يتطلع لبنان وسورية، بعد اتفاقهما على حرية تبادل المنتجات الصناعية، الى تجاوز العقبات امام اطلاق تبادل المنتجات الزراعية باعتبارها الاكثر تعقيداً نظراً الى وجود اعتقاد بتضارب مصالح المزارعين في البلدين لتشابه منتجاتهما الزراعية. وفي هذا المجال عقد وزير الزراعة والاسكان اللبناني سليمان فرنجية ونظيره السوري المهندس اسعد مصطفى نهاية الشهر الماضي محادثات في دمشق، بهدف تذليل هذه العقبات. وأظهرت المحادثات التي ضمت رئىس الوزراء المهندس محمود الزعبي ورئيس المجلس الاعلى السوري - اللبناني نصري خوري مدى الحاجة الى اتخاذ "قرارات جريئة" تبدد قلق المزارعين في البلدين، كما حصل بالنسبة الى الاتفاق الصناعي. ويتركز الحوار على ورقة العمل التي وضعتها لجنة فنية زراعية مشتركة لتحقيق "التنسيق الكامل" في السياسات الزراعية ورفع القدرة التنافسية لمنتجات البلدين الزراعية. ويُعزى التأخر في اقرارها الى البحث عن افضل السبل لصون مصالح المزارعين في البلدين بسبب التشابه في انتاج بعض المحاصيل الزراعية كالحمضيات والتفاحيات واللوزيات والعنب والمنتجات الحيوانية كالدواجن والبيض والاجبان البيضاء، اذ يتوافر فائض في انتاجها في كلا البلدين اضافة الى بعض انواع الخضر والزيتون في بعض المواسم ما سيؤثر سلبا على المنتجين لهذه السلع في المرحلة الاولى. وتلحظ ورقة العمل ان سورية تمتلك فائضاً في الانتاج للمحاصيل النباتية عموماً عدا السكر، وفي الزيوت النباتية عدا زيت الزيتون الذي يغطي الانتاج المحلي اضافة الى فائض للتصدير. كما تتوافر فوائض في انتاج معظم الاشجار المثمرة عدا الموز. ويتوقع الخبراء استمرار تأمين الحاجة المحلية مع توافر فائض للتصدير في الحبوب والبقوليات الحية وكافة انواع الخضر والاشجار المثمرة عدا الموز مع استمرار العجز بالنسبة الى السكر نظرا الى محدودية تصنيعه والزيوت النباتية ما عدا زيت الزيتون الذي يتوقع ان يزداد الفائض منه. وتبلغ قيمة الانتاج الزراعي في سورية 279 بليون ليرة سورية الدولار يساوي خمسين ليرة ويبلغ معدل النمو في القطاع الزراعي 6.1 في المئة سنوياً اي ما يعادل ضعف معدل النمو السكاني. وجاء هذا النمو لصالح انتاج محاصيل الحبوب والمحاصيل الصناعية بالدرجة الاولى. ويأتي على رأس هذه المحاصيل القمح والقطن والشمندر السكري والتفاح والحمضيات. وأفادت الدراسة الرسمية: "مع التوسع في مساحة الاراضي المروية ونتيجة لتشجيع القطاع الخاص في الزراعة اضافة الى الظروف المناخية المناسبة ازداد الانتاج الزراعي بشكل عام". وبلغ الانتاج السوري من القمح عام 1997 اكثر من اربعة ملايين طن وبلغ انتاج القطن العام الماضي اكثر من مليون طن. كما انها تحتل المركز الثاني في انتاج الزيتون في العالم العربي اذ بلغ انتاج الموسم الاخير 650 الف طن. وبلغ حجم انتاج سورية من الحمضيات في الموسم الأخير الف طن. وعن الجانب اللبناني، اشارت الدراسة الى وجود فائض من البطاطا وكافة انواع الفاكهة المنتجة محلياً مع الحاجة خلال بعض الفترات المحدودة جدا لاستيراد كميات من البطاطا والبندورة والعنب الحصري ووجود عجز في كافة انواع الحبوب. ويُتوقع ان تستمر وتيرة الفائض بالنسبة للفاكهة والبطاطا وبعض اصناف الخضر ولحوم الدواجن والبيض والاجبان البيضاء، اضافة الى عجز في المنتجات النباتية والحيوانية باستثناء الحليب الطازج ومشتقاته بعدما تم التركيز على تطوير مشاريع الابقار وتحسين سلالاتها ووضع المواصفات القياسية لمنتجاتها مع استمرار العجز بالنسبة للسكر. ويرى الخبراء الاقتصاديون ان الميزة الاقتصادية في سورية تكمن في قطاع الزراعة اضافة الى ان لدى سورية احتياطاً كبيراً من النفط والغاز، في حين ان الميزة في لبنان تكمن في قطاعي الخدمات والصناعات الزراعية والصناعة القائمة على الاتصالات