فوق مرتفع صغير بين نهر بوتاماك وضاحية جورجتاون الجميلة تقع جامعة جورجتاون التي اكتسبت شهرة محلية وعالمية باعتبارها واحدة من ارقى الجامعات الاميركية. وهي وفق المقاييس الاميركية احدى مؤسسات التعليم العالي العريقة. وتأسست في 1789 السنة نفسها التي شهدت توقيع الدستور الاميركي بجهود جون كارول ومجموعة صغيرة من رفاقه اليسوعيين، ما يجعلها اقدم جامعة كاثوليكية في الولاياتالمتحدة. وتمكّنت الجامعة بفضل موقعها، الذي يمثل ابرز مزاياها، من استثمار الموارد البشرية الفريدة التي تجتذبها واشنطن حيث مقر حكومة الولاياتالمتحدة. هذا الوضع المميز افاد بشكل خاص كلية السلك الديبلوماسي الشهيرة في الجامعة، التي تختص بمجالات النظرية السياسية والعلاقات الدولية والديبلوماسية والدراسات الاقليمية. وتعتبر هذه الكلية، التي تأسست في 1919، اكبر مؤسسة تعليمية في العالم مكرّسة لتدريس الشؤون الدولية. وكانت مادلين اولبرايت، وزيرة الخارجية المعروفة بصراحتها وذات المكانة المرموقة، اخذت اجازة من التدريس فيها كي تتولى منصبها الحالي في ادارة الرئيس بيل كلينتون. والعميد الحالي للكلية هو السفير روبرت غالوشي، المساعد السابق لوزير الخارجية لشؤون شرق اسيا والمحيط الهادىء. وأشهر خريجي الكلية، من دورة العام 1968، هو ويليام جيفرسون كلينتون الرئىس الحالي للولايات المتحدة. يبلغ عدد الطلبة في الجامعة 13 الف طالب موزعين على ثماني كليات. وهناك حوالي 6 الاف طالب في المرحلة الجامعية، و 3500 في مرحلة الدراسات العليا، و 2100 من طلبة القانون و 750 من طلبة الطب و 500 اخرين يسعون الى نيل شهادات عليا في مجال الاعمال. وكلية جورجتاون هي الكلية الرئيسية. وهناك ايضاً كلية السلك الديبلوماسي وكلية الطب وكلية الاعمال وكلية التمريض وكلية الدراسات العليا ومركز القانون وكلية التعليم الصيفي والمستمر. ولا توجد كلية للهندسة. تملك الجامعة سمعة ممتازة. وهي تحتل دائماً مكانة مرموقة في المراجعات السنوية لاداء المؤسسات التعليمية التي تصدرها مطبوعات متنوعة. فقد تقاسمت، على سبيل المثال، المرتبة العشرين مع جامعة فاندربيلت ضمن لائحة بأرقى 50 جامعة في الولاياتالمتحدة نشرتها صحيفة "يو إس نيوز آند وورلد ريبورت" في عددها الصادر في 31 آب اغسطس الذي احتوى مقالات كثيرة ونتائج مسوحات حول الجامعات. قد تبدو هذه مرتبة متدنية بالنسبة الى بعض القراء، لكن يجب ان ندرك ان هناك الاف الجامعات في الولاياتالمتحدة. وتقاسمت جامعات هارفرد وبرينستون ويال المركز الاول في المسح، وجاء بعدها ضمن العشرة الاوائل معهد ماستشوستس للتكنولوجيا وستانفورد وكورنيل وديوك وبنسلفانيا ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا وجامعة براون. واستخدم المسح مؤشرات مختلفة لتحديد التراتب النهائي، من ضمنها ما يلي: السمعة الاكاديمية، ونسبة المتخرجين والمتبقين، ومعدل الطلبة الجدد المتبقين، وموارد اقسام الجامعة، وحجم الصف، ونسبة الطلبة الى القسم الجامعي، ونسبة الدوام الكامل في القسم، ومدى الانتقائية في قبول طالبي الالتحاق بالجامعة، ومعدل نتائج امتحانات القبول في الجامعة بالنسبة الى الطلبة