اتخذت أعمال الاحتجاج المطلبي التي تشهدها المدن السودانية طابع مواجهة صريحة بين الحزب الحاكم وحلفائه السابقين في حزب المؤتمر الوطني الشعبي، بعد إنتقال التظاهرات وحال التوتر، أمس، الى مدن جديدة في مناطق متفرقة من البلاد. وطرحت بشدة تساؤلات في شأن المدى الذي يمكن أن تبلغه حركة الاحتجاج المطلبي التي لقيت تجاوباً شعبياً في الاقاليم. وشملت حال التوتر الامني مدينتي ود مدني في الوسط والقضارف في الشرق، فيما شهدت مدينة نيالا وبرام في الغرب مواجهات مع الشرطة وتجددت التظاهرات في مدينة كوستي أمس لليوم الثاني. وأفادت تقارير أن مدينة عطبرة الشمالية شهدت تظاهرات أيضاً لكن لم يمكن التحقق من ذلك. وعززت قوات الامن والشرطة وجودها الظاهر في مدن البلاد الرئيسية تحسباً لوقوع تظاهرات مماثلة لما جرى في مدن الفاشر والابيض في الغرب وبورتسودان في الشرق أخيراً. وكانت التظاهرات عرقلت الحياة في تلك المدن، وتمت إثرها إعتقالات في صفوف أنصار الترابي ببلغت أول من أمس 75 حالة إعتقال. وعلى رغم تجنب المؤتمر الشعبي الذي يقوده الدكتور حسن الترابي والحكومة نقل المواجهة الى الخرطوم حتى الآن إلا أن خطوات الفعل ورد الفعل باتت تنذر بإتساع دائرة المواجهة من اعمال احتجاج وإعتقالات تلحق بها الى صراع في الشارع. وبدا أن التظاهرات فاجأت قادة المعارضة والحكم على حد سواء، وامتنعت المعارضة عن الخوض في الموضوع حتى الآن. وأفادت معلومات من مدينة نيالا أن الشرطة فرّقت موكباً ضم أسر معتقلين من حزب الترابي ونفذت عمليات تفتيش أعلنت إثرها العثور على أسلحة في أحياء في المدينة. وأغلق سوق نيالا وتوقفت حركة السفر من المدينة واليها. واعتقلت السلطات 17 شخصاً. وشهدت مدينة برام منع ندوة تحدث فيها وزير الزراعة المستقيل الحاج آدم. وفي كوستي أعلن أمس عن وفاة شخص ثان، ووقعت مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين الذين اتهمتهم السلطات بتخريب منشآت حكومية. وعززت قوات الشرطة وجودها في مدينة ود مدني ثاني أكبر مدن البلاد أمس وإنتشرت بكثافة ملحوظة في الاحياء وأمام مقر جامعة الجزيرة ما جعل بعض المواطنين يغلقون متاجرهم ويغادرون منطقة وسط المدينة. وتمكنت الشرطة في مدينة القضارف في الشرق من منع تظاهرة وفرضت حراسة مشددة على المنشآت الحكومية. وأكد وزير الاعلام الدكتور غازي صلاح الدين، أمس، أن الحكومة إتخذت إجراءات قانونية ضد أي شخص يثبت تورطه في "أحداث الشغب وأعمال التخريب". ووصف الاحداث بأنها "محدودة وتحت السيطرة". وقال إنها "ليس لها هدف أو شرعية". وإكتفت الحكومة رسمياً بتأكيد أنها تتخذ الاجراءات القانونية إزاء المتورطين، لكنها عمدت الى القيام بإجراءات أمنية تحسباً لموقع الضربة المقبلة. وتلقت "الحياة" معلومات من مصادر مطلعة في الحكم شرحت رؤية الحاكمين للصراع الجديد التي تتلخص في إعتبار أن المؤتمر الشعبي "يفتعل مشكلة بهدف جر الحكومة الى ردود فعل مثل الاعتقالات تطور المواجهة وتشيع أجواء من عدم الاستقرار وتؤثر بالتالي على أوضاع الحريات الحالية بصورة تسقط صدقية الحكومة في شأن الحريات خصوصاً أنها على أبواب إنتخابات رئاسية وبرلمانية". وأضافت المصادر أن التقدير الحكومي يعتبر أن الحزب يريد أيضاً تأكيد أن "القدرات المعروفة للاسلاميين في حشد الشارع السوداني باتت تحت سيطرته، وإبلاغ الحكومة رسالة ملخصها تأكيد قدرته على تحريك الشارع والحشد وإستخدام ذلك في الوقت المناسب". ورأت أن الحكومة بنت موقفها على هذا التحليل "وحصرت الرد على إعتقال من يشاركون فعلياً في التظاهرات ومن يمكن تقديمهم الى محاكمة عادية بأدلة كافية". لكن المصادر لم تستبعد انتقال المواجهة الى العاصمة ما سيعني قلب هذه الحسابات والاتجاه نحو ردود أكثر حسماً. وأوضحت أن الحكومة تنظر الى الامر في هذه المرحلة "كعملية ضغط سياسي، وليس تهيئة للمسرح لتغيير كبير"، كما وقع قبل إنقلاب العام 1989 الذي أوصل الرئيس عمر البشير الى السلطة.