صيف 1997 تأسس في الجامعة الأميركية اللبنانية فرع جبيل ما سمي "سينارك" Summer Institute for Arabic language and culture- المقعد الصيفي للغة والثقافة العربيتين، مخصصاً للطلاب الأجانب الذين - على غرار ما في بعض الجامعات الاميركية في الولاياتالمتحدة - يرغبون في تعلم اللغة العربية والتعرف الى الحضارة والثقافة العربيتين. ولبنان كان سبّاقاً الى تدريس العربية للأجانب معهد شملان، الجامعة الاميركية في بيروت، السفارة الأميركية في بيروت، .... لكن هذا النشاط توقف منذ 1975 بسبب الحرب. حاولت دول عربية سدّ هذا الفراغ، فتأسست برامج عدة، ابرزها برنامج مشترك بين جامعة فرجينيا وجامعة اليرموك في إربد، وتوسّع برنامج "كاسا" مركز الدراسات العربية في الخارج في الجامعة الأميركية - القاهرة. وقامت برامج اخرى اصغر حجماً، في اليمن صنعاء، مجلس العلاقات العربية الاميركية، كما أعيد إحياء برنامج تدريس العربية في معهد الحبيب بورقيبه في تونس، الى برامج اخرى في المغرب فاس، مكناس، ... تنسيقاً مع جامعات اميركية. وجميع هذه البرامج صيفية، عدا "كاسا" فهو شتوي وصيفي معاً. الجامعة اللبنانية الاميركية أعلنت عن برنامجها في العام الماضي. وعلى رغم الحظر الذي كان وقتئذ ما زال مفروضاً، حضر ثمانية طلاب اميركيين، عادوا الى الولاياتالمتحدة في نهاية البرنامج الصيفي بانطباع ايجابي وردود فعل شجعت الجامعة الأميركية على المواصلة في توسيع البرنامج. ومن الدعاية الخجول العام الماضي، وسّعت الجامعة هذا العام دعايتها لبرنامج "سينارك"، فأعلن مكتبها في نيويورك جامعة ولاية نيويورك عبر الصحف والمجلات الاميركية وشبكات ال"انترنت"، عن الدورة الصيفية في لبنان، وطلبت من الدكتور عدنان حيدر مدير برنامج الملك فهد في جامعة آركنساو ان يكون المنسّق العام للطلبات الجديدة، وتالياً ان يتولى ادارة برنامج "سينارك" لصيف 1998. ولم يكد الإعلان يصدر، حتى وفد الى مكتب الجامعة في نيويورك نحو 150 طلباً. لكن الجامعة فضّلت ابقاء عدد الطلبات المقبولة محدوداً لأن البرنامج في بداية نشاطه. واختارت 42 طلباً من المتقدمين 21 طالباً و21 طالبة وصل منهم 41 وتخلّفت طالبة بسبب وعكة صحية. اما معيار الاختيار في قبول الطلبات المتقدمة، فكان ما لدى صاحب او صاحبة الطلب من خلفية في العربية، ورسائل توصية من الاساتذة تحدد مستوى الطلاب بعد حضورهم الى الجامعة ومقابلتهم الاساتذة. في البرنامج هذا العام ثلاثة مستويات: الابتدائي 21 طالباً خلفيته اللغوية منعدمة، المتوسط 11 طالباً درسوا العربية في الجامعات الاميركية سنة واحدة، المتوسط المتقدم 9 طلاب درسوا العربية اكثر من سنة. ويتابع الطلاب في الجامعة اللبنانية الاميركية 8 وحدات دراسية في ستة اسابيع تتوزع على 120 ساعة من التدريس بمعدل 15 ساعة لكل وحدة دراسية، مع اضافة وحدة كاملة اضافية اذا اخذ الطالب صف المحكية اللبنانية. برنامج التدريس مشابه للبرنامج المقابل في المعهد الصيفي لكلية ميدلبري الجامعية فيرمونت، لجهة اتّباعه منهجية المهارات الشفوية، إذ يوقّع الطالب تعهداً خطياً بعدم التحدث طوال مدة البرنامج إلا بالعربية. وثمة المهارات الأخرى من قراءة وكتابة واستماع في المستوى نفسه. يتابع الطلاب دروسهم في كتاب مدرسي اميركي من جزءين تليه