المقبولين، واجمالي الموارد المالية المتوافرة للكلية، وعدد الخريجين الذين يقدمون تبرعات مالية. وتمتاز جورجتاون بمكانة مرموقة وفق كل هذه المعايير. وسجّلت 91 نقطة من اصل 100. فعدد الطلبة في أكثر من نصف الصفوف لا يزيد على 20 طالباً، وهناك 11 طالباً لكل مدرس. ويراوح متوسط الدرجة التي يحصل عليها الطالب في امتحان القبول بين 1230 و 1440 درجة من اصل 1600. وحسب مكتب القبول في الجامعة فان 42 في المئة من الطلبة المقبولين في السنة الحالية احرزوا المرتبة الاولى او الثانية او الثالثة في الامتحانات النهائية لمدارسهم الثانوية. وكان 13 في المئة منهم رئيساً للصف او رئيساً لاتحاد الطلبة في المدرية الثانوية. كما تضم الجامعة مزيجاً من الطلبة من الولاياتالمتحدة وخارجها. ويؤلف الطلبة الاجانب نسبة 8 في المئة يأتون من حوالي 100 بلد. لكن عدد الطلبة العرب ضئيل على رغم ان جورجتاون توصف بأنها جامعة "موقفها ودي من العرب". ومن اصل 1465 طالباً اجنبياً - اولئك الذين يحملون جواز سفر اجنبي لكن لا يتمتعون بوضع اقامة دائمة في الولاياتالمتحدة - سجّلوا عام 1997، لا يزيد عدد الطلبة من بلدان عربية على 76 طالباً. اكبر مجموعة تأتي من المملكة العربية السعودية وعددهم 17 طالباً، يليهم 8 كويتيين و 8 اردنيين و8 مغاربة و 6 مصريين و 4 لبنانيين، والبقية من بلدان اخرى في المنطقة. والمنافسة على دخول جامعة جورجتاون شديدة. فمن مجموع 13410 طلاب قدموا طلبات قبول للموسم الدراسي الذي بدأ قبل بضعة اسابيع، لم يُقبل سوى 3027 طالباً. ولهذا السبب، بالاضافة الى المستوى الاكاديمي الرفيع والسمعة الراقية، تتقاضى الجامعة اجوراً دراسية مرتفعة حتى وفق مقاييس الجامعات الاميركية الخاصة. فقد بلغت أجور المرحلة الجامعية 22 الفاً و248 دولاراً في 1998. وسيدفع طالب الدراسات العليا 23 الفاً و880 دولاراً. ويتعيّن على طلبة دراسات القانون ان يدفعوا 24 الفاً و530 دولاراً في السنة. اما طلبة الطب فعليهم ان يدفعوا 28 الفاً و650 دولاراً في السنة. لكن المسؤولين في جامعة جورجتاون يؤكدون بانها تطبق عملية قبول لا تأخذ في الاعتبار القدرة المالية للراغبين في الالتحاق بها. وتبعاً لذلك يوجد قسم كبير للمساعدة المالية يحظى بتمويل جيد، ويمكن لكثير من الطلبة الذين يعجزون عن دفع الاجور الدراسية ان يحصلوا على قروض ومنح وزمالات دراسية وفرص عمل اثناء الدراسة. ويجري التركيز على التفوق الاكاديمي والمؤهلات القيادية. وتُطبّق المعايير العالية ذاتها على الطلبة الاجانب الذين يرغبون في الالتحاق بالجامعة. وتولي جورجتاون، باعتبارها مؤسسة تعليمية كاثوليكية، اهتماماً خاصاً بالعلوم الانسانية، فيتضمن المنهاج الدراسي لكل طلبة المرحلة الجامعية مواضيع اللاهوت والفلسفة والاداب واللغات والتاريخ. كما يُرتّب ذلك نشر رموز الديانة المسيحية في ارجاء الحرم الجامعي، بما فيها تعليق صليب في كل صف. شهادات تقديرية عبّرت كاتيا صادق 19 سنة، التي انتقلت من جامعة جيمس ماديسون في هاريسونبرغ في ولاية فيرجينيا وتتهيأ لدراسة الطب، عن اعجابها بشكل عام بما لمسته في جورجتاون. وقالت ل "الحياة": "اصرف وقتاً