اتخذ البرلمان السوري اسم "مجلس الشعب" بعد عام 1970 عندما تم تشكيل أول مجلس في عهد الحركة التصحيحية. واعتاد السوريون اطلاق اسم "البرلمان" على هذه الهيئة التشريعية لسنوات طويلة، بل ان الاسم المتعارف عليه للشارع الذي يقع فيه هذا المجلس هو "شارع البرلمان" بغض النظر عن التسمية الرسمية التي تطلق عليه. ويذكر الشعب السوري باستمرار هجوم الفرنسيين على مبنى البرلمان - وهو نفسه المبنى الحالي - ويتفاخر بالمقاومة التي اظهرتها حاميته في وجه العدوان، فظلت تدافع عنه حتى آخر رجل. كما يذكر الشعب السوري المعارك السياسية الحامية التي كانت تنشب تحت قبة البرلمان، والتي خلدت اسماء العديد من الشخصيات السياسية والوطنية والدينية في مراحل مختلفة كشكري القوتلي وناظم القدسي وخالد العظم وأكرم الحوراني ومعروف الدواليبي وصبري العسلي وخالد بكداش وصلاح البيطار ورشاد برمدا ورياض المالكي... وغيرهم من الشخصيات التي اثرت في الحياة السياسية السورية. كان البرلمان السوري الساحة الفعلية للمعارك الديموقراطية بين مختلف الشخصيات والاتجاهات في البلاد. وكان رجال السياسة السوريون يتخرجون غالباً من هذا المجلس او يحصلون على شهرتهم منه، ومن اجل كل هذا ظل السوريون يحرصون على عودة الحياة البرلمانية التي كانت تعني الوجه الوطني من حياتهم، بالاضافة الى المعاني والديموقراطية. وكان هذا الحرص ناجماً عن الرغبة العارمة بالمساهمة في الحياة العامة من خلال هيئات او احزاب او شخصيات تمثلهم. وعندما شكل مجلس الشعب السوري بعد الحركة التصحيحية لأول مرة 1917 اخذت هذه المسائل بعين الاعتبار، فشارك فيه - بطريقة التعيين - الكثيرون ممن يمثلون اتجاهات سياسية واضحة في البلاد سواء من البعثيين او الناصريين او الشيوعيين او رجال الدين، بالاضافة الى رموز من الفعاليات الشعبية الاجتماعية والاقتصادية. وهيّأ هذا المجلس المعيّن لنمطية المجالس اللاحقة التي تمت بطريقة الانتخاب، ولوحظ ان التوجه الطبقي العام لبنية المجلس دُرس بعناية بحيث كانت السيطرة الواضحة للعمال والفلاحين الذين يشكلون القطاع الاكبر من الشعب السوري، وكان هذا يحمل المعاني والدلالات الطبقية والتاريخية التي تعيد الاعتبار للفئات المظلومة اجتماعياً والتي عانت الكثير في ظل الاقطاع. ومنذ الدور التشريعي الأول الذي بدأ اثر انتخابات عام 1973 مُثلت الاحزاب والقوى السياسية الموجودة في سورية من خلال "الجبهة الوطنية والتقدمية" التي اعلن عن تشكيلها في 7 آذار مارس 1971، فالبعثيون مثلوا من خلال حزبهم، والناصريون من خلال الاتحاد الاشتراكي العربي، والشيوعيون من خلال الحزب الشيوعي السوري بالاضافة الى تمثيل مناسب للوحدويين الاشتراكيين والاشتراكيين العرب... وكان التمثيل على النحو التالي من اصل مجموع اعضاء مجلس الشعب البالغ 176 عضواً: 1 - حزب الاتحاد الاشتراكي العربي جمال الأتاسي 8 أعضاء 2 - الحزب الشيوعي السوري خالد بكداش 6 أعضاء 3 - حركة الوحدويين الاشتراكيين فايز اسماعيل 7 اعضاء 4 - حركة الاشتراكيين العرب عبدالغني قنوت 4 أعضاء وكان يمكن ملاحظة وجود اعضاء في مجلس الشعب من اتجاهات اخرى او اتجاهات مقاربة لأحزاب الجبهة الا ان وجودهم كان من طريق الانتخاب لا من طريق قوائم الجبهة. اما بالنسبة لتمثيل حزب البعث الذي يقود الجبهة، فقد كان يمتلك اغلبية واضحة تفوق مجموع ممثلي الاحزاب الاخرى والمستقلين. وظل تمثيل الاحزاب المشاركة في الجبهة الوطنية التقدمية قائماً في الدور التشريعي الثاني عام 1977 مع ارتفاع عدد اعضاء مجلس الشعب الى 195 عضواً. الا ان هذا التمثيل خرق في انتخابات عام 1981 عندما خرج الشيوعيون من قائمة الجبهة الوطنية نتيجة خلافات تتعلق بتوصيفهم لأحد المسائل الداخلية، فخاضوا الانتخابات بشكل مستقل، ولم يتمكنوا من الفوز حتى بمقعد واحد، بل ان وصال فرحة بكداش مرشحة الشيوعيين عن دمشق حصلت على نحو خمسة عشر الف صوت في وقت يحصل فيه المرشح الشيوعي على نحو مئة الف صوت لو خاض الانتخابات ضمن قائمة الجبهة الوطنية. وفي انتخابات عام 1985 عاد الشيوعيون الى مجلس الشعب مع عودتهم الى الانضواء تحت قائمة الجبهة، وكانت