للتو، تدخل أم نور عامها الثلاثين، عاشت آخر ست سنوات منها في كنف زوج انفصلت عنه قبل أشهر، بعد «مشكلات» متكررة، وتدخل أهل الزوج. وكانت أم نور وزوجها السابق يعيشان في الرياض، نظراً لارتباطهما بوظائف هناك. وتروي قصة طلاقهما الذي جرى «غيابياً». وتقول: «كثيراً ما كان يهدّد بالطلاق، خصوصاً عند ارتفاع وتيرة الإشكالات بيننا، بسبب تدخل أسرته في خصوصياتنا». وتضيف أم نور: «وردني اتصال من محكمة محافظة القطيف، وكنت في الرياض، وأخبروني بأن زوجي يريد تطليقي، فرفضت ذلك بشدة، وطلبت تحويل الأمر إلى لجنة إصلاح ذات البين، ولم يعيروا كلامي أية أهمية تُذكر». وعلمت أم نور عبر اتصال أجرته بالمحكمة في اليوم التالي، أن القاضي طلّقها من زوجها من دون علمها، «على رغم أنني أخبرت القاضي بعدم رغبتي في الطلاق». وتساءلت أم نور: «ماذا عن حقوقي أنا وأبنائي الثلاثة؟ ولماذا لم يتم توجيهي بطرق المطالبة بتلك الحقوق؟». وتكاد قصة أسماء، وهي مطلقة أخرى، تتطابق مع رواية أم نور، فبعد مشكلات مع زوجها تفجرت بعد نحو عام من الزواج، قررت الانتقال إلى منزل والدها. وتقول: «بعد مرور أسبوع من تهديده بالطلاق، تفاجأت بزوجي السابق يتواجد في منزل أسرتي، ويطلب مني الخروج معه للتفاهم، وكان ليناً وهادئاً، ما أثار استغرابي، وتناقشنا حول الكثير من الأمور والخلافات الحاصلة بيننا». وعادت أسماء إلى منزل أسرتها «بوعد منه أن يأتي لأخذي من منزل والدي إلى عش الزوجية، وأبلغني أن هناك مفاجأة سارة في انتظاري»، مضيفة: «وصلتني المفاجأة بالفعل في اليوم الثاني من خروجي معه وكانت صك الطلاق، وعلمت منه أنه طلقني في اليوم الذي خرجنا فيه معاً، من دون علم مني بأنه طلقني، ليتوّج مفاجأته باتصال يؤكد أنه «كسر رأسي»، وأن الرجل له السلطة، وله كامل الصلاحيات في رمي المرأة متى شاء». وأضافت: «ديننا دين رحمة وعدالة كفل للمرأة كامل حقوقها، فكيف لهم أن يطلقوها من زوجها من دون علمها، والرجوع لها، أو على الأقل أن يتم إخطارها بأنها تحوّلت من خانة المتزوجات إلى المطلقات؟». بدورها، قالت الناشطة الحقوقية عالية آل فريد: «إن الهدف من رابطة الزوجين هو الاستقرار وتكوين الأسرة، وتحقيق السكن والمودة والرحمة لكلا الزوجين، فإذا خرجت هذه الرابطة عن هدفها أصبحت عبثاً لا فائدة منها، ما يتعين على القاضي التدخل لحسم النزاع، ورفع الضرر، وإنهاء هذه الرابطة، لعلّ الله يغني كل منهما عن الآخر». وأشارت آل فريد إلى أن تنامي حالات الطلاق الغيابي، «نابع من جهل اجتماعي عام حول ثقافة الحقوق، خصوصاً في ما يرتبط بالحياة الأسرية». وطالبت بضرورة «إدراج مناهج متخصصة في المدارس، لتعليم الطلبة الأمور الفقهية في ما يرتبط بالأحكام والمعاملات، خصوصاً ما يتعلق بفقه الأسرة والأحوال الشخصية المتعلقة بالزواج والطلاق والحضانة والوفاة والإرث». كما دعت وسائل الإعلام إلى أن تنشر هذه الثقافة، «لأن رسالته المفترضة هي خدمة الناس والتفاعل مع همومهم ومشكلاتهم الحياتية وتخدم قضاياهم المصيرية». ودعت إلى إيجاد «مؤسسات مدنية حديثة تهتم بشؤون الأسرة ووسائل إعلامية جديدة وبرامج متطورة ترتقي بثقافة الأفراد والجماعات»، مؤكدة ضرورة إيجاد قنوات ومنابر جديدة، إضافة إلى تغيير الخطاب، بما يتناسب مع حاجة المجتمع والقضايا الحساسة. وحملت المسؤولية الكبرى على عاتق القضاء، لأنه ليس جهازاً يحل المنازعات فقط، فهو الشريان والعصب الرئيسي للمجتمع»، داعية إلى إنشاء «المحاكم الأسرية وتهيئة القيادات النسائية المتخصصة للترافع والدفاع في المشكلات الأسرية، وممارسة دورهن كمحاميات، وتثقيف المجتمع بالجوانب الحقوقية بجانب المؤسسات المهتمة، وهذا ما نفتقر إليه، فهناك دور منوط بالقضاء ما زال مهملاً. ولم يتم الالتفات له، على رغم فعاليته وأهميته». وعن واقع المرأة ومدى معرفتها بالطلاق، وشروطه وأنواعه قالت: «إن ثقافة المرأة ضعيفة للغاية في هذا الجانب، مثلها مثل الرجل تماماً، ويتم تطليقها وتجهل أبسط الإجراءات والآثار المترتبة عليها، كما تجهل حقها في التقاضي، واللجوء إلى الجهات القضائية والحقوقية، التي تلجأ إليها عندما تتعرض للظلم، وتجهل طريقة صيانة حقوقها، وأين تتقاضى، ومتى وكيف، وهل تذهب إلى الشرطة أم المحكمة، فالغالبية يجهل دور هذه الجهات». ولفتت آل فريد إلى أن المرأة السعودية «مقبلة على عصر جديد، ويفترض أن نهيئ لها المناخ المناسب والبيئة المناسبة، كما للرجل، فهي بحاجة لأن تنهض وتنطلق، عبر قاعدة صلبة، وأرضية خصبة، مرتكزة على ثوابتها وقيمها التي وفرت لها الأمن والحماية»، مؤكدة ضرورة إيجاد قوانين وتشريعات تتناسب مع متطلبات المرأة في كل موقع، «ولا بد أن نوفر لها بيئة الحماية، فإذا كانت لا تتوافر في البيئة الأسرية، ونحن لم نوفر لها أجواء الحماية، لأنها تتعرض للإقصاء والظلم، فكيف نتمكن من حمايتها في مناصب قيادية، وهي تجهل أبسط حقوقها؟». وأكدت أن «المسؤولية تتوزع على المجتمع ككل، وآن الأوان لإيقاظ العدالة النائمة في المؤسسات التربوية والاجتماعية والثقافية والحقوقية، بدءاً بدور القضاء في إيجاد تشريعات، وتشكيل لجان تشريعية ضمن السلطة القضائية، والعمل على سرعة إنجاز مدونة الأحوال الشخصية. كما في الدول العربية والخليجية، لحفظ كرامة الإنسان، وحماية حقوقه من الانتهاك».