الأسهم الأوروبية تغلق على تراجع    أمير تبوك: نقلة حضارية تشهدها المنطقة من خلال مشاريع رؤية 2030    الفالح: المستثمرون الأجانب يتوافدون إلى «نيوم»    برئاسة ولي العهد.. مجلس الوزراء يقرّ الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2025م    السعودية وروسيا والعراق يناقشون الحفاظ على استقرار سوق البترول    مغادرة الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    الملك يتلقى دعوة أمير الكويت لحضور القمة الخليجية    الهلال يتعادل إيجابياً مع السد ويتأهل لثمن نهائي "نخبة آسيا"    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    «فقرة الساحر» تجمع الأصدقاء بينهم أسماء جلال    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    الأسبوع المقبل.. أولى فترات الانقلاب الشتوي    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    مبدعون.. مبتكرون    ملتقى الميزانية.. الدروس المستفادة للمواطن والمسؤول !    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف النار    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    قمة مجلس التعاون ال45 بالكويت.. تأكيد لوحدة الصَّف والكلمة    7 آلاف مجزرة إسرائيلية بحق العائلات في غزة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    حوادث الطائرات    حروب عالمية وأخرى أشد فتكاً    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    الرياض الجميلة الصديقة    هؤلاء هم المرجفون    المملكة وتعزيز أمنها البحري    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    حملة على الباعة المخالفين بالدمام    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    جمعية لأجلهم تعقد مؤتمراً صحفياً لتسليط الضوء على فعاليات الملتقى السنوي السادس لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمل اللواء خالد نزار مسؤولية الأزمة وبرأ بن جديد . بوخمخم ل "الحياة" : العفو الشامل خيار أساسي لطي ملف الأزمة الجزائرية
نشر في الحياة يوم 16 - 07 - 2000

طالب الشيخ عبدالقادر بوخمخم الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بإصدار عفو شامل لطي ملف الأزمة الجزائرية. واعتبر، في حديث الى "الحياة"، ان عدم اعتماد وزارة الداخلية حركة الوفاء مساس بالدستور، واصفاً تصريحات وزير الداخلية السيد زرهوني بالاستفزازية.
وتحدث بوخمخم المقرب من الشيخين عباسي مدني وعلي بلحاج ومستشار امير "الجيش الاسلامي للانقاذ" الشيخ مدني مرزاق، طويلاً عن مرحلة الرئيس السابق الشاذلي بن جديد مقارنة بمرحلة بوتفليقة.
وحمل اللواء خالد نزار مسؤولية الأزمة التي آلت اليها البلاد وانتقد مذكراته معتبراً إياها "شهادة مزيفة". وهنا وقائع الحديث:
ما رأيك في ما أعلنه وزير الداخلية السيد زرهوني في شأن حركة الوفاء التي تعد في نظره "الجبهة الاسلامية للانقاذ"؟
- يعبر السؤال عن مدى تدني المستوى السياسي والنظرة الأفقية الاحادية لمعالجة القضايا السياسية التي تنجم عن حركية المجتمع، إذ ان قضية "حركة الوفاء" التي يتزعمها أحمد طالب الابراهيمي تعد من أبرز القضايا السياسية الساخنة على الساحة السياسية والاعلامية في المدة الأخيرة في الجزائر. فتصريحات وزير الداخلية المنسوبة اليه في هذا الشأن لا تدع مجالاً للشك والتردد في أن يقول المرء، أياً يكن موقعه، ان هذه العقلية هي نفسها التي حكمت البلاد خلال العشرية الماضية. ومع انه لم يشر فيها الى موانع قانونية، أو نقائص في الملف الاداري، لجأ اليها ليرفض توقيع اعتماد هذه الحركة السياسية التي استوفت شروطها القانونية والدستورية. وإنما أشار فقط الى أن اعتمادها يعتبر بمثابة إعطاء ترخيص بعودة "الجبهة الاسلامية للانقاذ" المحظورة في نظر السلطات. وأقول للسيد الوزير، حتى لا يتعب نفسه ويتعب غيره معه، ان حركة الوفاء لم تكن هي الجبهة الاسلامية للانقاذ وليست بديلاً منها وان ما ظهر من تعاطف المناضلين مع الدكتور الابراهيمي في الرئاسيات، يعود الى مواقفه الثابتة ونظرته السياسية الثاقبة لسبل حل الأزمة، وبالتالي لا يمكن التستر وراء ما هو مكشوف وعار. واني اعتبر عدم اعتماد "الوفاء" خرقاً للدستور والقوانين المنظمة للحياة السياسية في البلاد، يؤكد مرة أخرى استمرار سياسة الاقصاء والتهميش. وهذا لا يخدم المصلحة الوطنية، ولا يعكس السياسة التي أعرب عنها رئيس الجمهورية لحل الأزمة، بل يزيد الوضع السياسي، تعقيداً ويمدد عمر الأزمة التي نأمل أن تنتهي في أقرب وقت.
