تؤكد المؤشرات ان الصادرات السورية تعاني خللاً كبيراً في بنيتها الهيكلية يتمثل في اعتماد الصادرات على عدد محدد من السلع والأسواق، اذ تشكل ثلاث مواد أولية هي النفط والقطن والحبوب نحو 90 في المئة من اجمالي الصادرات السورية. وتشكل صادرات النفط ومشتقاته والفوسفات نحو 65 في المئة من الصادرات بقيمة 2.4 بليون دولار تقل وتزيد بمعدل 700 مليون دولار وذلك حسب الأسعار العالمية للنفط. وتنتج شركة "الفرات - شل - ديمنكس" شركة مشتركة نحو 375 ألف برميل في اليوم من النفط الخفيف، و"الشركة السورية للنفط" قطاع عام نحو 160 ألف برميل من النفط الثقيل و15 ألف برميل من النفط الخفيف. اما شركة "الف اكيتان" شركة مشتركة فتنتج نحو 60 ألف برميل من النفط الخفيف. ويصدر القطن محلوجاً من قبل وزارة الاقتصاد بمعدل 200 مليون دولار، ويصدر مغزولاً أو منسوجاً أو بعد استخراج الزيت من بذوره أو على شكل لنت من قبل مؤسسات وزارة الصناعة بمعدل نمو 75 مليون دولار، ويصدر على شكل ألبسة داخلية وملابس ومناشف من قبل القطاع الخاص بمعدل 200 مليون دولار. وفي المقابل بلغت صادرات القمح عام 1997 نحو 940 ألف طن بقيمة 197 مليون دولار، وانخفضت عام 1998 الى 515 ألف طن بقيمة 110 ملايين، وتوقفت في العامين التاليين بسبب موسم الجفاف. وبلغت صادرات الشعير عام 1997 نحو 320 ألف طن بقيمة 45 مليون دولار ولم يصدر في العامين التاليين، وتم السماح باستيراده من الدرجة الثانية كعلف. أما الخضار والفواكه وبعض المنتجات الزراعية والتي تصدر من قبل القطاع الخاص فيشكل معدل تصديرها السنوي عشرة في المئة من اجمالي الصادرات بحدود 400 مليون دولار. وتستقبل الدول العربية نحو ربع الصادرات السورية فيما يستقطب الاتحاد الأوروبي الحصة الأكبر منها بحدود 60 في المئة. ويشكل النفط والمواد الخام 92 في المئة منها. وبناء على هذه الأرقام وفي ظل ما يشهده العالم من تنافس شديد في مجال دخول الأسواق، لا تزال سورية الى حد بعيد تفتقر الى الانتاج الصناعي والزراعي الصالح للتصدير على نطاق واسع ويلائم متطلبات الأسواق العالمية وأذواق المستهلكين، كما لا تزال تفتقر للمؤسسات الضخمة القادرة على ادارة العمليات التصديرية خصوصاً في مرحلة التسويق، اضافة الى الافتقار للآليات التي تمكن من المرونة والسرعة في التعامل مع الأسواق الخارجية وفقاً لقواعدها وشروطها، الأمر الذي يستدعي تعديلات جذرية في الواقع الهيكلي لبنية الاقتصاد السوري بحكم ان التنافسية لم تعد مطلباً لغزو الأسواق الخارجية، بل أصبحت مطلباً حتمياً لمواجهة اتساع نطاق المنافسة حتى في السوق المحلية ولتخفيف عجز الميزان التجاري البالغ بشكل وسطي للسنوات 93-96-98 نحو 25 في المئة. لكن العام الماضي شهد صدور قرارات مهمة لتشجيع المصدرين والنهوض بالصادرات، اذ أقر القانون الرقم 7 الذي ألغى الرسم المترتب على صادرات القطن وضريبة الانتاج الزراعي على القطن وبذوره وفضلاته، ما أدى الى خفض ايرادات الموازنة العامة للدولة بمبلغ 4.2 في المئة نحو بليون ليرة سورية اضافة الى سلسلة من القرارات المتتابعة الصادرة عن "لجنة التصدير" باعفاء عدد من السلع من ضريبة الانتاج الزراعي والذي انقص الموارد بمقدار 1.2 