كثيراً في المطالعة، والمدرسون هنا يتفاعلون معنا. يريدون منا ان نفكّر". واضافت ان "الطلبة الذين التقيتهم حتى الان يتحلون بنزعة مهنية قوية. فهم يعرفون ما سيكون عليه مستقبلهم في غضون عشر سنوات. هناك البعض ممن ينتقون المناهج حسبما يروق لهم ولا يعرفون حقاً ماذا سيفعلون. لكن هناك الكثير من المهنيين وهم في منتهى الجدية". وتواجه كاتيا عبئاً دراسياً كبيراً في اول فصل دراسي لها في الجامعة. ويرجع السبب جزئياً الى انها تتلقى دروساً مكثفة في اللغة العربية، وهي لغة والديها، في مركز الدراسات العربية المعاصرة. ورداً على سؤال حول سبب مجيئها الى جورجتاون، اوضحت كاتيا ان ما جذبها هو كلية الطب المعروفة بسمعتها الجيدة، خصوصا برنامج التدريب والعمل الطوعي في مستشفى جامعة جورجتاون. وقالت: "اتطوع للعمل في المستشفى حالياً كي أتعرف خلف الكواليس على ما يعنيه الطب فعلاً. انها كلية طب عظيمة. المستشفى هو احد ابرز الاسباب وراء انتقالي الى هذا المكان. انها مستشفى تابعة للجامعة. وتتعاون كلية الطب والمستشفى معاً لتزويد طلبة الطب، والطلبة الذي يتهيأون مثلي لدراسة الطب، خبرة مباشرة للتأكد بان الطب يناسبهم. هكذا، سأقوم خلال عملي الطوعي بتقديم الدعم هنا وهناك في المستشفى في البداية، وبعدها سأتقدم لاداء مهام المرافقة. ويعني هذا اني سأتمكن من مراقبة ما يفعلونه في اي قسم من المستشفى. ويمكن حتى ان اراقب عمليات جراحية". وبين مزايا جورجتاون الاخرى بالنسبة الى كاتيا التنوع النسبي للطلبة، اقلها بالمقارنة مع جامعة جيمس ماديسون المنعزلة في مرتفعات فيرجينيا الريفية. "هناك الكثير من الطلبة الاجانب. وتتاح للمرء فرصة اللقاء باشخاص من كل مكان. اذا أتيت من خارج البلاد، ستشعر كأنك في بيتك. بالاضافة الى ذلك، يتصف الجميع بالود والكياسة". لم تشكُ كاتيا الاّ من قضيتين حتى الان. عندما وصلت الى الجامعة اكتشفت ان الغرف في النزل المخصص لسكن الطلبة محجوزة. كما انها لم تكن راضية عن الغرفة التي اُعطيت لها، وواجهت صعوبة في الحصول على غرفة بديلة. ويتعيّن على طلبة السنتين الاولى والثانية ان يقيموا في حرم الجامعة. ويبلغ عدد الغرف المتوافرة حوالي 4500 غرفة. ثانياً، فوجئت كاتيا عندما وجدت ان عليها ان تنتظر في طابور وتهدر الكثير من الوقت بغية اكمال اجراءات التسجيل، بدلاً من القيام بذلك عبر جهاز كومبيوتر وخلال وقت الفراغ كما الحال في جامعات اخرى كثيرة، من ضمنها جيمس ماديسون. ويختلف تقويم كاتيا لجامعة جورجتاون تماماً عن رأي طالبة اخرى في مرحلة الدراسة العليا، فقد ابدت الاخيرة خيبتها ازاء بعض جوانب الحياة الاكاديمية والطلابية. وعبّرت هذه الطالبة، وهي في السنة الاخيرة من دراستها لنيل الدكتوراه في الاقتصاد، عن اعتقادها بان جورجتاون لا ترقى الى مستوى هارفرد حيث اكملت دراستها الجامعية. وامتنعت طالبة الدكتوراه عن كشف هويتها خشية ان يؤثر ذلك على علاقتها مع الاساتذة والمرشدين. وشكت الطالبة من ان "الشىء الذي صعقني اكثر من اي شىء اخر هو مدى تجانس الجامعة. فقد بدا انها مقصورة فعلاً على البيض، وعلى الاثرياء نوعاً ما. لذا فانه امر يؤخذ في الحسبان تبعاً