فصول تجريبية، وهو من وضع كريستن بروستاد اميركية، عباس التونسي مصري، محود البطل لبناني. هؤلاء الطلاب الاميركيون، في معظمهم من اصل لبناني او عربي. وهم جامعيون يتخصصون هناك في دراسات الشرق الاوسط، وفي جامعات اميركية مهمة: ييل في كونيكتيكت، هارفرد في ماساشوستس، نيويورك وكولومبيا في نيويورك، براون في رود آيلند، وسكونسن، اوستن في تكساس، اوكسفورد ودورهام انكلترا، اوتاوا وماك غيل كندا، وفي برنامج هذا العام عشرة طلاب من جامعة اركنساو. اما اساتذة البرنامج في الجامعة اللبنانية الاميركية لهذا العام ولكل صف استاذ رئيسي ومساعدان فهم: بولا حيدر من جامعة اركنساو، الدكتور سليم خالدية من جامعة ولاية ماين، ناي حناوي وخليل مكاري، وتدرّس المحكية اللبنانية نرمين المفتي من الجامعة اللبنانية الاميركية، اضافة الى مدير البرنامج الدكتور عدنان حيدر. يسكن الطلاب في مجمّع خاص بهم أمّنته الجامعة، وفيه غرف مكيّفة، كل غرفة مستقلة بحمّامها، ويتناولون الطعام في مطعم الجامعة ايام الاسبوع. الى الدروس يقدم البرنامج نشاطات ثقافية تضم رحلة اسبوعية كل نهار سبت الى مكان اثري وتاريخي في لبنان. وبرنامج هذا العام رحلات الى صور وصيدا وبيت الدين ومتحف جبران والأرز وجعيتا وحاريصا وبعلبك وجبيل وعنجر وقلعة طرابلس وأسواقها. فبعد ظهر كل اربعاء، رحلة قصيرة الى اماكن قريبة من الجامعة. وكان في برنامج هذا العام المرفأ الفينيقي في جبيل وعنايا والسوق العتيق في زوق مكايل. وبعد ظهر كل اثنين، محاضرة يلقيها ضيف على البرنامج عن لبنان والعالم العربي. مساء كل ثلثاء وخميس، توفّر الجامعة للطلاب باصات تنقلهم الى جبيل للترفيه. كما حضرَ الطلاب مسرحية كركلا "الأندلس: المجد الضائع"، وتابعوا بعض عروض مهرجان المسرح الذي تم في الجامعة اللبنانية الاميركية. قسط البرنامج يبلغ 2900 دولار اميركي شاملاً التعليم والسكن والطعام وتكاليف الرحلات الاسبوعية، ووفّرت الجامعة التأمين الطبي لمن يرغب من الطلاب. وإذا اضيفت تذكرة السفر 1100 دولار تظل الكلفة في حدود 4000 دولار، بينما تبلغ كلفة برنامج ميدلبري داخل اميركا نحو 6000 دولار. من شهادات الطلاب للعام الماضي وهذا العام، تتوقع ادارة الجامعة اللبنانية الاميركية ان تستقبل العام المقبل لبرنامج "سينارك" طلاباً اكثر، بعدما بات البرنامج معروفاً وسريع التطور، وبدأت مقارنته مع برامج لها سنوات من التدريس في الجامعات الاميركية او في الجامعات العربية المتتوئمة مع جامعات اميركية في الولاياتالمتحدة. ولأن المتوقع من الطلاب في نهاية الاسابيع الستة، إكمال برنامج سنة كاملة في الجامعات الاميركية، بدأت الجامعة اللبنانية الاميركية منذ الآن بتحضير هيكلية برنامج السنة المقبلة صيف 1999 حتى يتمكن من استيعاب ما بين 100 و150 طالباً في المستويات الأربعة. في نهاية "سينارك" لهذا العام قرر ثلاثة طلاب البقاء في لبنان، بمعنى الاستقرار النهائي. وجاءت شهادات الآخرين محاكية لقرار اولئك الثلاثة، اذ عبّروا عن سعادتهم بالدروس التي تلقوها وبالحفاوة التي تلقفتهم حيثما ذهبوا. وفي ما يلي موضوع انشاء كتبته الطالبة ميرنا عطاالله لدى تخرّجها هنا نصّه: "سيدتي. انا انسانة مسؤولة عن حياتي ولست ممن يتعلق بالعادات والتقاليد. ولكن اليوم انا بحاجة