بعد مرور أشهر معدودة على تسلم الرئيس أحمد نجدت سيزر مهماته، وهو أحد كبار رجال القضاء في تركيا، أظهرت الدولة تصميمها على متابعة حملتها على الإسلاميين، من خلال تأييد محكمة التمييز أمس قراراً يقضي بسجن رئيس الوزراء الأسبق، زعيم حزب "الرفاه" المحظور، سنة مع النفاذ، ومنعه من مزاولة أي نشاط سياسي مدى الحياة. ولم يبق أمام أربكان سوى التقدم باعتراض على قرار المحكمة لكي تعيد النظر في قرارها خلال شهر من الآن، إلا أن ذلك مشروط بموافقة المدعي العام فورال صافات على طلبه، وهو أمر مستبعد بسبب مواقف صافات الحازمة ضد الإسلاميين، خصوصاً أنه كان وراء المطالبة بحظر حزب "الفضيلة" بعد "الرفاه". ويعني ذلك أن دخول أربكان السجن أصبح شبه مؤكد، ما أثار القلق في أوساط "الفضيلة" وتيار الإسلام السياسي عموماً. وعلق زعيم حزب "الفضيلة" على الحكم قائلاً ان على البرلمان إلغاء المادة 312 المقيدة لحرية الرأي والتعبير، واستند إليها القاضي في الحكم على أربكان، بتهمة التحريض على الفتنة الطائفية والعرقية، خلال خطبة انتخابية ألقاها في محافظة بنغول جنوب في 1994. ويبدد هذا الحكم ما تبقى من آمال لدى أربكان في العودة إلى الحياة السياسية، إذ يمنعه من ممارستها مدى الحياة. وكان محاميه شكك في نزاهة الحكم، مشيراً إلى أن الدعوى غير صحيحة في الأساس، لأنها رفعت بعد مرور خمس سنوات على خطاب أربكان، كما ان الحكم استند إلى شريط فيديو مسجل، لا يعتبر دليلاً في القضاء التركي. ونأى رئيس الوزراء بولند اجاويد أ ف ب بنفسه عن هذا القرار، قائلاً: "نكن الاحترام لقرارات القضاء لكنني لست مسروراً من دخول اربكان السجن". وندد حزب "الفضيلة" خليفة "الرفاه" المحظور بهذا القرار، معتبراً أنه مثال على "حالة" حقوق الانسان في تركيا. وقال نائب رئيس الحزب محمد بيكاروغلو في تصريح صحافي ان "رئيساً للوزراء سيضطر الى الذهاب الى السجن لإقدامه على التعبير عن آرائه. ووجهت ضربة قاسية الى ترشيح تركيا" إلى الاتحاد الاوروبي. وأشار ديبلوماسي أوروبي الى ان "هذا القرار يظهر مجدداً ان حق حرية الرأي محدود جداً في تركيا". وقال ديبلوماسي أوروبي آخر: "ننتظر بمزيد من اليقظة والتفهم القرار المتعلق باحتمال منع حزب "الفضيلة" لأن الحزب السياسي تعبير عن التعددية أكثر مما هو تعبير عن نشاط فرد واحد". ويهدد القضاء "الفضيلة"، الحزب الثالث في البرلمان، بالحظر بتهمة "التصرف خلافاً لقانون الاحزاب السياسية"، والقيام ب"أنشطة معادية للعلمانية". وأعلن محامي أربكان أنه سيرفع الأمر إلى المحكمة الاوروبية لحقوق الإنسان. واضطر أربكان اول رئيس حكومة اسلامية في تركيا، البلد الاسلامي في دولة علمانية، للاستقالة في حزيران يونيو 1997 بضغط من الجيش الذي يعتبر نفسه حارس العلمانية، بعدما ترأس الحكومة سنة على رأس ائتلاف مع رئيسة حزب "الطريق القويم" يمين وسط تانسو تشيلر. وبعد حل "الرفاه" في كانون الثاني يناير 1998، سحبت من أربكان ومن عدد من مساعديه صفتهم النيابية ومنعوا من مزاولة أي نشاط سياسي.