بدأت الحياة تعود الى طبيعتها في لندن بعد ظهر أمس إثر الضربة "الرمزية" التي تلقتها الحكومة البريطانية على أيىد متشددين ايرلنديين يُشتبه في مسؤوليتهم عن إطلاق صاروخ على مقر قيادة الإستخبارات في فوكسول كروس على نهر التيمز. ولم يُسبب الإنفجار الذي وقع ليل الأربعاء - الخميس، سوى أضرار مادية طفيفة في زجاج الطبقة الثامنة من هذا المقر الضخم. إلا انه يؤذن، على ما يبدو، بمرحلة جديدة من "الإرهاب الإيرلندي" يطاول عمق الأراضي البريطانية وليس فقط "منطقة الصراع التقليدي" في ايرلندا الشمالية. وضربت قوات الأمن أمس طوقاً محكماً حول المنطقة، مسببة زحمة سير خانقة في أحياء تُعتبر من نقاط التواصل الرئيسية بين شطري لندن، جنوب نهر التيمز وشماله. وأشرف الان فراي، رئيس فرع مكافحة الإرهاب في شرطة اسكتلنديارد، على عمليات التحقيق وشدد للصحافيين على ان من المبكر تحديد هوية المهاجمين، لكنه لم يستبعد مسؤولية تنظيم منشق عن "الجيش الجمهوري الإيرلندي" الذي يلتزم حالياً هدنة في عملياته. وأشار الى ان طبيعة عمل جهاز الإستخبارات الخارجية تجعله هدفاً مُحتملاً لكثير من التنظيمات الإرهابية وليس فقط الإيرلندية. ورفض تأكيد معلومات شهود ان انفجارين وليس واحداً وقعا في مبنى قيادة الإستخبارات. ولا تُشارك الإستخبارات الخارجية - المعروفة باسم "أم. آي. 6" - مباشرة في مكافحة التنظيمات الإيرلندية المتطرفة. لكنها تُنسّق في ذلك مع جهاز مكافحة التجسس الاستخبارات الداخلية - "أم. آي. 5". ويقع مبنى "أم. آي. 5" تيمز هاوس على نهر التيمز أيضاً. ويتولى هذا الجهاز، بالتعاون مع استخبارات شرطة اسكتلنديارد "الحرب الحقيقة" على الجمهوريين الإيرلنديين. وكان منشقون عن "الجيش الجمهوري" "الجيش الجمهوري الإيرلندي الحقيقي" هاجموا هذه السنة لندن مرتين: الأولى في حزيران يونيو عندما وضعوا قنبلة تحت جسر هامرسميث، غرب العاصمة، والثانية في تموز يوليو عندما فجّروا قنبلة في إيلينغ، غرب العاصمة أيضاً. وتقول الشرطة أنها لم تتلق أي تحذير مسبق بالهجوم الصاروخي على مقر قيادة الإستخبارات المعروف باسم "بابل على التيمز" ليل أول من أمس. ويعتقد بعض المصادر ان الهجوم خطط له "مهندس" كان في السابق عضواً في "الجيش الجمهوري" وتُنسب اليه مسؤولية هجوم بالصواريخ على مطار هيثرو في 1994 وعلى مقر الحكومة في داونينغ ستريت عام 1991. ورصدت الاستخبارات البريطانية أخيراً جهوداً للمنشقين الجمهوريين للحصول على اسلحة ومتفجرات. وكانت آخر هذه المحاولات شحنة كبيرة من الأسلحة مصدرها كرواتيا. ويرأس "أم. آي. 6" منذ شباط فبراير العام الماضي ريتشارد ديرلوف الذي جُنّد وهو في ال21 من عمره خلال دراسته في جامعة كامبريدج. وخلف في هذا المنصب السير ديفيد سبيدنغ، المعروف بأنه "عروبي" من نخبة الإختصاصيين في الشرق الأوسط في "أم. آي. 6". ولم ينتقل جهاز الاستخبارات الخارجية الى مقره الحالي في فوكسول كروس سوى في العام 1994. وكلّف بناء هذا المقر 240 مليون جنيه استرليني. وتقع معظم أجزائه تحت الأرض حيث تُحفظ أهم الوثائق. وبُنيت جدران المقر ونوافذه لتقاوم الرصاص. والطريف في موضوع تفجير المقر ان آخر أفلام "جيمس بوند"، أحد أشهر عملاء هذا الجهاز عالمياً، "تنبّأ" بذلك مُسبقاً في آخر أفلامه "العالم ليس كافياً" IS NOT ENOUGH THE WORLD. إذ نجح مجرمون عالميون في خداع قادة الإستخبارات وأرسلوا اليهم طرداً ملغوماً انفجر داخل مقرهم. فهل "سرق" الفكرة مطلقو الصاروخ ليل أول من أمس؟