ارهاصات انشقاقهم الكبير بدأت لتنعكس في ما بعد على نسبة التمثيل في المجلس. ان عدد اعضاء مجلس الشعب الذي كان 176 عضواً في عام 1973 ارتفع الى 195 عضواً عام 1977 ثم قفز الى 250 عضواً عام 1990. ولم تؤثر الزيادة بشكل فعلي على نسبة تمثيل الاحزاب، فقد استفاد منها المستقلون. وإذا كان ثمة نصيب للاحزاب، فقد تقاسمته الانشقاقات التي وقعت. فبين العام 1985 والعام 1998 وقعت مستجدات على مستوى الاحزاب المشاركة في الجبهة، فقد انقسم الحزب الشيوعي السوري الى حزبين، دخل الحزب الوحدوي الاشتراكي الديموقراطي الجبهة، وشكل الدكتور عبدالعزيز عثمان جناحاً جديداً من اجنحة الاشتراكيين العرب، فأضحى تمثيله في الجبهة موازياً لتمثيل الجناح الذي يقوده عبدالغني قنوت. وعلى هذا الأساس تقاسم الشيوعيون المنقسمون المقاعد، وحاز الحزب الوحدوي الاشتراكي الديموقراطي على أربعة مقاعد من دون ان يؤثر ذلك على مقاعد حزب الوحدويين الاشتراكيين الذي يعتبر الحزب الأم الذي انبثق عنه الحزب الوحدوي الاشتراكي الديموقراطي. كما حصل جناح الدكتور عبدالعزيز عثمان على مقعدين. وثبتت نتائج الانتخابات الأخيرة نسب التمثيل هذه مع بعض التعديلات الطفيفة، وأصبحت نسب التمثيل على النحو التالي: 1 - حزب الاتحاد الاشتراكي العربي صفوان قدسي 7 اعضاء 2 - حزب الوحدويين الاشتراكيين فايز اسماعيل 74 أعضاء 3 - الحزب الشيوعي السوري خالد بكداش 4 أعضاء 4 - الحزب الشيوعي الموحد يوسف فيصل 4 أعضاء 5 - حركة الاشتراكيين العرب عبدالغني قنوت 4 أعضاء 6 - الحزب الوحدوي الاشتراكي الديموقراطي احمد الأسعد 4 أعضاء 7 - حركة الاشتراكيين العرب غسان عبدالعزيز عثمان عضوان ولم يكن هذا يعني ان الاتجاهات السياسية في مجلس الشعب السوري انحصرت على هذا النحو، لأن شخصيات من اتجاهات اخرى دخلت الانتخابات وتمكنت من الفوز، وهذه مسألة عادية ومعروفة في الانتخابات التشريعية السورية، ففي دورات سابقة كان هناك من ينتمي الى فعاليات سياسية واقتصادية ودينية واجتماعية، واستمر ذلك طيلة الدورات السابقة، الا ان هؤلاء لا يمكن اعتبارهم قوة موازية للجبهة في مجلس الشعب، فهم يعملون في اطار النهج العام لسياسة الدولة. وفي الدورة الاخيرة فاز باصيل دحدوح وهو معروف بأنه من القوميين السوريين، كما فاز الدكتور مروان شيخو وهو ممثل للتيار الديني المعتدل الذي يتزعمه الشيخ احمد كفتارو. بل كان هناك من هو في حزب من الاحزاب الموجودة خارج الجبهة الحزب العربي الديموقراطي وتولى منصب وزير الدولة لشؤون مجلس الشعب. اما الفعاليات الاقتصادية فطرحت نفسها بقوة دعاوية هائلة، وتمكنت من الفوز بعدد هام من المقاعد فقد شارك بالانتخابات كثيرون كمأمون الحمصي وهاشم العقاد وبهاء الدين حسن وأيمن صديقة وعارف هنانو وغيرهم، ونجح بعضهم في الانتخابات. وكان الصناعي رياض سيف من الشخصيات الاقتصادية التي تمكنت من الفوز للمرة الثانية فقد اشتهر بطروحاته المتماسكة حول الاصلاحات الاقتصادية لكنه في الوقت نفسه لا يطمح فيما يبدو الى موقع سياسي كما اشار. التجربة البرلمانية الاخيرة في سورية أثبتت تآلف الناس مع صيرورة الدورات التشريعية المتلاحقة ولم يتهيب الكثيرون من طرح برامج انتخابية ذات دلالات سياسية واضحة كالمرشح الدكتور عارف دليلة عميد كلية الاقتصاد السابق. لكن الفعالية الانتخابية كانت للجبهة الوطنية كا هو متوقع، وأيضاً للفعالية الدعاوية التي كان لها الدور الاكبر في هذه الانتخابات بالنسبة للمستقلين. اما تمثيل المرأة في مجلس الشعب فأصبح 26 امرأة بعد ان كان 24 امرأة. ويتضح من اسماء الفائزات ضعف الاحزاب المشاركة في الجبهة على صعيد ترشيح كادرات سياسية من النساء، حيث لم تقدم احزاب الجبهة سوى ثلاث مرشحات هنّ: جمانة رضوان عن الحزب الشيوعي وفاديا عياش عن الوحدويين الاشتراكيين ونهاد زنطح عن الاتحاد الاشتراكي العربي، فيما كانت نسبة المرشحات الباقيات من حزب البعث العربي الاشتراكي والمستقلين، وتفوقت الشاعرة مها قنوت بعدد الاصوات فيما تفوق الفنان أيمن زيدان على مرشحي دائرته، وكان ثمة تعاطف مع الفن والشعر في وقت تراوح فيه السياسة مكانها. * كاتب سوري