لطبيعة الشخص ونوع البيئة التي تريد ان يتلقى فيها طفلك تعليمه. كما ان الطلبة هنا لا يدرسون بمستوى ما لاحظته اثناء دراستي في هارفرد. لكن ربما كان طلبة هارفرد يفرطون في الدراسة. عندما تتمشى حول حرم الجامعة تحس كما لو كنت محاطاً بعارضات ازياء. فالناس هنا يرتدون ازياء اخر موضة. ولا يشبه الحال ما تجده في جامعات اخرى حيث يرتدي الطلبة الملابس دون اكتراث ولا ينفقون عليها مبالغ طائلة. انها لا تعطي الانطباع بالجدية الفكرية مثل هارفرد". دراسات عربية في 1975، وبدعم سخي من الشيخ زايد بن سلطان والسلطان قابوس ومصر، بالاضافة الى تبرعات من شركات اميركية تنشط تجارياً في منطقة الخليج، قررت كلية السلك الديبلوماسي توسيع قسم الدراسات العربية الكبير اصلاً وتحويله الى مركز منفصل مكرّس بشكل كامل لمهمة الدراسة والتدريس حول العالم العربي المعاصر. واعتبر الدكتور مايكل هدسون، وهو احد الاساتذة المؤسسين لمركز الدراسات العربية المعاصرة وكان رئيساً للمركز في الفترة من 1976 الى 1989، ان هذا القرار الذي اتخذه بيتر كرو رئىس الكلية اتسم ببعد نظر ثاقب. وقال ل "الحياة" ان هذه الخطوة "انطلقت من ادراك للمصالح الاميركية التقليدية في المنطقة ومن احساس بان هناك فهماً ضئيلاً للعرب في هذا البلد. كانت هناك حاجة كبيرة لهذا المركز". تركز الاهتمام منذ البداية على الحاجة الى دراسة العالم العربي المعاصر، بطريقة متميزة عن الاهتمام "الاستشراقي" التقليدي الذي تبديه مؤسسات اخرى في الولاياتالمتحدة وخارجها. وقال الدكتور هدسون ان الاهتمام "لم ينصب على نصوص فترة القرون الوسطى او سجلات القرن الثامن عشر، بل تركز على ما يجري الان من دون ان تهمل في الوقت نفسه الدراسات الكلاسيكية". وطوّر المركز برنامجاً اكاديمياً واسعاً ومتنوعاً صُمّم بشكل اساسي لتثقيف الاميركيين عن العالم العربي كما هو قائم، خصوصاً "لازالة اي انطباعات خاطئة". وبالاضافة الى شهادة الماجستير في الدراسات العربية، يمنح المركز شهادة في الدراسات العربية لطلبة المرحلة الجامعية والدراسات العليا، ويمكن ان تُقرن بدرجة جامعية كاملة من اقسام اخرى. ويتعيّن على الراغبين في الحصول على شهادة ماجستير ان يكملوا برنامجاً دراسياً متقدماً في اللغة العربية او ان يظهروا براعتهم في اللغة العربية المكتوبة. وعبّر الدكتور هدسون عن اعتقاده بان الطلبة العرب المتفوقين - وآباءهم وأمهاتهم - الذين يفكرون بالمجىء الى الولاياتالمتحدة لتلقي التعليم العالي سيتخذون قراراً صائباً باختيار جامعة جورجتاون. وقال: "اذا كنت تريد لولدك ان يتلقى تعليماً ممتازاً بشكل خاص على صعيد تاريخ الغرب وفلسفته، ولكن ايضاً في جامعة تبدي اهتماماً فعلياً بالعالم العربي، فان هذا مكان جيد". وأضاف "اذا كنت تريد الحصول على مستوى جيد من التعليم في اميركا من دون ان تحس بالغربة، فان جامعة جورجتاون ومركز الدراسات العربية سيوفران ذلك". وبالاضافة الى احراز درجات عالية في امتحان القبول، يتعيّن على الطلبة الاجانب ال 1200 الراغبين في الالتحاق بالجامعة ان يحصلوا على ما لا يقل عن 600 درجة في اختبار "توفل" في اللغة الانكليزية كلغة اجنبية.