يرتبط ذكر مدينة شارلوت في ولاية نورث كارولينا الاميركية شعارها مرصع بالذهب برمزين رئيسيين، الملكة والذهب. فالملكة، التي حملت المدينة اسمها في محاولة لاضفاء شرف ولكسب عطف الملك في الوقت ذاته، تزوجت ملك بريطانيا جورج الثالث سنة 1872 وهي في السابعة عشرة من عمرها. وعلى رغم ان الملكة لم تزر هذه المدينة ابداً فانها لا تزال حتى يومنا هذا تسمى باسمها. مدينة شارلوت نهضت حول مناجم الذهب والاحجار الكريمة سنة 1799 وكانت ملكية هذه المناجم خاصة غير تابعة للدولة. ويعلق احد اساتذة التاريخ في جامعة شارلوت على هذا بقوله: لسنا قلقين على ذهب الماضي ما دامت لدينا كنوز اغلى من كل ذهب العالم. في اشارة الى الثقافة والتعليم في هذه المدينة. "الحياة" التقت السيد جيمس وود وارد الذي يشغل منصب رئاسة الجامعة منذ سنة 1989 ويحمل شهادات عليا في ادارة الاعمال والهندسة فكان الحديث التالي. جامعة شارلوت إحدى افضل الجامعات في مجال الهندسة خصوصاً هندسة العمارة والكهرباء، هل لديكم برامج اكاديمية اخرى تحمل سمعة تفتخرون بها؟ نملك برامج علمية جيدة جداً، ولكن للاسف معروفة من قبل الرأي العام. لدينا مثلاً برامج المحاسبة في كلية ادارة الاعمال ولكن هذا البرنامج غير معروف على نطاق واسع خارج الجامعة. كذلك لدينا كلية التاريخ التي تعتبر ناجحة جداً اكاديمياً لكن اكثر ما تشتهر به جامعة شارلوت سواء كان عالمياً ام محلياً هو برامج الهندسة التي اشرت اليها وربما يعود الامر الى طلاب الدراسات العليا الذين تخرجوا من كلية الهندسة فاثبتوا كفاءاتهم بشكل فعلي على صعيد الحياة العملية. وقال رئيس الجامعة عند سؤاله عن سبب زيادة الرسوم الجامعية سنوياً عن الحالات التي يعفى فيها الطلاب الاجانب من دفع الرسوم: "انني اعلم ان الرسوم الجامعية تعتبر الحمل الاثقل على كاهل الطلبة الاميركيين والاجانب على حد سواء الا انها تبقى اقل بكثير من رسوم الجامعات الاخرى على رغم الزيادة السنوية فيها". وهناك بعض الحالات التي يعفى فيها الطلاب الاجانب من دفع الرسوم الجامعية او يدفعون مبلغاً زهيداً عبر المنح الدراسية او العمل كاستاذ مساعد او كباحث علمي. هؤلاء الطلاب يجب ان يحققوا بعض المتطلبات الاساسية. كذلك نشدد على تدريب الطلاب خصوصاً طلاب الدراسات العليا وعلى الحاقهم بالشركات من اجل اكتساب خبرة اثناء الصيف إضافة الى التعرف على الانظمة الخاصة خارج نطاق الدراسة الامر الذي يساعدهم في جني المال بغية تسديد بعض رسوم الفصل الدراسي المقبل. ولدى سؤاله حول انطباعاته عن الطلاب العرب اجاب السيد وود وارد: اعرف الطلاب العرب في شكل جيد بحكم كوني طالباً من قبل وليس فقط بحكم كوني رئيساً لجامعة شارلوت اليوم، الطلاب العرب لديهم قدرات خارقة وذكاء منقطع النظير، هم محط اعجابنا وتقديرنا، ننظر في عيونهم فنجد هذا الطموح اللامتناهي. كنت اعمل في شركة هندسية خاصة قبل 15 سنة قبل ان اصبح رئيساً للجامعة وكنت اشغل منصباً جيداً في الادارة. عينت في الشركة مهندساً سورياً. انتقلت بعدها الى الجامعة. رشحوه ليأخذ مكاني في الشركة. كان جديراً به، وحتى الآن ما زلنا على اتصال وتربطنا علاقة مودة وصداقة. كذلك اذكر طالبين تابعا معي برنامج الدكتوراه في الهندسة، احدهما الآن مدير شركة في الاردن والآخر استاذاً في جامعة فلسطين. وأجاب عن سؤال حول نيته زيارة بعض الدول العربية بقوله: بحكم كوني رئيساً للجامعة فأنا اسافر باستمرار وأزور جامعات مختلفة في بلدان عدة. وعلى رغم انني الآن لا اسافر كما كنت افعل من قبل ولكن لدي اهماماً خاصاً بالشرق