جاء كلام العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عن نيته اجراء تغييرات شاملة بعد عودته إلى بلاده من جولته الآسيوية، مثيراً للتفاؤل بانطلاقة جديدة يقودها الملك لاجراء اصلاحات داخلية تتماشى مع توجهاته التحديثية. إذ أنه في مقابل النجاحات التي حققها القصر على صعيد العلاقات الاقليمية والدولية، كان الأداء الحكومي في الداخل مخيباً للآمال من جهة الحاجة إلى تعزيز الديموقراطية والوحدة الوطنية وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، ومثيراً للإحباط على صعيد ضرورة الإسراع في وتيرة الاصلاحات الاقتصادية. وإن كانت حكومة الروابدة حققت أية انجازات خلال المرحلة الماضية، فإن أغلبها تحقق بسبب تدخل الملك شخصياً لتمرير تشريعات اقتصادية إصلاحية بدت الحكومة وكأنها تقاومها! بعد انتهاء الملك من جولاته العربية والدولية التي اختتمها في الصين، التي استهدفت التعرف على قادة العالم وتعريفهم بتوجهات المملكة الرابعة، يتطلع الأردنيون إلى مزيد من التركيز على الوضع الداخلي في شكل يحقق طموحات العهد ويسرع من وتيرة الاصلاحات السياسية والاقتصادية المنشودة. إذ لا يجوز ان يظل كلام الملك عن ضرورة تحقيق المساواة بين المواطنين بغض النظر عن أصولهم ومنابتهم بعيداً عن التطبيق على أرض الواقع. فالمساواة لا تتحقق بمجرد التأكيد عليها، وهي بحاجة إلى تشريعات من أهمها تعديل قانون الانتخابات في شكل يحقق المساواة على أرض الواقع. كما أن التغيير لا يمكن تحقيقه من خلال أدوات وآليات تنفيذية تتناقض معه وتقاومه. فهو بحاجة إلى من هم مقتنعون بأهدافه ومن هم مستعدون للدفاع عنه في شكل مؤسسي، مهما كان الثمن المدفوع مرحلياً في سبيل مستقبل أفضل للأردن والأردنيين في العقد المقبل. لا شك ان عقد الديموقراطية الأردني 1989-1999 كشف مدى حاجة الأردن إلى التغير سياسياً واقتصادياً كي يكون أكثر انسجاماً مع واقعه الاجتماعي والديموغرافي. ولا يعقل أن تظل عملية الاصلاح والتحديث من أجل أردن المستقبل رهينة بانتظار نتائج التسوية النهائية التي قد تأخذ عشرين عاماً، على افتراض وصولها في النهاية إلى نتائجها المنطقية المنشودة. ومن السذاجة الاعتقاد بأن الأردنيين من أصل فلسطيني سيحزمون حقائبهم وينتقلون إلى الضفة الغربية وقطاع غزة بمجرد إقامة دولة فلسطينية مستقلة. فغالبيتهم العظمى ولدوا في الأردن ولا يعرفون وطناً غيره، وقرروا اتخاذ الأردن وطناً نهائياً لهم، ناهيك عن عدم قدرة الدولة الفلسطينية على استيعاب عائدين من الخارج في الوقت الذي لا تكاد تستطيع تلك الدولة استيعاب من هم على أرضها بسبب شح المياه والموارد وضعف البنية التحتية وغيرها من الأسباب الموضوعية. يعرف الملك عبدالله ان ابقاء ما يقرب من نصف الأردنيين خارج نطاق المشاركة الفاعلة والكاملة في الحياة السياسية في المملكة، بمختلف جوانبها، لن يسمح بتحقيق النقلة النوعية التي يمكن لها أن تحقق الانطلاقة الاقتصادية المطلوبة. فإما ان ينهض النسر الأردني بجناحيه معاً، أو لا ينهض.