بليون ليرة. واجرأ هذه القرارات كان الذي اتخذته الحكومة الحالية عندما أصدرت أخيراً قراراً يتضمن اعفاء الصادرات السورية المنشأ من المنتجات الزراعية والصناعية والزراعية الصناعية والاستخراجية باستثناء النفط والمنتجات النفطية، وكذلك عمليات الادخال المؤقت من أجل التصنيع وإعادة التصدير، من ضريبتي الانتاج الزراعي وضريبة الدخل على أرباح الصادرات والذي كلف موازنة الدولة نحو 22 بليون ليرة سورية. كما أقرت "لجنة التصدير" العمل وفق احكام المادة 151 لعام 1975 من قانون الجمارك والتي تقضي بإعادة الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم المستوفاة من مستوردات المواد الأولية الداخلة في عمليات تصنيع المنتجات المصدرة شرط ألا توجد مادة مماثلة منتجة محلياً. وانشأت الحكومة الجديدة حديثاً صندوقاً للتسهيل المالي للصناعيين في المصرف التجاري السوري برأس مال قدره 15 مليون دولار لتمويل واردات الصناعيين من المواد الأولية ومستلزمات انتاج المواد القابلة للتصدير بحدود 200 ألف دولار للصناعي الواحد وبفائدة تسعة في المئة. ومع كل ما سبق فإن الصادرات السورية غير النفطية للعام الماضي لم تتجاوز نحو بليون دولار أميركي. وأهم المواد المصدرة هي خضار وفواكه 460 ألف دولار وفوسفات 30 ألفاً وأغنام 55 ألفاً ومصنوعات نسيجية 400 ألف وقطن خام 155 ألفاً. وتهدف الاستراتيجية الجديدة للتصدير الى تذليل العقبات أمام الصادرات السورية التي تتمثل بعقبات متعلقة بالانتاج مثل ارتفاع تكاليف الانتاج وضعف القدرة التنافسية للصناعات التصديرية، نتيجة تحميل الانتاج أعباء مالية من خلال فرض رسوم جمركية عالية على المواد الأولية ومستلزمات الانتاج، اضافة الى انخفاض انتاجية العاملين بسبب تراجع كفاءة العاملين والمستويات التكنولوجية المستخدمة، وعقبات متعلقة بالبنية التحتية للخدمات وخصوصاً عدم توافر التأمين على الصادرات ضد مخاطر عدم السداد لأسباب تجارية وغيرها، ومشكلة ارتفاع أسعار النقل والخدمات في المرافئ، اضافة الى عقبات متعلقة بالبيروقراطية من بطء اجراء التخليص وعمولات مؤسسات التجارة الخارجية، وطلب العديد من الجهات لوثائق عن الشحن والفحص. وتضمن المشروع الجديد اقتراحات أهمها خفض كلفة المدخلات عن طريق خفض عمولات مؤسسات التجارة الخارجية، ورد الرسوم الجمركية لمدخلات الانتاج التي يتم تصديرها وتوفير المواد الأولية للمنتج المحلي بالأسعار العالمية، ومنح مزايا وحوافز تشجيعية بإعفاء المصدرين من ضرائب الدخل على الأرباح، وتوفير التمويل عن طريق قروض من المصارف، وتسهيل عمليات الادخال المؤقت، وخفض اجور النقل الجوي والشحن البحري، وتنشيط تأهيل الكوادر الفنية والتجارية، واحكام الرقابة على الصادرات. كما ان هناك قطاعات من المناسب التركيز عليها وهي قطاع المقاولات وقطاع الاستشارات وقطاع خدمات التعليم والخدمات المالية والفنية وخدمات الطباعة. ويشار الى انه على رغم أهمية السياسات الداعمة للتصدير إلا أنها لا تكفل وحدها نجاح استراتيجية التصدير، ما لم تتزامن مع اجراء تعديلات جذرية في هيكل الانتاج الصناعي، لذلك تجرى الآن استعدادات لتطوير واقع الصناعة باتجاه خلق صناعات جديدة منها صناعة البرمجيات.