على رغم التطرف الذي عبرت عنه كلمات بعض النواب وكتابات بعض المعلقين في الاردن، يأخذ الجدل الدائر حول الهوية الوطنية في ظل مفاوضات الوضع النهائي منحى ايجابياً. فحكومة رئيس الوزراء علي ابو الراغب الليبرالية تبدو اليوم اكثر انسجاماً مع الشارع السياسي الاردني في موقفها تجاه المسألة الفلسطينية بأبعادها المختلفة، واكثر تفهماً للتداعيات المحتملة للتسوية النهائية. ولأن الحكومة نفسها جاءت بأشخاصها ممثلة لمختلف الاطياف السياسية الوطنية والقومية والاسلامية، فإن هناك ارتياحاً كبيراً على الصعيد الشعبي بدأ ينعكس ايجاباً على الوضع الاقتصادي كما يبيّن بعض المؤشرات. هذا الارتياح، الذي عبر عن نفسه بالثقة غير المسبوقة التي حصلت عليها الحكومة في مجلس النواب، يعود في الدرجة الاولى الى شعور عام بأن الشعارات المرفوعة من اجل المساواة بين المواطنين، بغض النظر عن اصولهم ومنابتهم، قد تجد اخيراً طريقها الى التنفيذ على ارض الواقع. فإلى جانب خطاب سياسي عقلاني عبّر عنه البيان الوزاري، استجابة للتوجيهات الملكية، التزمت الحكومة وضع آليات لضمان العدالة والمساواة في التعيينات على اساس من الكفاءة والاقتدار، وضمان استقلال السلطة القضائية الى جانب نيتها تعديل قانون الانتخاب بهدف تحقيق التمثيل النسبي الحقيقي لمختلف شرائح المجتمع الاردني. هذه الاجراءات، الى جانب قرار اطلاق حرية التعبير وتعزيز الشفافية من خلال خصخصة الاعلام الرسمي، تشكل في حال تنفيذيها نقلة نوعية كبيرة على صعيد تطوير العملية الديموقراطية في المملكة الرابعة. ولعل من ابرز التحديات التي تواجهها الحكومة الحالية، التي ورثت تركة سياسية ثقيلة من سابقتها، انهاء حال الفصام بين الشعارات والواقع، وردم الهوة بين الوعود والانجازات، علماً بأن احداً في الاردن لا يتوقع تحقيق المعجزات. لكن توافر الارادة السياسية العليا، معطوفاً على الاستعداد لوضع آليات التغيير المنشود، يظهر جدية افتقرت اليها حكومات سابقة. وفي هذا السياق، فإن التفاؤل الحذر الذي يسود الشارع الاردني، حتى لا نقول اللامبالاة، يعتبر امراً مشروعاً في ضو الاخفاقات المتكررة السابقة التي اثبتت ان توافر النية ليس كافياً لتحقيق الاصلاح السياسي. ولهذا فإن الاسراع في التنفيذ كفيل بإزالة الشكوك بإمكان احداث تغيير حقيقي. وقد يكون من المفيد التذكير بأن تحقيق السلم الاجتماعي والاجماع الوطني لا يعني ابداً الحصول على موافقة الجميع على كل خطوة في برنامج الاصلاح الطموح، او ارضاء جميع الاطراف والتيارات. بل ان تنفيذ هذا البرنامج يعني بالضرورة مواجهات وصدامات سياسية عنيفة مع القوى المناوئة للاصلاح ومراكز القوى المرشحة للتضرر من جرائه. وعليه، فإن المتوقع هو ان تبادر الحكومة الى وضع آليات التغيير في مكانها، مسلحة بتأييد كبير من القصر والشارع، من اجل خوض معركة الاصلاح التي سيكون لها كلفة سياسية كبيرة عليها ان تكون مستعدة لدفعها. مشكلة الاصلاح الاقتصادي الذي تم تحقيقه حتى الآن في الاردن هو في انه افتقر منذ اطلاقه الى غطاء سياسي يمكن ان يعطيه صدقية في الداخل والخارج وعمقا نفسيا يحشد الدعم الشعبي من وراءه. اليوم، ينتظر الاردنيون الخطوة الاولى لمعالجة هذا الخلل.