تقدم مدعي محكمة أمن الدولة في انقرة نوح متى يوكسل الاثنين الماضي 22 اذار مارس بطلب لحل حزب الفضيلة بذريعة "مخالفته قانون العمل السياسي". واستند في دعواه على المادتين 69 و96 من مواد قانون الاحزاب. وأكد المدعي العام في رسالته الى محكمة الاستئناف ان "الفضيلة" خرق ايضا المادة 95 من قانون الاحزاب السياسية التي تنص على منع قيادة احد الاحزاب المحظورة الرفاه من المشاركة في تشكيل حزب سياسي آخر. وجاءت المطالبة على اثر فشل مشروع حجب الثقة عن حكومة بولنت اجاويد واستبعاد مشروع تأجيل الانتخابات عن جدول الاعمال لأنه لم يمر باللجنة الدستورية. وكان حزب الفضيلة طالب بتأجيل الانتخابات بعد ورود انباء عن احتمال لجوء المؤسسة العسكرية الحاكمة الى تزوير النتائج واضعاف مواقع الفضيلة في البرلمان المقبل. وحذر قائد الجيش التركي حسين كيفريك اوغلي حزب الفضيلة من عواقب الغاء المادة 312 من الدستور، وجاءت تحذيرات الجنرال يوم الخميس في 18/3/1999 وقدّم دعمه لرئيس الوزراء بولنت أجاويد وطالب باجراء الانتخابات في 18/4/1999، وهدد النواب العلمانيين من التعاون مع النواب الاسلاميين، وأيد الرئيس سليمان ديميريل موقف قائد الجيش مما وضع النواب امام مواجهة تهديد مباشر. وكانت المناوشات السياسية بين الاسلاميين والعلمانيين تجددت حين طرح الاسلاميون مسودة مشروع تطالب بالغاء المادة 312 من الدستور التركي الاتاتوركي. وتمنح المادة المذكورة القضاء العلماني صلاحيات مطلقة من نوع توقيف وادانة اي تركي يخالف الاتاتوركية، وهو ما يعطي صلاحيات استثنائية للمؤسسة العسكرية بالتدخل في شؤون الدولة وملاحقة الاحزاب المدنية. وفي حال نجاح حزب الفضيلة في تعديل او الغاء المادة 312، وهو امر لم يحصل، سيضع الاسلاميون حداً لسيطرة القوى العلمانية المدعومة من جنرالات الجيش على القضاء ووزارة العدل. واستخدم الجنرالات تلك المادة لحل حزب الرفاه وحرمان رئيسه ورئيس الحكومة السابق نجم الدين اربكان ووزير عدله شوكت قازان من ممارسة العمل السياسي، كذلك استخدمت المادة نفسها ضد رئيس بلدية اسطنبول رجب الطيب اردوغان فاستبعد من رئاستها بذريعة انه قرأ شعراً في حفل عام مدح فيه الجوامع والمآذن. واعتماداً على المادة نفسها طلب القضاء فرض حكم الاعدام على خمسة من نواب "حزب الرفاه" السابق وعلى رأسهم شوقي يلماظ وحسن حسين جيلان والسجن المؤبد لعشرين من زعماء "الرفاه" بتهمة مخالفة قوانين الاتاتوركية والدعوة لقيام دولة اسلامية. وفي حال نجاح جنرالات الجيش حل حزب الفضيلة الوريث السياسي لحزب الرفاه باسم الدفاع عن الديكتاتورية الاتاتوركية تكون تركيا دخلت من جديد في طور حكم الحزب الواحد بعد فترة شهدت فيها تردداً بين التعددية المدروسة وهوس الجنرالات وتعطشهم للسلطة. انقلاب أيلول والأحزاب آخر الانقلابات العسكرية التركية المكشوفة هو انقلاب 12 ايلول سبتمبر 1980 الذي قاده الجنرال كنعان أفرين واستولى على منصب رئاسة الجمهورية ورئاسة جنرالات مجلس الأمن القومي التركي. وقبْلَ ذلك الانقلاب تعاون الجنرالات ورئاسة المحكمة الدستورية العليا، فحَلُّوا حزب النظام الوطني الذي ترأسه نجم الدين أربكان، كما حلوا حزب العمال التركي الذي كان يمثل اقصى اليسار على الساحة السياسية التركية. وعندما تولى العسكر السلطة إثر انقلاب الجنرال ايفرين حل الأحزاب السياسية التركية، وحظر العمل السياسي على قادة الاحزاب، ومنهم سليمان ديميريل حزب العدالة وبولنت أجاويد، ونجم الدين اربكان