سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الاستحقاق "بروفة" لتحريك الحياة السياسية وتوتر رسمي من احتمال عودة الحريري الى الحكم . دمشق "أرخت الخيط" فوقعت إدارة الإنتخابات في الفوضى دعوة بكركي الى المشاركة ترافقها لهجة غير تصادمية مع سورية
هل تتحول الانتخابات النيابية في لبنان "بروفة" لما يمكن ان تكون المعادلة اذا شهدت الحياة السياسية اللبنانية تحريكاً جديداً ولو خجولاً لبعض أوجهها؟ فالانطباع السائد هو ان هذه الانتخابات التي تُجرى مرحلتها الأولى في محافظتي الشمال والجبل، بعد ثمانية أيام، لن تختلف عن سابقاتها ولن تأتي بجديد في نوعية التمثيل لأن ما يحصل في عملية تركيب اللوائح تكرار لما حصل في دورة 1996 الانتخابية، وأن البرلمان المقبل سيأتي شبيهاً بالمنقضية مدته. واذ يحاكم البعض ما يسميه "الرتابة" في هذه الانتخابات، انطلاقاً من مدى التأثير السوري المعروف في التحالفات واللوائح، فلاعتقاده، ان حتى "المعارك" الانتخابية الحادة المنتظرة خصوصاً في بيروت وجبل لبنان والشمال، لن تنتج تكتلات معادية لهذا التأثير، داخل المجلس النيابي، لأنها معارك بين أفرقاء، هم جميعاً حلفاء وأصدقاء لسورية. بل ان ما تشهده الساحة الانتخابية من مظاهر وحديث عن تدخل الأجهزة واللوائح - البوسطات والمحادل هو تكرار لما حصل في السابق، وان بعض مظاهره، سيبدو جلياً أكثر يوم الانتخابات، الا ان ما يدعو بعض الأوساط الى التساؤل هل تشهد محطة الانتخابات معطيات سياسية جديدة، تختلف عن سابقاتها، هو مجموعة من المظاهر التي أخذت تتجلى من التحضيرات الجارية للعملية الانتخابية... قد تنعكس على نتائجها وقد لا تنعكس. ومن هذه المظاهر يمكن ذكر الآتي: - ان القيادة السورية على متابعتها مجريات الانتخابات، تحرص على ابلاغ الكثيرين من حلفائها انها لا تتدخل في التفاصيل. وهي باتت تكتفي بالتمنيات، ولا تلح عليها اذا كان لحلفائها وجهة نظر أخرى، كما حصل في الشمال بين الرئيس عمر كرامي والوزير سليمان فرنجية حين افترقا، وكما حصل في جبل لبنان حين رفض رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط التعاون مع زاهر الخطيب والتحالف مع ايلي حبيقة والائتلاف مع طلال ارسلان. وكما حصل في حالات متفرقة كثيرة في مناطق عدة. فحتى البقاع والجنوب يشهدان حركة مرشحين مزعجين للوائح "المحادل". وهذا يعني ان دمشق "ترخي الخيط"، كما يقول أحد القادة السياسيين، من دون ان تتركه، مثلما يقوم حلفاؤها الأقوياء بمراعاة مصالحها الأساسية، في مقابل استقلالهم في اللعبة الانتخابية، حيث تفرض مصالحهم الحيوية ذلك. وتفسيرات الموقف السوري كثيرة بينها أن دمشق ترغب في اختبار توجه الانفتاح الذي جاء به الرئيس السوري الجديد الدكتور بشار الأسد، مع الأفرقاء اللبنانيين. - ان اطلاق يد الحكم اللبناني نسبياً في ادارة العملية الانتخابية، تحالفات وترشيحات وتركيباً للوائح، أطلق في الوقت نفسه جانباً من اللعبة اللبنانية الداخلية، ما دفع بالمراقبين والاعلام الى الحديث عن "فوضى" في هذه الادارة، وعن "فلتان" للمرشحين واللوائح وفي التحالفات. وهي أوصاف تعيد في جانب منها، اللعبة الانتخابية اللبنانية، الى عهد ما قبل الحرب... ومن مظاهر سعي السلطة الى ممارسة اللعبة في شكل مستقل، ومقارعة الافرقاء لها، أن الأجهزة الأمنية، التي كانت تتدخل في كل العصور السياسية في لبنان قبل الحرب وبعدها، في الانتخابات، تبدو متناقضة مربكة، بل متصارعة على الأرض، كما يلاحظ ذلك كثر من المرشحين. بل ان تدخل السلطة، الطبيعي في لبنان على مر العهود، بدا مكشوفاً أكثر من أي مرة، وساعد على ذلك خوض نجل رئيس الجمهورية المعركة مع نسيبه نائب رئيس الحكومة وزير الداخلية ميشال المر، ومحاصرة الأخير لنسيب لحود... فضلاً عن تداول اسماء مرشحي العهد في مناطق عدة. لكن سعي الحكم الى كتلة نيابية في المجلس، كما قال المر، ينسجم مع القوة التي جاء بها عهد الرئيس لحود، والتي يعتقد الوسط السياسي انها اعادت الى رئاسة