قالت مصادر جزائرية مطلعة ل"الحياة" ان تعيين الجنرال المتقاعد العربي بلخير مديراً لديوان الرئاسة جاء بناء على "موافقة مسبقة" من قادة المؤسسة العسكرية، علماً بأن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة موجود في نيويورك منذ الثلثاء الماضي للمشاركة في قمة الألفية المقررة غداً. وأفاد مصدر موثوق به ان تعيين بلخير يهدف في الدرجة الأولى الى "تهدئة الوضع" وإبعاد شبح المواجهة عن العلاقة بين رئيس الجمهورية ومسؤولي المؤسسة العسكرية. وأضاف ان الجنرال بلخير "فضل تحمل مسؤوليته الى جانب رئيس الجمهورية لتفادي كل ما من شأنه احداث خلل في علاقات الرئيس مع المؤسسات المختلفة ... وهو كان قدم لصناع القرار ضمانات في شأن أداء بوتفليقة للحصول على دعم الجيش وتأييده، وعاد الى النشاط بعد تقاعده منذ عام 1992. وكان الرئيس السابق اليمين زروال قرر، مطلع ايلول سبتمبر 1998 التنحي عن الحكم اثر تردي علاقاته مع مسؤولي المؤسسة العسكرية حول عدد من القضايا أبرزها "تجاوزات" مستشاره للشؤون السياسية والأمنية الجنرال المتقاعد محمد بتشين. وعزت أوساط تعيين الجنرال بلخير الى العلاقة المميزة التي تربطه مع قادة الجيش والرئيس الجزائري، ما يؤهله للقيام بوساطة وتهدئة الأوضاع بعد ازدياد التباين بين الجانبين. وعلى رغم حساسية ضباط الجيش من تعيينات العسكريين في رئاسة الجمهورية، الا ان الاعلان عن تعيين بلخير لم يندرج في هذا الاطار بسبب المهمة الملقاة على عاتقه لتفادي أي أزمة سياسية أو دستورية بعد استقالة رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور بسبب "تجاوز الرئيس الجزائري صلاحياته الدستورية" كما جاء في نص الاستقالة. وكانت قيادة الجيش رفضت الخريف الماضي تعيين العقيد يزيد زرهوني وزير الداخلية والجماعات المحلية نائب مدير المخابرات العسكرية نهاية الثمانينات في منصب كاتب دولة للدفاع لدى رئيس الجمهورية، كما احتجت سابقاً على قرار زروال تعيين الجنرال المتقاعد محمد بتشين في الرئاسة نهاية عام 1994. لكن مصادر سياسية رأت في الاعلان عن تولي بلخير منصب مدير ديوان رئاسة الجمهورية خطوة جديدة تهدف الى تكريس رغبة الرئيس الجزائري في الحصول على مختلف "قطع الدومينو" لضمان نجاح خطته في اصلاح المؤسسات الدستورية. ولاحظت المصادر ان تعيين المدير الجديد لديوان رئيس الجمهورية جاء في سياق مسعى بوتفليقة الى تحصين نفسه بعدد من المسؤولين في حزب جبهة التحرير الوطني الحزب الحاكم سابقاً الذي ينتمي اليه لضمان حد أدنى من الدعم السياسي، بعدما تأكد الرئيس في المرحلة السابقة ان الدعم الذي يوفره الائتلاف الحكومي ظل مشروطاً وهشاً في كثير من الاحيان. وكان الرئيس الجزائري قال في حديث بثته القناة الفرنسية الثالثة، نهاية العام الماضي، ان الاحزاب السياسية التي تدعمه "لا تلعب دورها كما يجب" وعاد مرة أخرى للحديث عن ذلك في آخر جلسة لمجلس الوزراء نهاية حزيران يونيو الماضي، عندما صب جام غضبه على وزراء الائتلاف الحكومي الذين يرفضون الحديث الى بعضهم بسبب تمسكهم بالحزازات الحزبية. وتتزامن محاولة بوتفليقة جمع عدد من المقربين منه من الشخصيات العسكرية والسياسية مع تعثر كل محاولاته للاعلان عن استفتاء شعبي لتعديل الدستور. وكان الرئيس الجزائري أعلن منذ حملته الانتخابية الأولى رغبته في اعادة النظر في التوازنات السياسية والمؤسساتية التي ينص عليها الدستور بما في ذلك إلغاء منصب رئيس الحكومة. لكن هذه التغييرات ظلت محل رفض من قبل قادة الجيش الذين أبدوا مخاوف من تحول النظام الرئاسي الى نظام يكرس النزعة الفردانية لرئيس الجمهورية. وأثارت الرغبة الرئاسية في تعديل الدستور وتعمد الرئيس استعمال صلاحياته، بما فيها تلك التي لا ينص عليها دستور 1996، متاعب كان آخرها قرار رئيس الحكومة السابق بن بيتور الاستقالة من منصبه بسبب رفضه تدخل رئيس الجمهورية في صلاحياته سواء خلال تشكيل الحكومة أو في المصادقة على القرارات ذات الأهمية الوطنية. وتعتقد أوساط سياسية ان تعيين بلخير في منصب حساس في رئاسة الجمهورية، ربما يؤشر الى بداية "حرب المواقع" بين الرئيس بوتفليقة وعدد من مسؤولي الجيش الذين لم يهضموا عدداً من تصريحاته مثل تلك التي أدلى بها في منتدى كرانس مونتانا السويسري عندما وصف وقف المسار الانتخابي عام 1992 ب"العنف"، اضافة الى التصريحات النارية التي أطلقها ضد قادة الجيش الذين اتهمهم ب"مافيا التجارة الخارجية" الخريف الماضي، وتهديده بالتنحي عن الحكم في حال عدم تركه يعمل بحرية. وهو عبر أكثر من مرة عن رفضه ان يكون "ثلاثة أرباع الرئيس" وشدد على انه ينوي استعمال صلاحياته الدستورية "كاملة غير منقوصة".