بكثير من السرور والاكبار قرأت حوارك الذي أجراه معك الشاعر اللبناني لامع الحر، وقولك أنك تأثرت بي لغوياً تأثراً شديداً وثناءك على ما قدمتُه أدبياً في عالم اللغة. سررت على الصعيد الشخصي لأن الثناء يُفرح قلب المرء وأنا لم أتنصل يوماً من طيني البشري. أما الإكبار فلأنك أقدمت بعفوية على كسر احد المحرمات التابو في دنيانا الثقافية العربية حين أقررت بالأمومة الأبجدية لكاتبة، ولم تُخف تأثرك بها، رافضاً الصورة الفولكلورية الشعبية الدونية للمرأة وخارجاً على منطق الازدواجية في القبيلة. فالمألوف في عالمنا الأدبي العربي أن يتأثر الجميع علناً بأدباء ذكور حتى ولو تأثروا سراً بكاتبات نساء عربيات أو غربيات. وإذا أقر بعض ذكور الأبجدية بتأثرهم بكاتبة ما، فهي عادة كاتبة غربية أو عربية راحلة. فعقدة الدونية أمام الغرب لدى البعض تجعل الكاتبات الغربيات في لاوعيه أعلى كعباً من أية كاتبة عربية، هذا ناهيك عن الشعور الضمني لديه أن المرأة - أية امرأة محلية - أقل شأناً من أي ذكر، ومن الأفضل له أن يعلن تأثره بيوسف ادريس مثلاً - حتى لو كان لا يميل اليه كثيراً - بدلاً من ذكر كاتبة عربية معاصرة تأثر بحرفها. وأنت يا عزيزي القاص خالد الخضري تجاوزت هذه العقد كلها. وأجد في سلوكك النقي بشارة لمرحلة جديدة نكف فيها عن البحث عن جنس الكاتب ونتجاوزه لدراسة ماهية العمل الأدبي بمعزل عن تاء التأنيث في اسم الكاتبة التي تكاد تتحول الى دائرة لها جدران سجن للنقد عموماً وحتى للنقد الأدبي الذي تكتبه بعض النساء وبينهن من يعزل "أدب المرأة" داخل حرملك ويدرسه بعيداً عن مجرى نهر الأدب العربي ككل، ويصب اهتمامه على "ماذا تقول" الكاتبة، وليس "كيف تقول". ترى هل هي مصادفة أن تأتي هذه المبادرة من أديب سعودي؟ أم انك جزء من موجة واعية ترى الأدب بعينين جديدتين كما هو الابداع دائماً؟ أصارحك مثلاً أن أديباً سعودياً شاباً آخر مثلك أرسل لي مخطوط عمله الروائي الجديد طالباً رأيي به كروائية. وسرتني هذه البادرة الراقية الشبيهة ببادرتك التي لا تتعامل مع الكاتبة بنظرة دونية لمجرد انها امرأة، بل تتعامل مع عطائها. والعطاء فعل إنساني مطلق يتجاوز الأجناس وليس ولداً أو بنتاً. ثمة صحافي سعودي شاب حاورني قبل فترة من المنطلق الفني ذاته بعيداً عن الخفة النقدية في التعامل مع أدب "المرأة"، وخلت اسئلته من أية اشارة مبطنة أو علنية الى جنسي ككاتبة مرتقياً الى ما أخطه. بسعادة أُمٍّ ترى أبناءها الروحيين يكبرون خالين من أمراض ابناء جيلها أرصدكم، وبكثير من الفرحة أخط لك هذه السطور، وأقف ضد اسطورة ان الماضي أفضل من الحاضر. ولك مني تحية تفاؤل بمستقبلكم الواعد.