في احدى الجلسات، اسرت لي صديقة بتجربة مرت بها ابنة اخيها المهاجرة من احدى الدول العربية الى بلد غربي، قائلة ان الاخيرة تزوجت في عمر صغير وهاجرت مع زوجها وعائلتها. وكانت تتعرض للضرب من زوجها باستمرار، وكلما لجأت الى افراد عائلتها لحمايتها، اشبعوها بالوصايا، مؤكدين انه يمارس حقه وان عليها ان تتحلى بالصبر، لعل الزوج يهتدي يوماً ما. واستمر الحال الى ان جاء يوم ضربها فيه بوحشية كعادته وطردها من البيت ليلاً، فخرجت هائمة على وجهها... من دون نقود ولا مأوى، لا تدري ماذا تفعل. وجلست في محطة الحافلات تتمنى ان تبتلعها الارض والخوف يقتلها... الخوف من اهلها والخوف من العودة اليه والخوف من حكم مجتمعها عليها. وتساءلت: ماذا ستفعل والى اين ستذهب ومن سيأويها؟ ومر بها شرطي، شك في سبب انتظارها في ذلك الوقت من الليل وسألها عما بها. وخانتها اللغة التي لا تفهمها وانهمرت الدموع من عينيها تعبر عن الوحدة والضياع والخوف من كل شيء. واخذها الشرطي الى المخفر وخلال فترة بسيطة، احضر لها مترجمة لتحكي قصتها. وتبين مدى الرعب الذي تعانيه وآثار الضرب البادية على جسمها. وبالطبع، بحسب القانون في مثل تلك الدول، بيّن لها المسؤولون حقوقها، مشيرين الى القانون الانساني الذي يحميها من كل شيء حتى من اهلها. ووضعوها في احد الملاجئ المختصة بمثل هذه الحالات، ووفروا لها عناية نفسية وطبية. واكدوا لها انها حرة وفي استطاعتها الاتصال بمن تشاء متى تشاء. وهاتفوا اهلها ليخبروهم انها بأمان. وتوسل الاهل ليعرفوا اين هي. ولكن المسؤولين رفضوا الافصاح عن مكانها، مؤكدين ان هذا خيارها وهي حرة في الاتصال بهم وقتما شاءت. ترى لو كانت هذه المرأة في اي بلد عربي، ماذا سيكون الوضع؟ وحتى ولو اختارت الذهاب الى الشرطة، في بلدها فهي ستعاد كالماعز اما الى اهلها او زوجها، ناهيك عن الاقاويل التي ستشاع حولها. ولو وافقها اهلها في الحصول على الطلاق فهي اما ستدوخ في متاهات المحاكم التي قد تأخذ السنين من عمرها او ستضطر مرغمة الى التنازل عن كل حقوقها للحصول على الطلاق كما هو الحال في قانون الخلع. ثم تبقى في مواجهة هذا المجتمع مطلقة وصغيرة. ولنفرض ان والديها متوفيان، فهي تنتهي بأن تكون عالة على الاخ وخادمة لزوجته. نحن والغرب ونحن نلعن الغرب ونخشى مفاسده. ولكننا نأخذ بكل ما يقدمه من بحوث علمية وطبية وتكنولوجية ونطيح في ديموقراطيته ونتطلع الى سيادة قوانينه وعدالتها. ولكننا نرفض الاخذ بأي شيء لحماية حقوق المرأة كما في الغرب. ونتوقف فقط عند الحرية الجنسية في الغرب واننا نريد حماية مجتمعنا وبناتنا من هذه المفاسد. نريد حماية ابناءنا من الشذوذ ونفعل كما تفعل النعامة التي تخفي رأسها... وننسى ان هذا الشذوذ موجود ولا يخلو منه اي مجتمع. ولماذا لا ننظر الى الغالبية في المجتمعات الغربية ونحكم عليها من خلال الاقلية؟ الغرب حكم علينا من خلال الغالبية المتعثرة، لا من خلال الاقلية الميسورة التي هي فوق القانون. لماذا لا نقف لحظة وندقق لماذا يبيح الرجل لنفسه انتهاك انسانية المرأة؟ وهل من العدل ان يستمر هذا الانتهاك والى متى؟ هذه القصة وحدها كفيلة بأن تبين مدى استعباد الرجل للمرأة وأخذه بكل تفسير او تأويل يتناسب مع ما يريد حتى ولو كان اهدار كرامة المرأة او دمها كما في حالات جرائم الشرف. اما آن الاوان لأن نقوم بالاجتهاد والتعديل بما يبين روح الدين وقيمه؟ فالرجل ينادي الى الاخذ بالنظم الديموقراطية التي يطبقها الغرب ولكنه يرفض مجرد الحديث عن عدالة الغرب في معاملته للمرأة. ولا يهم ان نأخذ من الشرق او من الغرب، كل ما يهم هو الاخذ بما من شأنه ان يكفل العدالة ورفع الاستعباد والظلم عن المرأة. فهذه الابنة التي وردت قصتها قد تكون ابنة احدنا او اخته. ناشطة في حقوق الانسان العربي - لندن