إقرار هيئة اردنية مكلفة تحويل مدينة العقبة الى منطقة اقتصادية خاصة بحوافز ضريبية وجمركية كبيرة يمكن اعتباره خطوة جريئة وكبيرة من حكومة رئيس الوزراء علي ابو الراغب ضمن الجهود المبذولة لاخراج الاقتصاد الاردني من مأزقه الحالي. فالمشروع الذي سعت الحكومة السابقة الى تعطيله بحجة انه بمثابة "سلخ" للعقبة عن بقية المملكة ونزع للسيادة الوطنية عليها، واجه بعد تشكيل الحكومة الجديدة مقاومة هائلة من البيروقراطية المتخندقة والحرس القديم، والقوى المناوئة للإصلاح. إلا ان حكومة ابو الراغب، التي ستكون امضت مئة يوم في الحكم هذا الاسبوع، اثبتت انها قادرة علي ان تعمل بصمت وهدوء لإقرار استحقاقات الاصلاح الاقتصادي من دون مواجهات غير ضرورية مع احد. ورغم ان المشروع لن ينطلق فعلياً قبل الاول من كانون الثاني يناير 2001، وهو معرض لمواجهة مزيد من المشاكل خاصة على صعيد تغيير العقلية البيروقراطية الحكومية في التعامل مع المستثمرين، إلا ان فكرة إقامة منطقة اقتصادية خصوصاً من هذا النوع لا بد ان تضع المملكة في مصاف الدول الجاذبة للإستثمار في المنطقة. الأهم من هذا الانجاز الاقتصادي هو توافر الارادة السياسية لدى الحكومة، بدعم واضح من الملك عبدالله الثاني الذي كان أوكل الى ابو الراغب هذه المهمة حتى قبل تكليفه تشكيل الحكومة، اي عندما كان رئيسا للجنة المالية في مجلس النواب. ولعل الاتفاقات التي وقعتها شركات عدة لإقامة مشاريع سياحية استثمارية في العقبة حتى قبل افتتاح المشروع، تعطي مؤشرا الى الامكانات المتاحة لجذب استثمارات ضخمة في وقت قياسي. فالدراسات المتوافرة تشير الى ان المنطقة الخاصة مرشحة لجذب ستة بلايين دولار في قطاعات السياحة وتكنولوجيا المعلومات والنقل والصناعة والتجارة والخدمات، وهو ما يتوقع له ان يخلق 70 الف فرصة عمل جديدة، وان يضاعف معدل دخل الفرد في المملكة بحلول عام 2020. إلا ان هذا المشروع وحده لن يكون كافياً لحل المشاكل الهيكلية المستعصية في الاقتصاد الوطني، والتي تتطلب الاستمرار في عملية الاصلاح في مختلف القطاعات، وبخاصة بعد انضمام الاردن الى منظمة التجارة العالمية، واتفاق التجارة الحرة المقرر ابرامه مع الولاياتالمتحدة منتصف الشهر الجاري. فالاردن بحاجة الى رفع معدل النمو الاقتصادي الى اعلى من نسبة ثلاثة او اربعة بالمئة الحالية، والتي تكاد تساوي معدل النمو السكاني، حتى يتمكن من البدء بحل مشاكله الاقتصادية. وقد يكون من المفيد ايضاً الا تنسى الحكومة ايضا تنفيذ برنامجها للاصلاح السياسي، جنباً الى جنب مع الاصلاح الاقتصادي، علماً بأن تحسن الوضع الاقتصادي يعزز من فرص نجاح برنامج الاصلاح السياسي، كما يساعد الانفتاح السياسي على احتواء التداعيات السلبية الانتقالية للإصلاح الاقتصادي. صحيح ان الحكومة الاردنية تبدو وكأنها تفتقر الى القدرة على حشد التأييد لها في الشارع وتعبئة الرأي العام من وراء برنامجها الاصلاحي. غير ان هذا الاسلوب الهاديء يبدو بأنه نجح ايضاً في تحييد المعارضة لهذا البرنامج، اقله حتى الآن. وعلى اي حال، فالامور تقاس بنتائجها، وما تم تحقيقه حتى الآن، بعد مئة يوم من تشكيل الحكومة، لا يمكن التقليل من اهميته.