بعد سبعين عاماً تحول التعارف الى لقاء حميم بعد عشرين دقيقة فقط بين الالمانية الشقراء الممتلئة الجسم والانكليزي الاحمر الشعر الازرق العينين. لكن هذه القصة عن د.ه. لورنس وفريدا مستبعدة وان كانت ترضي تحرقنا الى الفضائح والتلصص على غرف النوم. الارستقراطية المحبة للحياة كانت خانت زوجها البروفسور الانكليزي مرتين على الاقل قبل ان يزور لورنس استاذه السابق ويدرك ان زوجته لا تحتاج الى جهد كبير لاقناعها بأن الاخلاق المسيحية التقليدية مصدر مشكلات المجتمع التي تحلها المتعة المتحررة من ضوابط العلاقة الواحدة. بعد اشهر من لقائهما في 1907 تركت البارونة فريدا فون ريختهوفن زوجها واولادها الثلاثة وتنقلت مع الكاتب الذي كان في السادسة والعشرين في اوروبا. امضيا بعض الوقت ايضاً في استراليا ونيو مكسيكو التي تركت فيها بضع لوحات اخرجها من بريطانيا بعدما وجدتها خلاعية، ويعرضها صاحباها اليوم للبيع وسط التنافس بين اليابانوبريطانيا. رسم لورنس ثلاث عشرة لوحة عن الحب في ايطاليا، وضمنها ايحاءات دينية فأثار المجتمع المحافظ في العشرينات خصوصاً بعدما نشر في 1928 "عشيق الليدي تشاترلي" التي ما لبثت ان منعت ثلاثين عاماً. وكشف منذ عام ان وزير الداخلية في حكومة المحافظين قام بحملة منظمة ضد الكاتب "لحماية" المجتمع من "خلاعته" وأمر مكاتب البريد بمصادرة ديوان "بانسيز" عندما استورد الناشرون خمسمئة نسخة منه. توفي لورنس في فرنسا في 1930 متأثراً بالسل عن اربعة واربعين عاماً ولم يترك شتيمة الا قالها في ما كان انكلترا يومها. فريدا عاشت سبعة وسبعين عاماً وقالت ان ديفيد هربرت لورنس كان بقي شاعراً محلياً لولاها، وهو تأثر فعلاً بها وبمبادئها الفرويدية في "قوس القزح" و"نساء عاشقات" و"ابناء وعشاق" وتفاخر بين اصدقائه بخلفيتها الارستقراطية كأنه يشير ضمناً الى نجاحه هو ابن عامل المنجم في قهر النظام الطبقي السائد. رويت قصص كثيرة عن شهوانية فريدا وخيانتها وشعر كثيرون ان احد ابرز الكتاب لم يتزوج المرأة المناسبة. وقيل انها امتنعت عن القيام بالاعمال المنزلية فقام هو بها، وتسببت باتهامه معها بالتجسس لألمانيا في الحرب العالمية الاولى وطردهما من منزلهما في غرب انكلترا. لكن لورنس لم يشعر بتاتاً بالذنب لانه اقنعها بترك اولادها او يهتم بحزنها لفراقهم. دعاها "عاهرة قذرة" وشكا العجز في اعوامه الاخيرة واثارت علاقته مع موريس ماغنوس المثلي الميول التساؤل عن ميوله هو. ثمة نقاد وجدوا جنساً مثلياً في "عشيق الليدي تشاترلي" و"السيد الظهر" وبعض القصائد، وقال آخرون انه مال حقاً الى جنسه لكنه لم يختبر لقرفه او خوفه او صراعه مع نزعته. اللوحات التسع المعروضة للبيع تشكو التلف بفعل الارتفاع والطقس الجاف، وقد يحتاج ترميمها الى مبلغ يماثل سعرها. لم تعد خلاعية بالمقاييس الانكليزية الحالية، لكن هل كان لورنس يرضى بعودتها الى بلاده التي رفضته ورفضها منذ سبعين عاماً؟ الخطر والمجد وسط هجمة العنف والجنس علينا في الفن والحياة بتنا نشتاق الى الاعمال التي اكتفت بالايحاء او لم تتطرق حتى اليه. ورثة الكاتب الاميركي جون ستاينبك ثائرون على مشاهد الجنس الصريحة التي اخترعتها هوليوود عندما حولت كتابه "اللؤلؤة" مجدداً الى فيلم. الجنس يبيع في عاصمة السينما لكن اسرة ستاينبك لا تفهم خيانة الاعمال الادبية واصحابها، وتجد التغييرات الكثيرة في الفيلم تسخيفاً قد يستحق الملاحقة القضائية بهدف منع عرضه. نشر ستاينبك "اللؤلؤة" في 1947 وتناول فيه سعي فلاح مكسيكي مهاجر الى تحقيق الحلم الاميركي في البلاد التي اعطت فرصاً متساوية نظرياً لكل المهاجرين. لقيت الهواية نجاحاً فنياً وتجارياً ولا تزال تشمل في المنهج الدراسي حتى اليوم. كتب لها السيناريو بنفسه عندما حولت الى فيلم للمرة الاولى في 1948، ويسهل الاعتقاد انه لن يعتبر ان الفيلم الجديد يستند الى عمله اذا شاهده. نال جائزة نوبل في 1962، لكن افضل اعماله كتبت في الثلاثينات والاربعينات واهتمت اساساً ببؤس الطبقة العاملة وكفاحها. كان قطع دراسته في جامعة ستانفورد الشهيرة، مرات عدة ليعمل في المزارع والمعامل والصحافة، واعال نفسه لكي يستطيع الكتابة قبل ان يكتفي مادياً منها. في "عن الفئران والرجال" التي نقلت الى المسرح والسينما يصور امرأة غاوية صغيرة العقل ثعبان الجنة الذي يدمر حلم بناء بيت يضم صديقين وينهي كدهما في المزارع طوال شبابهما. وفي "عناقيد الغضب" يعكس تعاسة عمال المزارع المهاجرين في حقبة الكساد الكبير التي بدأت في 1929. خبرته في العمل اليدوي منحت شخصياته لحماً ودماً، وأغنى التزامه واقعية ادبه لكنّه جلب عليه غضب المحافظين الذين اتهموه بالتحيز الاجتماعي والبذاءة في "عناقيد الغضب". تزوج ثلاث مرات وعمل مراسلاً في الحرب العالمية الثانية وتوفي في 1968 عن ستة وستين عاماً بمرض تصلب الاوعية. في الخطبة التي القاها عند استلامه جائزة نوبل قال ان الادب "ولد من الحاجة الانسانية اليه، ولم يتغير الا بكون الحاجة اليه اكبر". والكاتب اذ يفضح اخطاءنا وفشلنا يضيء احلامنا القاتمة الخطيرة بهدف تحسيننا. فهو اذاً لم يؤمن بقوة بامكان بلوغ الانسان الكمال لا يلتزم الادب ولا ينتمي اليه. فاق ستاينبك من عبء الخيار الانساني فكيف لو كان يعيش اليوم وسط تجارب التناسخ ورسم "خريطة الحياة". قال ان الانسان اغتصب سلطات كثيرة كانت فوق بشرية من قبل. "زعمنا السيادة على حياة وموت الكائنات الحية والعالم كله. في الانسان يكمن الخطر والمجد والخيار، وامتحان كماله قريب". ولئن خاف من قوة العلم وبعد الايمان في الكتابة واستوحى الانجيل ليختم: "في النهاية هي الكلمة، والكلمة هي الانسان، والكلمة مع الانسان". معاناة الكاتب يخشى "كتاب النوعية" في الولاياتالمتحدة الاميركية انتشار الكتابة السريعة الصالحة للسينما التي قد يكون ستيفن كينغ ملكها. ليست النوعية وحدها ما يقلق هؤلاء بل الشكل ايضاً. فرواية كينغ الاخيرة "ركوب الرصاصة" التي نشرها على الانترنت باعت اكثر من نصف مليون نسخة، وسيخصص معرض