وغيرهم، وعندما رُفع الحظر تبوأ هؤلاء الثلاثة مناصب عليا في الجمهورية التركية. بعد تعليق قانون الطوارئ تدريجياً عن بعض الولايات التركية، تتابع رفع الطوارئ ولاية فولاية. ولما شعر العسكر بقوتهم وضعف المدنيين حينذاك سمحوا بتشكيل احزاب جديدة يتم تفصيلها حسب المقاييس التي قررها العسكر بموجب قانون تنظيم الأحزاب الذي تمخض عنه الانقلاب. وفُتح باب تشكيل الاحزاب سنة 1983. فتشكل 99 حزباً في تركيا خلال ال 16 سنة الماضية. وتعرضت الأحزاب خلال تلك الفترة الى عمليات دمجٍ وانفصال، وحل بالقوة، وانحلال ذاتي، فبقي على الساحة التركية 36 حزباً ثم اندمج 25 حزبا ضمن الپ36 حزباً، وبذلك يكون استمر 61 حزباً. وتم حل 14 حزبا بأحكام متنوعة صادرة عن المحاكم التركية، وانحل ذاتياً 24 حزباً. وحاولت المحكمة العليا حل 15 حزباً فعجزت عن اغلاق حزب الطريق الصحيح ديميريل تشيلر ورُدّت الدعوى لعدم اثبات الأدلة الكافية لحلّ الحزب. وهنالك من يقول: ان المحكمة لم تكن جادة في دعواها، كما ان موقف القضاة لم يكن موحداً في تلك القضية اذ ان مؤيدي كتلة ديميريل تشيلر كانت اقوى من الفريق المنافس فسقطت الدعوى، بينما نجحت ضد الأحزاب الاخرى. مقابل هذا الفشل اغلقت المحكمة 14 حزباً. ففي سنة 1991 تم حل الحزب الشيوعي التركي الاتحادي، وحزب الخلق الشعب، وفي سنة 1992 تم حل الحزب الاشتراكي الاجتماعي وحزب الأناضول الكبير، وفي سنة 1993 تم حل حزب الخدمة الشعبية، وحزب الديموقراطية والحرية وحزب تركيا الاشتراكي. وفي سنة 1994م تم حل حزب الديموقراطية. وفي سنة 1995 تم حل حزب الاتحاد الاشتراكي. وفي سنة 1996 تم حل حزب التغيير والديموقراطية، وحزب الاحياء. وفي سنة 1997 تم حل حزب الخدمة. وفي 16 كانون الثاني يناير سنة 1998 تم حل حزب الرفاه الذي كان يرأسه نجم الدين اربكان، واتُهم الحزب بمعارضة العلمانية. وصدر حُكم بحل الحزب وحرمان زعيمه مع خمسة من قياداته من حقوقهم في ممارسة العمل السياسي لمدة خمس سنوات من تاريخ حل الحزب. يذكر ان حزب الرفاه فاز بأكبر عدد من مقاعد مجلس الشعب التركي وهذا يعني انه من اكثر الأحزاب التركية تمثيلاً للشعب التركي. وعلى رغم ذلك ضرب العسكر عرض الحائط بالارادة الشعبية، وأوعز الى المدعي العام فورال ساواش باقامة دعوى ضد حزب الرفاه. فرفع دعوى ضده في 22/5/1997، وادعى ان حزب الرفاه يحرض على حرب داخلية اهلية، وأبلغ مضمون الدعوى الى قيادة حزب الرفاه في 5/6/1997 لتقديم الدفاع والطعن بتلك الدعوى خلال 30 يوماً من تاريخه، فقدم حزب الرفاه دفاعه الى المحكمة العليا في 4/8/1997، ولكن القضاء التركي اعتمد الدعوى "الافتراء" من دون حق، وأُعطيت فرصة للدفاع مُدتها 30 يوما ابتداءً من 4/9/1997، فقدم حزب الرفاه دفاعه امام المحكمة في 6/10/1997. وبعد ثلاثة ايام من المرافعات، والنظر باضبارة الدفاع التي تقع في 670764 صفحة، وفترة دراسة الدعوى، اصدرت المحكمة حكمها بحل حزب الرفاه في 16/1/1998. واستمرت جلسة اصدار الحكم 50 دقيقة لا غير. ويذكر ان الرفاه هو الحزب الثالث اسسه اربكان وتمنعه المؤسسة العسكرية. فأربكان أسس حزب نظام الملة مللي نظام بارتي سي سنة 1970، فاوعز العسكر الى القضاة فاختلقوا دعوى واصدروا حكماً بحل الحزب سنة 1972. ثم أسس حزب سلامة الملّة مللي سلامت بارتي سي سنة 1972 فتدخل "مجلس الأمن القومي" التركي وحل الحزب سنة 1980 بعدما شارك اربكان في الحكومات التركية الائتلافية كنائب لرئيس الوزراء مع سليمان ديميريل