الجمهورية وزناً كانت افتقدته قبله. أما "الفوضى" التي أحدثتها اللعبة فهي تحتاج الى ضبط في اطار حكومة سياسية، لاحقاً، أو بتوسط سوري مع الحلفاء. - ان البطريركية المارونية اطلقت للمرة الأولى نداء شبه رسمي الى اللبنانيين والمسيحيين خصوصاً للمشاركة في الانتخابات على لسان النائب البطريركي المطران رولان ابو جودة، في ما يعبر عن اقتناع المرجعية المارونية في أن أصوات المسيحيين والموارنة مؤثرة هذه المرة في دوائر عدة لا في جبل لبنان وحده بل وفي معظم المناطق. وهي فعلت ذلك عبر أبو جودة، والمركز الكاثوليكي للاعلام تجنباً لادخال البطريركية في السجال بين المشاركين والمقاطعين. واذ يشكل هذا النداء فرصة لاختبار اقبال الجمهور المسيحي على التقاط مناسبة الانتخابات للتعبير عن موقف في مقابل اقتصار الدعوة الى المقاطعة على العماد ميشال عون وحزب "الوطنيين الأحرار" وبعض "القوات اللبنانية"، فإن الموقف المسيحي العام يتجه الى طرح مسألة النفوذ السوري في لبنان بلهجة أقل حدة، فلا يكثر رموزه من استخدام عبارة "الانسحاب" السوري، بل يطرحون "تنظيم" العلاقة في اطار الحديث عن الوجود السوري، وتحقيق السيادة، بما يوحي أن اللهجة تفاوضية لا تصادمية. وسواء كان للدعوة الى المشاركة، وللهجة المختلفة في الحديث عن سورية، علاقة بمظاهر الانفتاح أم لا فان الكثيرين لا يعزلون عودة الرئيس أمين الجميل الى لبنان، ومبادرات جنبلاط حيال المسيحيين، والتي يقول انها تتجاوز الانتخابات، عن كل هذه الأجواء الجديدة التي تتخذ عنوان المصالحة الوطنية. فهي اجواء تدفع نحو العودة عن الانكفاء المسيحي. وسبقتها محاولات حوار بين حلفاء قريبين من دمشق مع رموز مسيحيين مكلفين من مرجعية بكركي، توقفت، ربما في انتظار انتهاء الانتخابات، كاختبار. حتى ان القيادة السورية، غير الراضية عن بعض ما يغمز به جنبلاط في مواقفه حيالها، بقيت تعتبره، وهي تعتب عليه، حليفاً استراتيجياً لها... على رغم توجهه الجديد حيال المسيحيين. فهل موقفها هذا استيعابي لمرحلة الانتخابات فقط أم تفتح الباب على احتمالات أخرى؟ - ان القوة الراجحة لرئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في بيروت، والتي بات من المسلم به انها ستكون رافعة لدوره المقبل باتت تطرح في بعض الأوساط اسئلة كثيرة منها: ماذا لو استطاعت لوائح الحريري الثلاث في دوائر بيروت، تحقيق فوز كاسح، يمس بالرموز التي يفترض ان تكون من الثوابت؟ ففضلاً عن ان سياسة الحكم والحكومة اسهمت في عودة نجم الحريري، فإن الخطط التي وضعتها التركيبة الحاكمة، ولم تعارضها دمشق، بتقسيم الدوائر الانتخابية، جعلت رئيس المجلس النيابي نبيه بري يندم على هذا التقسيم ويعتبره سبباً ل"للعصفورية" المقصود به مستشفى المجانين. الا أن العارفين بعناصر "الطبخة" الانتخابية يعتقدون ان المخاوف من اكتساح الحريري غير واقعية. واذا كان منافسون له هم من الثوابت مثل الرئيس الحص والنائب تمام سلام ومرشح "حزب الله" سيفوزون بالنيابة، فإن اللعبة الانتخابية تبقى مفتوحة على احتمال فوز منافسين آخرين. وفوز الحريري بالاكثرية لا يلغي ان بعض أعضاء لائحته محسوبين على غيره... أيضاً. لكن ما كان يأمل به مهندسو تقسيم الدوائر هو تشتيت قوة الحريري، فإذا بها تتكتل أكثر، وتتسع فيدخل على خط انتخابات الشمال وبعض الجبل وربما البقاع... ويبدو ان اليقين الرسمي بقوة الحريري سبّب توتراً ذعراً لدى أهل الحكم، ومنافسيه، عكسته الحملات العنيفة. وأياً تكن نتائج الاقتراع في بيروت وغيرها فإن ما يحصل يؤجج الصراع على رئاسة الحكومة ويستبق المساومات عليها محلياً واقليمياً. فالرئيس لحود كما ينقل عنه المقربون باق على موقفه الرافض لعودة الحريري ويفضل عودة الحص. في اختصار، ستشهد الانتخابات خلطاً كبيراً للأوراق على رغم ان المجلس المقبل لن يخضع لتغيير أساسي في تركيبته. فالمعطيات السياسية التي ترافقها قد تسبب، بعد انتهائها أزمة سياسية عميقة الأبعاد لها امتداداتها الخارجية حكماً.