متفرّد    فاكهة الأدب في المراسلات الشعرية    يِهل وبله على فْياضٍ عذيّه    أمير القصيم يرعى المؤتمر العالمي السادس للطب النبوي    «ولي العهد».. الفرقد اللاصف في مراقي المجد    خرائط ملتهبة!    قصر بعبدا.. بين عونين    المخاطرة اللبنانية !    الأمم المتحدة تحذر من كارثة إنسانية في غزة    واتساب يطرح علامة تبويب خاصة بمحادثات «AI»    لبنان الماضي الأليم.. والمستقبل الواعد وفق الطائف    برشلونة يضرب ريال مدريد بخماسية ويتوج بلقب السوبر الإسباني    هل الهلال مدلل ؟    أنقذوا أندية المدينة المنورة من الهبوط !    بعد نهاية الجولة ال 14 من دوري روشن.. الهلال يستعيد الصدارة.. والنصر يزيح القادسية من الثالث    سيتي يتطلع لحسم صفقة مرموش    برئاسة وزير الخارجية.. الاجتماع العربي الموسع يناقش سبل دعم سوريا    الإتحاد يُعلن تفاصيل إصابة عبد العزيز البيشي    لمسة وفاء.. المهندس أحمد بن محمد القنفذي    "هيئة الشورى" تحيل موضوعات للمناقشة    د. الربيعة رفع الشكر للقيادة الرشيدة.. مركز الملك سلمان يحصد جوائز دولية مرموقة    شرطة منطقة مكة المكرمة تقبض على محتالي سبائك الذهب المزيّف    تمكين التنمية الصناعية المستدامة وتوطين المحتوى.. قادة شركات ينوّهون بأهمية الحوافز للقطاع الصناعي    الذكاء الإصطناعي والإبداع    نجاح قياسي    جميل الحجيلان    السباك    في موسم "شتاء 2025".. «إرث» .. تجربة ثقافية وتراثية فريدة    150 قصيدة تشعل ملتقى الشعر بنادي جازان الأدبي    هل نجاح المرأة مالياً يزعج الزوج ؟!    مطوفي حجاج الدول العربية الشريك الاستراتيجي لإكسبو الحج 2025    هل أنت شخصية سامة، العلامات والدلائل    المستشفيات وحديث لا ينتهي    7 تدابير للوقاية من ارتفاع ضغط الدم    14700 إصابة بجدري القردة في إفريقيا    تقديم الإغاثة لتخفيف معاناة الشعب السوري مطلب دولي    وزير الخارجية ووزيرة خارجية ألمانيا يبحثان تعزيز العلاقات الثنائية    انعقاد أعمال اجتماع الطاولة المستديرة الوزارية للرؤية السعودية اليابانية 2030 في الرياض    "الحج والعمرة" توقّع اتفاقية ترتيب شؤون حجاج دولة الكويت لحج 1446ه    4659 زيارة منزلية للمرضى في 2024    جامعة الملك فهد للبترول والمعادن توقع 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم    ضبط مواطن مخالف لنقله حطباً محلياً في منطقة المدينة المنورة    وزير العدل يبحث مع المنسق المقيم للأمم المتحدة سبل تعزيز التعاون    آل بن محفوظ يستقبلون المعزين في فقيدتهم    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الأميرة فهدة بنت فهد بن خالد آل سعود    مباحثات دفاعية سعودية - أميركية    «هيئة هلال نجران» تتلقى 12963 بلاغاً خلال عام 2024    أمير الرياض ونائبه يعزي وزير السياحة في وفاة شقيقته    أمير الرياض يستقبل سفير كينيا المعين حديثًا لدى المملكة    أمير الشرقية يطّلع على التقرير السنوي للهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين    تجربة استثنائية لمشاهدة أسرار مكة والمدينة في مهرجان الخرج الأول للتمور والقهوة السعودية    المياه الوطنية تشرع في تنفيذ حزمة مشاريع لتطوير الخدمات البيئية بجدة ب42 مليون ريال    جدل بين النساء والرجال والسبب.. نجاح الزوجة مالياً يغضب الأزواج    «سلمان للإغاثة»: تنفيذ مشروع تشغيل بنك الدم الوطني في الصومال    أمير القصيم يشكر المجلي على تقرير الاستعراض الطوعي المحلي لمدينة بريدة    الزمن القديم    الديوان الملكي: وفاة والدة صاحبة السمو الملكي الأميرة فهده بنت فهد بن خالد بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود    القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ارمان ماتلار وتاريخ أفكار الغرب واستراتيجياته
نشر في الحياة يوم 30 - 07 - 2000


Mattelart Armand
-La Communication Monde.
