ترجمة عربية أولى لرواية "العار" للكاتبة البنغالية تسليمة نسرين وكانت أثارت حين صدورها حفيظة بعض المنظمات الأصولية في بنغلاديش. ماذا عن الرواية في ترجمتها العربية؟ أصدرت احدى المنظمات الأصولية في بنغلاديش قبل زهاء ثلاثة أعوام فتوى ضد الروائية تسليمة نسرين. وجاءت الفتوى بعد أن صادرت الحكومة جميع نسخ رواية "العار" التي نشرتها الكاتبة عقب حوادث العنف والتدمير في بنغلاديش. تفضح الرواية ظاهرة الأصولية التي امتدت رقعتها الى مساحة واسعة في جميع أنحاء العالم وخصوصاً في العقدين الأخيرين من القرن العشرين. وتتناول الكاتبة فيها أحداث شغب وعنف وتدمير في بنغلاديش. والتأثيرات والمضاعفات التي حدثت بعد ذلك. تعالج تسليمة نسرين قضية الأصولية من خلال عائلة هندوسية نموذجية هي عائلة "دوتا" المؤلفة من الأب الطبيب والأم والابن الذي لا يعمل، اضافة الى الابنة، ذات الأصول البنغلاديشية العريقة في النضال من أجل استقلال بنغلاديش وخصوصاً منذ انقسام شبه القارة الهندية وما تلاها من أحداث رئيسية مهمة والتي اعتمدت الكاتبة في بناء روايتها عليها وخصوصاً المفاصل والانعطافات التاريخية في تاريخ البلاد. الملاحظ أن الكاتبة تتناول قضية الأصولية في بنغلاديش في شكل مباشر، لكنها ترمز في الوقت نفسه اليهما في جميع انحاء العالم من خلال الرواية والأحداث التي جرت. تقول: "الديموقراطية ليست قوية في شكل يكفي لوقف انتشار الأصولية التي باتت واسعة الانتشار... ذلك أن الأصوليين يحاولون الحصول على السلطة في كل أنحاء العالم، في الهند وباكستان وافغانستان والمغرب والجزائر وصربيا وهدفهم الوحيد بتر روح الديموقراطية، والواقع أن تعاظم دور الأصولية في العالم بات يهدد القوى العلمانية والديموقراطية، بل إنه لا يفسح المجال لهما بالنحو...". وقعت عائلة دوتا التي لا تعرف التمييز الديني والتي تسعى دائماً الى تقدم بنغلاديش وإرساء قواعد الديموقراطية الشعبية والعلمانية فيها، وتنبذ كل أشكال التمييز العنصري والديني في براثن الأصولية رغماً عنها. يعتبر الأب سودهاموي نفسه إنساناً بنغلاديشياً واعياً وهو الطبيب الذي ترأس ادارة مستشفى سنوات عدة واستطاع أن يربي أطفاله تربية انسانية واعية تليق بالانسان الحديث، بعيداً عن النعرات، وعندما كبر ابنه سورنجان استطاع ان يتخذ قراراً أعلن فيه أنه إنسان بنغالي قبل كل شيء، وأن هذا العرق لم يصنعه انتماء معين ولا ينبغي أن يضع الناس حدوداً تفصل بينهم. وعلى رغم ذلك يضطر الأب سودهاموي الى بيع منزله الكبير الذي ورثه عن جده "آل دوتا" بعد حادثة اختطاف ابنته الصغيرة "مايا" والتي لم تتجاوز الثمانية أعوام، والانتقال الى مدينة أخرى. ويستمر الأب في سرد تاريخ حياته وكيف ناضل وشارك المقاومة الوطنية وطالب باللغة البنغالية لغة رسمية، وكيف وقف في وجه كل المؤامرات التي كانت تحاك ضد بلده، ودخل السجن، ودفع حياته ثمناً لها. وهو الآن لا يملك شيئاً سوى حبه لوطنه. وعلى رغم ذلك يُنظر اليه كهندوسي لا يحق له المعارضة، لكن الذين كانوا ضد الاستقلال حصلوا على السلطة فيما بعد وغيروا الدستور وأعادوا شرور الأصولية. لم يحاول سودهاموي وابنه سورنجان الاختباء في أحد بيوت الأصدقاء خوفاً من الأصوليين في حوادث 1992، بل مكثوا في منزلهم على رغم محاولات الأم ومايا. ويستهجن سورنجان كيف يختبئ المرء في بلده. يصاب الأب بشلل في أطرافه يقعده ازاء المطالبة بهجرة الهندوس من بنغلاديش. لكن سورنجان لم يرغب في أن يمكث في البيت أكثر، فخرج الى الشارع وكأنه يتحدى المتظاهرين واتخذ موقفاً سلبياً تجاه الأحداث متناسياً تاريخه الطويل، بل متناسياً تاريخ العائلة. وينحني أمام التيار الأصولي في الوقت الذي يذكّره أحد أصدقائه بأنه كان يدافع عن الديموقراطية ويتصدى للأصولية وأنه بنغلاديشي قبل أن يكون هندوسياً، وكيف أن أصدقاءه المسلمين يقدمون له المساعدة أكثر من أصدقائه الهندوس. لكن سورنجان تناسى كل شيء في هذا البلد، وكأن الأحداث كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وخصوصاً حادثة اختطاف اخته مايا من المنزل بعد أن ترك الخاطفون آثار التدمير في المنزل. تشير الكاتبة هنا الى تأثير انهيار الاتحاد السوفياتي لدى الفئة المثقفة التي كانت تناضل وتدافع بلا هوادة من أجل التقدم والانسان، وانحنت أمام العاصفة، الأمر الذي غير من مفاهيم سورنجان وجعله يرتد الى الطائفية. فقد انهار ولم يعد يحتمل أكثر من ذلك بعد سماع خبر مقتل شقيقته. ولم يجرؤ في أن يتأكد من الخبر على أمل أنها ستعود. تقول الكاتبة في مقدمة الرواية "مرض الأصولية لا يقتصر على بنغلاديش وحدها..." هذا يعني أن الرواية لا تقتصر على بنغلاديش فقط، بل انها تخص كل شعب يعاني مرض الأصولية. ولعل الاحداث التي جرت والمجازر التي ارتكبت، والتدمير واثارة الفتن كان سببها القانون وما طرأ عليه من تعديل. ولكن يبدو أن القانون لا يتغير ما لم يكن هناك اناس يدركون أهمية الانسان ويؤمنون بحرية المواطن والعيش في بيته ووطنه حراً. فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع. لا بد من أن الكاتبة الروائية تسليمة نسرين حللت المجتمع من خلال عائلة "دوتا" النموذجية والمثالية، وأفادت من الأحداث الواقعية والمنعطفات التاريخية التي مرت بها بنغلاديش حتى انها كتبت هذه الرواية خلال سبعة أيام فقط. * "العار"، تسليمة نسرين، ترجمة عصام زكريا، دار آرام، دمشق 2000.