فرانكفورت للكتاب ابتداء من تشرين الاول اكتوبر المقبل جائزة مقدارها مئة الف دولار لافضل كتاب الكتروني إضافة الى خمس جوائز اخرى في المجال الروائي وغيره وقيمة كل منها عشرة آلاف دولار. "ركوب الرصاصة" تقع في 67 صفحة وحجمها الصغير يعزز الخوف على مستقبل الادب الذي يتحول الى لقمة صغيرة سريعة في حضارة اللهو المتفشية. مؤلف "كاري" و"بؤس" و"اللمعان" كتب الشهر الماضي في "ذا نيويوركر" عن حادث دهسه الذي كاد يقتله. قاد بريان سميث شاحنته واصطحب كلبه معه ليشتري الواح شوكولا "مارس" من المتجر وعندما حاول الكلب ان يأكل اللحم في براد الشاحنة حاول ابعاده فدهس الكاتب. "كادت تقضي شخصية خارجة من احد كتبي. يكاد الامر يكون مضحكاً". يذكر كينغ الذي باع مئة مليون نسخة من كتبه انه ازال حفنات الدم من عينيه بيده اليسرى ليرى رجلاً جالساً مع كلبه على صخرة قريبة. "اليس حظنا الاسوأ في العالم؟". سأل الرجل كينغ ثم اخبره بجذل ان ساقه مكسورة في ستة مواضع. حتى المسعف وجد منظره بهيجاً وسألة ما اذا كان ركب طائرة هليكوبتر من قبل. حاول ان يقول نعم لكنه وجد صعوبة في التنفس وأحس انه يغرق وعلى "عتبة الموت". اجريت له خمس عمليات لانقاذ ساقه من القطع وعاد يكتب بعد خمسة اسابيع من الحادث مع ان ردفه المهشم لم يسمح له بالجلوس اكثر من نصف ساعة الا اذا استطاع تحمل العذاب الكبير. لكن الكتابة لم تكن تعذيباً جسدياً فحسب بل كانت اول خمسمئة كلمة "مرعبة. كأنني لم اكتب من قبل. انتقلت من كلمة الى اخرى مثل عجوز يعبر الجدول على خط متكسر من الحجارة البليلة". يتناول كينغ مئة حبة من الادوية يومياً وسينشر "عن الكتابة: ذكريات المهنة" قريباً. اما السائق الذي ارتكب نحو دزينة من المخالفات وكسر اضلاع كينغ وساقه فخرج سالماً من الحادث، منع من القيادة ستة اشهر وسيعود بعدها الى الطرق وضحية جديدة. شاعر المساء قد تقول شاعر الضوء والسحاب والسماء المسائية لكن الاهتمام الانكليزي بالطقس يمنح جون كونستابل 1776 - 1837 التباساً مزعجاً. بدأ يتعرف الى الطقس منذ صغره اذ عمل وهو مراهق في طاحونة والده وكان عليه معرفة اتجاه الريح وانواع الغيوم. ثم تحولت معرفته بالطبيعة من عملية الى فنية عندما بدأ الرسم، وفي حين كانت السماء مجرد خلفية جاهزة لدى الفنانين الآخرين تحولت معه الى بطلة تدل على الطقس وحال الطبيعة العابرة. رأى كونستابل، اهم رسامي الريف الانكليزي، الرسم علماً ورسم المشاهد الطبيعية فلسفة طبيعية تشكل لوحاته اختبارات لها. غاليري ووكر في ليفربول تضم نحو ثمانين لوحة عن الغيوم له حتى 16 الشهر الجاري، وتدفع الناظر الى ربطه بالانطباعيين. صحيح انه عمل الهواء الطلق مثلهم لكنه رسم ما سماه اللوحات "الصحيحة" داخل الاستوديو، ومن هذه لوحة "كومة القش" التي نراها في البطاقات. واستخدم كونستابل المظاهر الطبيعية ليعكس مشاعره، فهو علم ان قوس القزح لا يظهر عندما تكون السماء عاصفة لكنه رسمها في "كاتدرائية سالزبري من الحقول" بعد وفاة زوجته.