الاتصال المعولَم.
Paris. Dژcouverte,
1999
.359 Pages
يلعب الجامعيون في الغرب دوراً يشبه دور المنارات في بعض الأحيان، لكونهم يسهمون في مواكبة الظاهرات المعيشة والراهنة بتأصيلها في تاريخها اليومي، منذ نشأتها. فأرمان ماتلار هو من هذا الصنف تحديداً، حيث انه يبدأ بترصّد العولمة في طورها الجنيني، عندما كانت لا تزال بعدها ظاهرة داخلية، تخصّ العالم الغربي وأفكاره واستراتيجات اهله ومجتمعاته في تعاطيهم مع الشأن السياسي والاقتصادي والاعلامي.
ولمزيد من الدقة وبهدف عدم الغرق في هذا الكمّ الهائل من الشؤون التي ترتبط بالعولمة، فإنه يقوم بتحديد مجاله، في هذا الكتاب، الذي يحصره في علاقة العولمة بالاتصال.
يلاحظ الباحث الفرنسي، بادئ ذي بدء، ان في طليعة وسائل الاتصال جاء التلغراف الذي ارتبط انتشاره، لفترة طويلة، بالحرب. فبهدف متابعة أخبار جبهات الحرب في شمال البلاد، كانت حكومة الثورة الفرنسية قد لجأت الى تنظيم أول شبكة تلغرافية بشرية بين مدينة ليل، في الشمال، والعاصمة باريس. وكانت تفترض هذه الشبكة وجود سلسلة محطات ثابتة، على امتداد هذا الخط، تقوم بتأمين تواصل هذا الاتصال.
فالاستخدام الأول لهذا النوع جاء حكومياً وسياسياً في فرنسا عام 1791. ولم تشذ بريطانيا عن القاعدة ولا الولايات المتحدة الاميركية في القرن الذي تلا. قامت بريطانيا بحصر استخدام التلغراف بالأجهزة العسكرية مستثنية فقط من هذه المعادلة لعبة اليانصيب الوطنية التي كانت تدرّ على الخزينة أموالاً كبيرة وكانت تُعلن نتائج سحوباتها وتُعمَّم بسرعة عبر التلغراف.
أما في الولايات المتحدة فارتبط أيضاً اتساع شبكة التلغراف بتنامي واتساع رقعة الحرب الأهلية 1861 - 1865، حيث ان غرض التواصل الأول كان عسكرياً. كذلك شهدت شبكة السكك الحديد اتساعاً كبيراً مع الحرب الأهلية، إذ وضعها قادة الجيش الشمالي في صميم استراتيجيتهم العسكرية لمحاصرة وتدمير القوى الحية في جيش الجنوب، صاحب المشروع الانفصالي.
انسحب بعدها، في زمن السلم، استخدام هذه الشبكة الاتصالية من المجال العسكري الصرف الى المجال الاعلامي والسياسي. ولكن تحت اشراف الاجهزة السياسية الرسمية التي أوعزت غير مرة، في فرنسا وبريطانيا والمانيا والولايات المتحدة، الى وكالات الأنباء بضرورة الاقتداء بسياسة الدول التي تنتمي اليها. الأمر الذي أدى لاحقاً الى تنسيق دائم واستفادة مشتركة بين القطاعين الاعلامي الرسمي والخاص.
فالقطاع الخاص من خلال وكالات هافاس الفرنسية ورويتر البريطانية ووولف الالمانية وأسوشييتد برس الاميركية بدأ منذ منتصف القرن التاسع عشر بضبط ايقاعه على سياسة القطاع العام، خصوصاً بعد الضجة الواسعة التي أحدثتها جريدة "تايمز" البريطانية اثناء تغطيتها لحرب القرم والتي أُنشئ لها أول كابل بحري للاتصالات بين بريطانيا وجزر اليونان والبحر الأسود.
