اعتبر رئىس الجمهورية اللبنانية السابق امين الجميل ورئىس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، في بيان مشترك امس، "ان الوضع القائم منذ عشر سنوات لم يبق له ما يبرره ولا يُدافع عنه ابداً، والبديل منه اعادة البناء الوطني ابتداءً من انجاز المصالحة الوطنية التي لم تكتمل حتى الآن، والحياة الديموقراطية الكاملة والسيادة والاستقلال". وشددا على "المضي في المصالحة وصولاً الى التلاقي جميعاً في إطار مؤسساتنا الدستورية التي خلقت اساساً للجمع بين اللبنانيين ولاشراكهم في القرار الوطني المستقل". وكان الجميل زار جنبلاط امس في قصر المختارة، رداً على زيارة الاخير له في بكفيا قبل ايام، في حضور اعضاء كتلة رئىس "التقدمي" النيابية ومرشحيها الى الانتخابات، ووسط حشد كبير من المناصرين والمحازبين. وبعد اجتماع موسع، اعقبته خلوة بين الجميل وجنبلاط استمرت نحو نصف ساعة، صدر عن الجانبين بيان مشترك اذاعه امين السر العام في "التقدمي" المقدم شريف فياض، جاء فيه: "ان التردي في احوال لبنان السياسية والاقتصادية والاجتماعية بات حقيقة واضحة ثابتة، والمطلوب خطاب سياسي وطني ديموقراطي جديد، يفتح باباً على الانفراج، ويشق درباً الى الخلاص، فقد انتهت الحرب التي كانت مدمرة وتداخلت فيها المصالح الاقليمية والدولية بالاسباب المحلية، لكنها جميعاً دمرت البلد، وردته سنوات الى الوراء. وعلينا جميعاً ان نتطلع الى المستقبل ونعمل على النهوض الوطني، كي يسترد لبنان دوره، وينسجم مع ذاته، ويستأنف تجربته الحضارية كبلد للحوار والتفاعل والحريات والديموقراطية والتنوع من ضمن الوحدة الوطنية والسيادة والاستقلال والهوية والانتماء العربيين". واضاف: "لا بد من هذا النهوض، خصوصاً ان المقاومة وتضحيات اللبنانيين حررت لبنان من الاحتلال الاسرائىلي، واجبرت العالم على الاعتراف بحقه، بعدما تحمل اكثر مما يستطيع في الصراع العربي - الاسرائيلي، وبعدما اهمل المجتمع الدولي تطبيق قرارات الاممالمتحدة والحرب التي شهدها لبنان ادت الى تلاشي دور الدولة، ولكن اليوم لا مبرر للاستمرار في هذه الحال. فالدولة يجب ان تقوم على احترام الدستور وفصل السلطات، وان تستأنف العمل بالنظام الديموقراطي البرلماني في اصوله لا في رموزه وطقوسه فقط. والخروج من الازمة الاقتصادية يقضي بذلك، والصحيح ان لا خروج منها الا من هذا الباب. فالثقة بلبنان وأوضاعه السياسية هي العامل الاقتصادي الاساسي، ولا استثمارات خارجية اجنبية او لبنانية في بلد لا توحي اوضاعه السياسية الثقة والاحترام". وتابع البيان: "لا مبرر لوجود لبنان السياسي الا ان يكون بلد ديموقراطية وحريات وفي طليعتها حرية المعتقد، وهذا لا يكون الا في ظل دولة حقيقية، اي سيدة وديموقراطية. وهي اذا تعذرت، وقع لبنان في ما يشبه الحرب الاهلية المستترة او غير المسلحة. والامن في هذه الحال هو امن بوليسي او ناقص. فيجب ان يسترد لبنان سيادته واستقلاله كاملين اولاً، اذ لا دولة بلا سيادة او منقوصة السيادة، وما دام لبنان بلا سيادة واستقلال، فالدولة باقية مغيبة، ومعها الديموقراطية والحريات. ولبنان نفسه باق مغيباً او بلا معنى. والمسألة بالنسبة الى لبنان مسألة وجودية، يكون او لا يكون. واذا كانت ظروف الحرب قضت بالتساهل في هذا الشأن، فالاستمرار فيه، بعد زوال هذه الظروف يعني تعسفاً، او على الاقل بلبلة مثل التي نراها الآن، بلبلة في العلاقات اللبنانية - السورية، وبلبلة في الحكم والحياة السياسية عموماً". واعتبر "ان الوضع القائم منذ عشر سنوات لم يبق له ما يبرره، ولا يُدافع عنه ابداً، والبديل هو في اعادة البناء الوطني ابتداء من انجاز المصالحة الوطنية التي لم تكتمل حتى الآن، وفي الحياة الديموقراطية الكاملة والسيادة والاستقلال. ان المصالحة ضرورة وطنية، بدأت تفرض نفسها بنفسها، وما