لمشورة انسان آخر. انا الصغرى بين اخواتي. اختي البكر هي النموذج الكبير في حياتي. كانت دائماً المفضّلة بيننا وفي مركز إعجابنا. كنت احاول اقتباس خطواتها في الحياة. اما علاقتي مع اخي الوحيد فكانت جيدة، بينما كان النفور واضحاً في علاقتي مع اختي الوسطى، بسبب صراع الحصول على اهتمام والدينا. في عائلتي كنت اللولب وتميزت بسرعة البديهة. كانت طفولتي سعيدة ولا اذكر اني في يوم كنت هادئة، بل في حركة مستمرة كنت احب الرقص وكرة القدم وكرة السلة والرسم. ارادت امي ان اتذوّق كل النشاطات والفنون، ولكنها وفي الوقت نفسه كانت تشدد على التربية الكاثوليكية. اجبرتنا ان نحترم الاعياد والتعاليم الدينية فكبرنا تحت نظرية ان الرابطة الزوجية مقدسة. وكنت احسّ انها تفضل لي الزواج من رجل له الانتماء الديني نفسه. وكلما تقدمت في العمر اخذت اكتشف افكاري وميولي الخاصة، وبما ان اختي البكر اختارت الرقص الشرقي سمح لي اهلي ان ادخل الى الميدان نفسه. ومنذ اللحظة الاولى مال جسدي الى الانغام الشرقية وأحسست ان نفسي رهينة هذا الفن البديع. بالرغم من كل ما قمت به كان الرقص الشرقي ينبوع حياتي. دخلت الجامعة وكنت دائماً في حيرة حول اهدافي وتطلعاتي المستقبلية. نلت شهادتي بكالوريوس وعند بدئي الماجستير تركت الجامعة كلياً للعمل في شركة تأمين، وكنت اداوم عملي اليومي بنشاط. مدخولي كان جيداً وكنت اعيش في بحبوحة، ولكن مال الدنيا لم يعطني الفرح والسعادة بقدر ما كنت احس عندما ارقص في عطلة الاسبوع. هذه كانت حال حياتي ... ضجر ايام العمل وفرح وغبطة ايام الرقص. وذات يوم كنت ارقص في ملهى شرقي وقعت في غرام رجل مسلم من لبنان. كان مغنياً معروفاً. وعشت عشر سنوات من حياتي في عالم لا مثيل له. كنت اذوب في عينيه. وبالرغم من حبنا الكبير رفض والده فكرة زواجه من اميركية، وكذلك أبت والدتي ان اتزوج من مسلم. تركنا بعضنا، وبعد وقت تعرفت الى رجل ذي شأن في السياسة المحلية: ذكي ولطيف وخفيف الظل، استطاع ان يملأ الفراغ في حياتي. كانت لديه اهداف كثيرة وأحلام واسعة وكان هذا سر اعجابي به. وبما انه كان من ديني وكنت مأخوذة به قبلت الزوج منه بالرغم من ان قلبي ما زال يدق لذكرى حبيبي اللبناني. في البدء كان زواجي ناجحاً ويوماً بعد يوم كنت اشاهد زوجي على قدر كبير من الشجاعة، يواجه المصاعب السياسية والعملية. فخطر لي ان اسعى الى تحقيق احلامي مثله. وكان دائماً يشجعني على ان افعل ما يتوق له قلبي. وذات يوم تركت عملي في شركة التأمين وفتحت مدرسة لتعليم الرقص الشرقي وأفلحت في هذا المجال. وابتدأت اصرف وقتاً طويلاً في العمل. احياناً كانت ساعات عملي تزيد عن 13 ساعة في اليوم، وأسافر من بلد الى آخر بسبب مهنتي. وفي الوقت نفسه كان زوجي يتابع اهدافه السياسية. وبعد اربع سنوات من الزواج وجدنا انفسنا بعيدين عاطفياً بالرغم من الصداقة التي تربطنا. لكن ما جمعنا اصبح الآن يفرّقنا. سيدتي، ها نحن صديقان في غربتين. شخصية كل منا قوية ولا نريد ان نقف عثرة في طريق بعضنا بعضاً. كلانا يريد الطلاق ولكننا مترددان. بصراحة هناك مشكلة اخرى لا يعلم بها احد إلا قلبي وأنت وهي: اني لا زلت تحت قيود العيون السود والصوت العذب والسواعد السمراء ... ماذا افعل؟ هل اترك زواجاً لحب ممنوع ام استمر في زواج فاشل؟".