فغدت بعدها وكالات الأنباء أجهزة اعلامية شبه رسمية، تتابع الشأن السياسي العام ولكن من خلال فيلترات مصافي "الغرفة السوداء" للرقابة التي حرصت كل دولة على وضعها. وقد أفضى هذا التناغم القسري بين الاعلام الخاص والاعلام العام الى ترويض تدريجي للقطاع الأول والى استفادة أكبر من القطاع الثاني. بحيث أنه، في ختام لمخاض استغرق نصف قرن من الزمن تقريباً، جاء انشاء أول وزارة للاعلام في العالم، في بريطانيا في شباط فبراير 1918، على نحو يعبّر عن هذه التجربة الداخلية الطويلة، إذ عُيِّن لورد بيفر بروك، صاحب جريدة "دايلي اكسبرس"، وزيراً للاعلام، يعاضده، على رأس إحدى الدوائر في الوزارة، الكاتب الشهير روديارد كيبلينغ، وفي دائرة أخرى أيضاً، صاحب جريدتي "دايلي مايل" و"ايفنينغ نيوز".
فهذا التناغم البنيوي لم يحصل تلقائياً ولا بشكل طبيعي، بل انه جاء نتيجة لتجارب انطلقت من رؤيتين مختلفتين للشأن الاعلامي، ضُبِطت لاحقاً تحت سقف واحد، بعد ايجاد صيغة المصلحة المشتركة الفعلية لكل من هذين القطاعين. وتجدر الاشارة هنا الى أن سياسة الاعلام، كما تأسست عليها في بريطانيا آنذاك، قبل أن تنتشر في التجارب الأوروبية والأميركية الأخرى، والتي ترتدي لذلك طابعاً تأسيسياً، كانت قد بُنيَت على قاعدة خارجية. أي ان وزارة الاعلام تهتم بنشر اخبار الحكومة خارج البلاد بشكل رئيسي، تاركة المجال الداخلي للقطاع الخاص.
فعلى هذه القاعدة قام الاعلام المعولم الأول الذي وضع نصب عينيه مصلحة القوة العظمى السياسية التي كان ينتمي اليها ويعمل لها. علماً أن القاعدة لم تتغيّر لاحقاً في شكلها العام غرباً.
وهنا نقطة أولى يجدر التوقف عندها، تخصّ المسار المعكوس لهذه المعادلة في بلدان العالم غير الغربي ومنها العالم العربي والذي لا يأتي على ذكره هذا الكتاب الرصين.
فوزارات الاعلام عندنا لم تُقَوْلَبْ على قاعدة الاتصال الخارجي، بل على قاعدة التوجه لجماهير الداخل، انطلاقاً من استراتيجيات سياسية مختلفة. ومهمة التنقيب عن هذا الوجه من حياتنا السياسية العامة، كما عن كل تفاصيل مسار الاتصال في البلدان العربية، ملقاة على أكتاف الجامعيين العرب الذين لم يشرعوا بعد في عملية تأصيل مسائل الاتصال العربي، كما جاءت في تجلياتها التاريخية الميدانية والتفصيلية، على نحو ما قام به أرمان ماتلار في ما يخص التجربة الغربية.
كما يكشف الباحث الفرنسي عن أنه، بعد تصفية مشكلة التنسيق بين القطاعين العام والخاص في المجال الاعلامي، انتقل الأمر الى التلاعب بهذا الاعلام. فقامت عندها تقنيات الدعاية السياسية أو البروباغاندا المبنية على وسائل الاتصال الحديثة - آنذاك. فبهدف اقناع الصين بالانضمام الى التحالف المعادي لألمانيا يقوم ضابط بريطاني، وهو الجنرال شارتريز بالتلاعب بصورتين وُجِدت بحوزة سجين الماني عام 1917. فوضع على الأولى وهي لجنود بريطانيين يُسحبون للدفن في مقبرة جماعية تعليقاً يصح في الواقع للثانية وهي لجثث أحصنة كان يتم سحبها لإرسالها الى مصانع الزيت والصابون، لاستخراج زيوتها. فأرسلت صور الجنود البريطانيين تحمل التعليق الآتي: "جثث لجنود بريطانيين يسحبها الألمان الى الخطوط الخلفية لإعادة تصنيعها في مصانع استخراج الزيت والصابون". وقد جنّ جنون القادة الصينيون عند تأملهم لها، إذ انهم كانوا ينطلقون من مبدأ ثقافي راسخ عندهم يقول بضرورة احترام الموتى، مهما كان الأمر، فانضمّوا مباشرة بعدها الى الحلف المعادي لألمانيا من دون تردد.