الاوسط ذلك انني اهوى التاريخ وعندي اهتمام بمتابعة الاديان في علاقتها بالفكر الانساني، والشرق الاوسط لديه زخماً تاريخياً عظيماً باعتباره مهد الديانات السماوية الثلاث لذلك اتمنى ان ازوره قريباً. وقال عن هدف الجامعة في السنوات المقبلة، ان الاهتمام حالياً على هدفين: الاول زيادة حجم الجامعة والثاني تحسين السمعة العلمية كي تحمل اسماً وفكراً يعطر ارجاء المعمورة وتوقع في السنة المقبلة زيادة عدد الطلاب حوالى 50 الف طالبٍ. ثم التقينا مديرة مكتب الطلاب الاجانب في الجامعة السيدة مريان التي تحدثت باسهاب عن الواقع الفعلي والدور الاساسي للمكتب في الجامعة وكان الحوار الآتي: ما هو الدور الذي يلعبه مكتب الطلاب الاجانب بغية مساعدة الطلاب في جامعة شارلوت؟ اننا ننظر الى مكتب الطلاب الاجانب هنا كمكان يشعر فيه الطلاب الاجانب بانهم في اوطانهم، فمنذ اللحظة الاولى نقوم بالترتيبات الضرورية مثل استقبال الطلاب في المطار واقامة حلقات الحوار لتعريفهم على الجامعة والنظام الدراسي فيها بهدف كشف الحاجز بينهم وبيننا من جهة وبينهم وبين الثقافة الجديدة في الولاياتوالمتحدة من جهة ثانية. إضافة الى الاجابة على اية تساؤلات او استفسارات حول اي نقطة. ما هي المساعدة التي يزودها مكتب الطلاب الاجانب للطلاب خلال فترة دراستهم في الجامعة؟ مساعدة الطلاب في تحضير اوراقهم الدراسية لتكون نظامية تماماً لدى ارسالها الى ادارة الهجرة والتجنيس في الولاياتالمتحدة التي تقوم بدراستها. كما نحاول ان نزود الطلاب بالمعلومات التي يرغبون بها وبمقابلات مع بعض الاشخاص الذين يساعدونهم في المكتبة والمركز الصحي. اننا نسعى لتقوية علاقات الصداقة بين الطلاب الاجانب والاميركيين من اجل التعرف الى ثقافات مختلفة تقوم على اساس الاحترام المتبادل. وفي جامعة شارلوت 600 طالب اجنبي الى 140 طالباً يدرسون في مركز اللغة الانكليزية والبعض يحمل الاقامة الدائمة او الغرين كارد. هل تخبرينا عن المهرجان الخاص بالطلاب الاجانب الذي يقام في ايلول سبتمبر من كل عام وكيف تتم الاستعدادات الخاصة له؟ منذ 25 سنة حاولنا في مركز الطلاب الاجانب ان نصنع شيئاً مميزاً يعبر عن النشاط الثقافي والفكري والموسيقي للجامعة وعن ثقافة الطلاب الاجانب ومن هنا كانت ولادة هذا المهرجان لكن المشكلة الاساسية التي واجهتنا في ذلك الجين هي عدد الطلاب الاجانب حيث لم يكن عددهم كبيراً. لذلك كنا ندعو الطلاب والاشخاص من مدارس اخرى لياتوا ويشاركوا لكن الصورة الآن تغيرت فالطلاب الاجانب اليوم في جامعة شارلوت كثر ولديهم عدداً من النوادي الخاصة بهم. ويتخلل المهرجان معارض فنية وعروض ازياء ولوحات راقصة وموسيقى وبعض المأكولات الخاصة بكل بلد. وليس من السهل تخيل الجهد الكبير الذي يبذله الطلاب الاجانب ليعبروا عن هوية وطنهم في يوم واحد. هل يوجد فرص عمل للطلاب الاجانب داخل الجامعة وهل يحتاجون الى اذنٍ بالعمل فيها؟ فرص العمل في الجامعة متوافرة للطلاب الاجانب كما هي متوافرة للطلاب الاميركيين تماماً، يمكن للطلاب الاجانب ان يعملوا في كليتهم كمساعد مدرس او في المكتبة او مركز البريد او الكافتيريا او اي مكان في الجامعة. وتوجد منافسة على العمل بين الطلاب الاجانب والاميركيين لكن الاعمال كثيرة وعلى المرء ان يسعى ويجتهد للحصول على فرصته. ولا يحتاج الطلاب الاجانب الى اذنٍ للعمل داخل الجامعة لكن عليهم اظهار تأشيرة الفيزا الاساسية كطالب في الجامعة وتعبئة بعض الاوراق التي تطلب من جميع الطلاب على حد سواء. هل يسمح للطلاب بالعمل خارج الجامعة اذا لم تتوافر فرص عمل داخل الجامعة؟ خلال الاشهر التسعة الاولى لا يسمح للطالب في الولاياتالمتحدة الاميركية ان يعمل خارج الجامعة وهناك تعليمات من مركز الهجرة والتجنيس ان يؤمن الطلاب الاجانب معيشتهم لفترة سنة دراسية كاملة، واذا لم يستطع الطالب ذلك ولم يكن يملك المال الكافي يُنصح بالعودة الى بلده. بعد الاشهر التسعة الاولى يجب على الطالب ان يملأ استمارات في مركز الطلاب الاجانب ثم يُدرس طلبه. كيف تنظرين الى الطلاب العرب بحكم كونك مديرة مكتب العلاقات مع هؤلاء الطلاب؟ الطلاب العرب لديهم قدرات هائلة وطاقات لا حدود لها، واشعر ان الطلاب السوريين واللبنانيين لديهم طاقة مختلفة عن كل الطلاب الاسيويين وهذه ليست طاقة سيئة انها تذهب احياناً في اتجاه آخر فنحاول ان ننصحهم ونوجههم قدر الامكان. ما هي البرامج من اجل تخفيف معاناة الطلاب الاجانب من جهة ومن اجل تسهيل مهمة اندماجهم في المجتمع الجديد من جهة اخرى؟ لدينا برنامجين: الاول يدعى العائلة المضيفة، والثاني يدعى برنامج حوار مع مواطن اميركي. الاول يوزع فيه الطلاب خلال فصل الخريف على عائلات اميركية تبعاً لرغبة هذه العائلات. واجمل ما في ذلك هو شعور الشخص بان له عائلة هنا يقضي معها الاعياد والمناسبات. وفي الكثير من الاحيان تستمر هذه العلاقات طويلاً ويدعو الطلاب "عائلاتهم" الى حفلات التخرج او الزفاف. اما البرنامج الثاني فيتم فيه لقاء بين الطلاب الاجانب والاميركيين مرة او مرتين اسبوعياً، ويدور الحوار حول نقاط كثيرة وربما نتجت صداقات وعلاقات اجتماعية كثيرة من جراء مثل هذه اللقاءات. وفي لقاء مع بعض الطلاب العرب الذين يدرسون في جامعة شارلوت والذين عبروا عن رأيهم بكل صراحة قال مصطفى عباس الوباري وهو طالب سعودي من منطقة الشرقية مواليد سنة 1979: "منذ وصولي الى الولاياتالمتحدة الاميركية سنة 1998 لم اشعر ابداً بالغربة عن وطني حيث سكنت مع مجموعة من الطلاب العرب من السعودية تحديداً حيث كنا ندرس ونقضي معظم الاوقات معاً ونتشارك في تحمل المسؤولية". والتقينا مع الطالبة هبة من جمهورية مصر العربية مواليد 1975 التي تدرس ماجستير برمجة الكمبيوتر فقالت: بالنسبة لي كان اكثر شيء عانيته هو ان يعيش المرء في الولاياتالمتحدة من دون وسيلة نقل. والنقطة الاخرى هي ان تحاول التأقلم مع مجتمع غريب عنك بعاداته وتقاليده. اما بالنسبة الى موضوع الدراسة فلم اجد اي اختلاف فأنا درست في القاهرة في الجامعة الاميركية التي تتبع اسلوب الدراسة ذاته، ومع كل هذه الصعوبات الا انني احب مدينة شارلوت لانها تذكرني بطقس مصر". وقال جهاد عباس وهو طالب لبناني في السنة الاخيرة في الهندسة الالكترونية ماجستير: "اتيت الى مدينة شارلوت في خريف 1998 وكانت البداية صعبة بالنسبة لي كما هي صعبة في كل عمل نبدأ به، ولكن الاصعب عندي كان العيش من دون وسيلة نقل إضافة الى قضاء الاعياد والمناسبات من دون رؤية الاهل والاصدقاء. وقال عند سؤاله عن احتمال البقاء في الولاياتالمتحدة بعد التخرج، "ان لبنان يعني لي الكثير وهو بحاجة الينا جميعاً. وكان الختام مسكاً مع الطالبة المصرية فيروز مجدي في كلية الهندسة اذ قالت: "انا في مدينة شارلوت منذ 11 سنة. اعيش مع اهلي هنا وما زلت اتذكر عندما غادرت مصر في الثامنة من عمري ومع هذا فانني اعشق مصر وهواء مصر وناس مصر... واحلم بالعودة اليها قريباً مع مشروع كبير لخير بلدي وتيقى الغربة احلاماً كبيرة لناس اختاروها جسراً الى الوطن، ويأتي على بالي بيت من الشعر لابي الطيب المتنبي: يحن شوقاً فلولا رائحة تزوره من رياح الشرق ما عقلا.