ترسخ مفهوم جديد للعروبة، ولم يعد هناك اي خلاف بيننا في هذا المفهوم". واستند الى سعي الدكتور بشار الاسد لتقوية العلاقة السورية - اللبنانية منذ العام 1994 ليدل الى "اهمية ما نطرحه كفكر عن ضرورة اتمام الوحدة الحياتية في سوريا الطبيعية". وزاد: "ان العلاقات ستتطور في شكل ايجابي مع لبنان والاردن والعراق". وهذه الدول، حسب عقيدة "القومي الاجتماعي"، هي "سوريا الطبيعية" مع اضافات جغرافية اخرى بين جبال طوروس شمالاً وقوس الصحراء جنوباً، وهو ما يعرف ب"الهلال السوري الخصيب". وكان وزير الخارجية فاروق الشرع خصص مداخلته الطويلة في مؤتمر "البعث" الاخير للحديث عن "تطوير العلاقات مع دول الجوار".