بين الحربين العالميتين اتسع دور وسائل الاتصال التجاري. فحال الحرب كان لها منطقها العسكري والسياسي الخاص، بينما تتميز حال السلم بأنها تفسح المجال أكثر لوسائل الاتصال لأغراض اقتصادية وتجارية. فخرج عندها دور التلغراف والبرنامج الاذاعي والصحيفة والمجلة من حلقة السياسة الداخلية والمغلقة، الى حلقة الاتصال الخارجي والمفتوح. ومن هنا يعتبر ماتلار ان العولمة قد انطلقت بكل طاقاتها غداة انتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث اندفع المنتصرون نحو بقاع الأرض كافة لغزوها اقتصادياً، مدخلينها في شبكة جديدة من الاتصال بات وقودها سياسياً واقتصادياً، بعدما كان سياسياً وعسكرياً.
من أبرز الأمور التي يتوقف عندها ماتلار أيضاً، مبادرة الاميركيين اثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها لاستخدام الانتروبولوجيا وعلم النفس والتحليل النفساني لابتكار تقنية حرب جديدة عُرفت لاحقاً بالحرب النفسية. فعلم الانتروبولوجيا قد سمح مثلاً للجيش الاميركي أثناء حربه ضد اليابان ببناء استراتيجية متكاملة للحرب النفسية قامت، من جهة، على تقويض معنويات الجنود اليابانيين، ومن ناحية أخرى، على المحافظة على فكرة التواصل في ما يتعلق بشؤون البنية الاجتماعية اليابانية التقليدية.
يتابع الباحث الفرنسي توغّله في آليات الاتصال والاعلام وصولاً الى نظرية "الادارة الحكومية للرأي العام" التي كان قد وضع أسسها الاميركي هارولد لاسويل، فعاد فريق من الأخصائيين المرتبطين بالمؤسسة العسكرية الاميركية بإعادة تأهيلها.
وتقوم هذه النظرية على ضرورة التحكم بآليات الوعي عند كل الناس، داخل البلاد وخارجها، وصولاً الى توحيدها في إطار رأي عام متنوع الحساسيات ولكن موحد الفهم للشأن السياسي العام. ومن هذا المنطلق يتوقف أيضاً ماتلار عند حرب الخليج 1990 التي توّجت مفهوماً جديداً للحرب هو مفهوم "حرب الاتصال"، كان قد بدأ تطبيقه الأول اثناء حرب الملوين 1982 بين بريطانيا والارجنتين .
وحرب الاتصال هذه إنما تقوم على السيطرة الكاملة من قبل الأجهزة العسكرية على شبكات الاعلام المنتجة لأخبار هذه الحرب. بحيث ان الرأي العام لا يعلم عما يجري شيئاً محدداً. كما تقوم حرب الاتصال على الاخراج الاعلامي للحرب، من خلال اظهار الاميركيين مثلاً لذكاء أسلحتهم وتفوّقها على أرض المعركة صواريخ تحتوي على أجهزة كومبيوتر ذاتية، والتحكم بالأسلحة عبر الأقمار الاصطناعية، الخ من خلال تفوّق الأخصائيين بالعلوم المعلوماتية عندها، لا بتفوّق جنودها في ميدان المعركة.
كما يحتوي كتاب ماتلار على أوجه أخرى للاتصال المعولم لها علاقة بالثقافة، وهي في رأيه، خشبة الخلاص الحقيقية لعولمة الاتصال، إن اراد فعلاً الافرقاء المعنيون بهذه الظاهرة الولوج الى عصر انساني جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.