وبولنت أجاويد. ثم عاد وانشأ حزب الرفاه سنة 1983 فاتسع الحزب سريعاً ونال الغالبية البرلمانية في انتخابات سنة 1995 ووصل اربكان الى رئاسة الوزارة الائتلافية مع طانسو تشيلر. واقتربت تركيا من العالم العربي والاسلامي وشكلت مجموعة الدول الثماني كنواة لسوق اسلامية مشتركة، فتحرك القضاة بتشجيع من الجنرالات وقاموا بحل الحزب لإبعاد اربكان عن موقع القرار. وبعدما تم حل حزب الرفاه انضم معظم نوابه الى حزب الفضيلة الحالي الذي تشكل في 17/11/1997 بزعامة المحامي اسماعيل آلبتكين، ويتزعمه حالياً نجاتي قُطان، ويحتل المرتبة الاولى في مجلس الشعب التركي ويمثله 144 نائبا في المجلس. ومع ذلك تم استبعاده عن التكليف بتشكيل الوزارة 56 التي شكلها بولنت أجاويد مع ان حزب الاخير رابع قوة برلمانية. وتتحرك الآن جيوب الاتاتوركية بدعم من جنرالات الجيش لتحريك دعوة جديدة ضد الفضيلة لحرمانه من العمل السياسي وقبل اسابيع من موعد الانتخابات المقبلة. * زميل ابحاث في كلية الدراسات الشرقية والافريقية، جامعة لندن ساواس. اسطورة يوم النيروز مر يوم النيروز في 21/3/1999 على تركيا، فخلّف عشرات الجرحى ومئات المعتقلين. وأثارت الاحتفالات الصراع القومي والمذهبي، حين احتفل به الأكراد في ميدان جامع السلطان أحمد في اسطنبول. أوقدت النار في الميدان، ووضع بجانبها سندان الحداد، وضرب الحداد بالمطرقة على السندان وراح المحتفلون يقفزون من فوق النار فُرادى وجماعات، ويرقصوا حول النار على قرع الطبول ونفخ الزمور. يقول المحتفلون: إن الأكراد أقاموا مملكة، لكن الملك الكردي كان يأكل مخّ إنسان في كل يوم، وحرّم عليهم اشعال النار، ولما كان دور الحداد حضر إلى بلاط الملك وأخفى مطرقته تحت ثيابه، وقال الملك: ماذا تريد؟ قال: اريد مُخك. قال الحداد: وأين المخ؟ فطأطأ الملك الكردي رأسه وأشار بيده إلى مكان مُخه، وقال: المخ هنا. وحينذاك اخرج الحداد المطرقة، وضرب الملك على رأسه فطار مخه ومات ملك الأكراد الوحيد في التاريخ، فخرج الحداد وصعد إلى ذروة رابية من الأرض وأشعال النار، فعلم الأكراد أن ملكهم مات فراحوا يشعلون النار في أعالي الهضاب ابتهاجاً بمقتل ملكهم الظالم المتخلف. ومنذ ذلك اليوم وهم يقدسون نار النيروز. وبدوره احتفل رئيس الوزراء السابق مسعود يلماظ بعيد النيروز مع زوجته برنا يلماظ في شرق تركيا ودار حول النار وقفز من فوقها مع زوجته وأقطاب حزبه. وكانت وزارة بولنت أجاويد رخصت لبعض المناطق الاحتفال بيوم النيروز، واحتفلت بعض المناطق من دون ترخيص. واحتفل أكراد اسطنبول بيوم النيروز في محلة غازي واشعلوا النيران في موقع سوق الحيوانات، وحينذاك مرت في الساحة مصفحتان للشرطة فقذفهما المحتفلون بالحجارة فاستنجدت الدورية بقوات حفظ النظام الخاصة. حضرت قوات حفظ النظام إلى محلة غازي، فهرب المحتفلون وتعقبتهم قوات البوليس. إلا أن عناصر من حزب العمال الكردي عبدالله أوجلان مكنت لهم واطلقت النار على الدورية فجرح خمسة عناصر من الشرطة وردت قوات الشرطة باعتقال أكثر من 300 شخص. واعتقلت الشرطة في محافظة غازي عينتاب أكثر من 500 شخص تجاوزوا حدود النظام في مناسبة يوم النيروز. وفي أنقرة، اعتقل أكثر من 470 شخصاً من المخالفين بيوم النيروز، كما تم اعتقال حوالى 50 شخصاً في ولاية آدي يمان، واعتقل آخرون في مناطق الأكراد. أما الأتراك الذين احتفلوا فلم يعتقل أحد منهم. وهكذا اوقع يوم النيروز الحكومة التركية في حيص بيص فخلف وراءه جرحى وأكثر من ألفين معتقل.