والمعلوماتية التي تنطوي على درجة مرتفعة من القيمة المضافة ذلك ان لبنان اتجه نحو التخصص في الخدمات بحيث ان حصة خدمات التجارة والسفر والسياحة والمال والاعلام تصل الى مستوى الثلثين من الناتج المحلي الاجمالي. واضاف الخبراء ان زيادة الانفتاح والتبادل التجاري بين البلدين سيميل الاقتصاد السوري الى التخصص في مستوى انتاجي متكامل اكثر جودة ونوعية اذ سيستفيد من الخبرة اللبنانية في مجال التعبئة والتغليف في الزراعة والصناعة في حين سيميل الاقتصاد اللبناني الى التخصص في الخدمات وفي خدمات التصدير التي يقدمها الى سورية. وذكرت الدراسة ان قيمة المستوردات اللبنانية من سورية بلغت في العام 1996 نحو 1054 مليون ليرة سورية مقابل 53 مليوناً هي قيمة الصادرات اللبنانية. وبلغت قيمة الخضر والنباتات التي يستوردها لبنان من سورية عام1997 نحو 339 ليرة سورية. وتستورد لبنان من سورية حبوب بقيمة 75مليون ليرة. ويشكل 4،8 في المئة من اجمالي مستورداتها من هذه المادة، في وقت تصل صادرات لبنان الى سورية من المنتجات النباتية الى 28 في المئة من حجم تصديرها الى كافة البلدان. ويشكل الناتج الزراعي في لبنان 12 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي بينما يشكل قطاع الخدمات 61 في المئة والقطاع الصناعي17 في المئة. اما في سورية فتشكل الزراعة بين 25 و30 في المئة من اجمالي الناتج المحلي مقابل 25 و48 في المئة لقطاعي الصناعة والخدمات على التوالي. الميزان التجاري واستمر الميزان التجاري بين البلدين في الميل لصالح لبنان حتى نهاية الثمانينات اذ زادت واردات لبنان من سورية بما يفوق اضعاف صادراته اليها وباتت سورية تحتل المرتبة بين الرابعة والتاسعة من بين دول العالم التي يستورد منها لبنان في حين يحتل المرتبة الرابعة والخامسة على دول المقصد. وتشير الدراسة الى ان "الواقع الزراعي في سورية ولبنان هو واقع تكاملي اكثر منه تنافسياً. اذ تتوافر في سورية مجموعة من المنتجات الزراعية الفائضة ويعتبر لبنان بلداً مستورداً اساسياً لها وهي الحبوب والبقول والخضر وبعض المحاصيل الصناعية كالقطن واليانسون والكمون ومنتجات الابقار والاغنام. وهذه المنتجات تشكل النسبة الاكبر لواردات لبنان الزراعية. ويتوافر في لبنان فائض من الموز في حين لا يغطي الانتاج السوري من المادة الحاجة المحلية". وتصل قيمة الواردات السورية الى 3.5 بليون دولار، في حين تبلغ الصادرات أربعة بلايين دولار. وألمانيا هي اهم المصدرين الى سورية و تشكل 8 في المئة تليها الولاياتالمتحدة فكوريا الجنوبية فايطاليا ثم فرنسا. اما الدول التي تستورد من سورية فتأتي ايطاليا في المقدمة وتصل نسبة التصدير اليها 28.8 من حجم الصادرات السورية تليها فرنسا واسبانيا وتركيا. ويحتل لبنان المرتبة الخامسة ويشكل نسبة 5.5 في المئة من حجم الصادرات السورية. ويجمع عدد من الخبراء على ان الاتفاق يتيح الفرصة لتصريف الفوائض لمعظم المنتجات الزراعية في البلدين وزيادة التعاون الفني في الانتاج والتسويق والتصنيع، اضافة الى افساح المجال للتعاون في تسويق المنتجات الزراعية الى الاسواق الخارجية الاخرى وتوفير فرص افضل للاستثمارات الزراعية في كلا البلدين. لكن الدراسة حذرت من اثار وجود "تشابه في انتاج بعض المحاصيل الزراعية كالحمضيات والتفاحيات واللوزيات والعنب اضافة الى بعض المنتجات الحيوانية كالدواجن والبيض والاجبان البيضاء حيث يتوافر فوائض في انتاجها في كلا البلدين بالاضافة الى بعض انواع الخضر والزيتون في بعض المواسم ما سيؤثر سلبا على المنتجين لهذه السلع في المرحلة الاولى". وتوصي الدراسة الرسمية بضرورة بدء تطبيق الاتفاق من بداية السنة المقبلة بهدف افساح المجال لاستكمال الاجراءات التنفيذية وكذلك اعطاء الفرص للمزارعين لاختيار الزراعة المناسبة لهم.