حدث اليوم امس في المختارة هو مرحلة من مراحلها التي يجب ان تعم لبنان كله، وكل العائلات الروحية اللبنانية". وتناول البيان الانتخابات النيابية، وافاد: "ان المرتجى كان ان تكون بداية لعودة حقيقية وكاملة وديموقراطية الى المؤسسات في قانون الانتخابات، وفي تقسيم الدوائر الانتخابية وفي ادارة العملية الانتخابية كلها، الا اننا نلاحظ ان هناك تشبثاً بآلية حكم لا مبرر لها. توافقنا على مواصلة العمل لتصحيح هذا المسار بقانون انتخابي آخر، وبحكومة وفاق وطني حقيقية من مهماتها الرئيسية التعاون مع الحكومة السورية على وضع إطار واضح وسليم وبنّاء للعلاقات اللبنانية - السورية التي يجب ان تكون في مصلحة البلدين في كل الميادين إضافة الى تمسك لبنان بعلاقات راسخة ومتكافئة مع محيطه العربي". وسجل الجانبان "تقدماً على مستوى عودة المهجرين وعودة الوئام الى ربوع الجبل"، لكنهما لاحظا "ان هذه المسألة لا ترتدي بعد، الاهمية التي تستحقها، فالعودة لا تزال موسمية، وهي اضعف من ان تعيد النسيج الاجتماعي الى عهده السابق، وان لم تقترن بتنمية اقتصادية واجتماعية تحد من هجرة القرية الى المدينة ستظل دون المبتغى، وهو تمكين الجبل من استعادة دوره التاريخي في كينونة لبنان ووحدته واستقراره، فلعل المصالحة الوطنية الشاملة تساعد على احلال هذه المسألة في المستوى الذي تستحقه. والعيش المشترك يجب ان يتأكد على كل الاراضي اللبنانية، وفي كل منطقة ومدينة وقرية، وما افرزته الحروب المتتالية على هذا الصعيد يجب ان يزول". ودعا البيان الى "تجاوز المناخات السائدة والسجالات الحادة، الى اوسع حوار وطني يؤسس لرؤية وطنية شاملة في شأن المتغيرات الداخلية والاقليمية الطارئة، فالمطلوب استراتيجية لبنانية موحدة تضمن امن لبنان في المرحلة الآتية، وتعيّن له دوراً لائقاً وكريماً وسط محيطه العربي والدولي". وفي دردشة مع الصحافيين، امل الجميل "ان يكون اللقاء فاتحة خير والبيان الذي اصدرناه يفتح آفاقاً جديدة لجميع اللبنانيين لأننا لا نبحث عن سياسة المحاور بل نطمح الى وفاق شامل لكل الفئات والمناطق". واضاف: "ان الظروف الصعبة مرت على الجميع، ولا نريد العودة الى فتح جروح الماضي، ونحن اليوم عدنا الى الينابيع، وهذه هي المسلمات والثوابت اللبنانية التي لا يختلف عليها اللبنانيون. وهذا ما جمعنا مع كل القيادات المؤمنة بهذه الثوابت والتي من دونها لا استقرار في لبنان ولا انقاذ للوضع الاقتصادي الاجتماعي". وقال جنبلاط: "ان الشيخ امين تحدث عن الجوهري والاساسي. فالخلاف ليس على وجود لبنان واستقلاله والحريات. والمصالحة الوطنية التي قمنا بها قفزة نوعية مهمة جداً في شأنها. نحن لا نختلف على هذه المسلمات ولا على علاقاتنا العربية، وعندما زرت دارة الجميل الكريمة في بكفيا، قلت ان ظروف الحرب كانت اقوى من الشيخ امين ومن كل الجهات اللبنانية، وكان صراع دول على الارض اللبنانية. اليوم نحن نسعى الى اعادة بناء هذا البلد مع الشيخ امين وكل الفاعليات الحقيقية على الارض". وكان الجميل زار دير القمر قبل توجهه الى المختارة، ولقي فيها استقبالاً حاشداً ورحب به النائب جورج ديب نعمة واعضاء المجلس البلدي، ومر في طريق العودة الى بيروت بالبلدة مجدداً حيث التقى رئىس بلديتها رئىس حزب الوطنيين الاحرار دوري شمعون. اما جنبلاط فتوجه واعضاء جبهة النضال الى دير القمر حيث لقي استقبالاً حاشداً في ساحتها، تقدمه شمعون وديب نعمة. وذكّر جنبلاط "بالمهرجان الكبير للعملاقين كمال جنبلاط وكميل شمعون في دير القمر الذي حوّل آنذاك التاريخ عام 1951". وشدد على "أصالة الجبل في العيش المشترك والمحبة واللقاءات السياسية التاريخية"، مؤكداً "ان هذا اليوم هو استمرار للماضي القديم الذي لا ننساه"، كذلك شدد على "السير معاً وعلى ان الشوف ودير القمر هما المركز الاساس للتغيير".