ولكن يبدو أن وزير الداخلية وبعض المسؤولين لم يكتووا بنارها ولم تمسسهم بعد، فهم يعيشون في بروج مشيدة لا يعرفون حتى أسعار المواد الاستهلاكية الضرورية التي تلهب جيوب المواطنين، فضلاً عن ان مثل هذه المواقف والتصريحات جاءت متناقضة تماماً مع ما يدعو اليه رئيس الجمهورية، أي فتح باب الممارسة السياسية أمام جميع المواطنين. ومن ثم كان على الطبقة السياسية في البلاد، أحزاباً وشخصيات، أن ترفض هذا الأسلوب والمنطق المعوجين رفضاً قاطعاً، بل ان التنديد به وبأصحابه والوقوف في وجههم بحزم، واجب حضاري انساني، يفرضه الدستور وقانون البلاد. وتلك التصريحات قد تعمق بعض الخلافات السياسية بين السلطة والمعارضة السياسية، ولا تخدم الا الأطراف الذين يريدون استمرار الأزمة والتفرقة بين الجزائريين.
أما بالنسبة الى الجبهة الاسلامية للانقاذ كمسؤولين نعتقد أنها جزء من تاريخ الجزائر المعاصر ولا يمكن النظر اليها بمنظور اقصائي، لأن الشعب هو الذي منحها ثقته في الانتخابات المحلية في 12 حزيران يونيو 1990، والانتخابات التشريعية في 26 كانون الأول ديسمبر 1991، وان الصراع الحقيقي هو بين السلطة التي تريد انتزاع شرعية حزب في الحكم وتعويضه بمجتمع مدني وأحزاب مفبركة، والدليل أن كل المفاوضات وحتى الاتصالات التي أجريت بيننا وبين الرئيس السابق اليمين زروال أفشلتها القوة المناهضة لقيام ديموقراطية حقيقية تحترم ارادة الشعب في الاختيار بغض النظر عن المتنافسين. والادعاء أن الجبهة الاسلامية للانقاذ قد تجدد من خلال احزاب أو أشخاص، ربما يتقاطعون فكرياً معها، ادعاء باطل لا أساس له من الصحة، لأن قادة الحزب ما زالوا مصممين، كمواطنين أولاً وكمناضلين ثانياً، على العمل السياسي في إطار ما يسمح لهم الدستور وقوانين الجمهورية، ولا نعتقد أن من حق أي جهة أن تحسبنا أو تحسب مناضلي الجبهة الاسلامية للانقاذ على أي جبهة كانت.
ونعتقد أن أولوية الأولويات بالنسبة الى كل مواطن صالح أن يعمل على إخماد نار الفتنة ووقف نزيف الدم، وأن يعيد الثقة بنفسه للنهوض بالجزائر لتكون منارة للحرية والتعددية السياسية. وفي تقديرنا ان الصراع القائم اليوم في بلادنا هو بين مشروعين: مشروع تخريبي تبعي تتبناه قلة قليلة من أبناء جلدتنا ممن تعلموا وتثقفوا على فتات المدرسة الفرنسية، ومشروع عربي اسلامي تتبناه غالبية أبناء المجتمع ممن تربوا على مائدة العروبة والاسلام. وأشهدكم لو أن الاستعمار الفرنسي عاد من جديد لكانت هذه الفئة القليلة المنافقة أول من ترحب به وتقف الى جانبه، وتاريخها معروف لا يخفى على أحد. ولكن يبقى الاختيار بين المشروعين للشعب عبر صناديق الاقتراع النزيه والحر. والدليل الآخر أن الوفد الصحافي الذي زار الكيان الصهيوني أخيراً من دون مراعاة احترام قوانين البلاد، أو مراعاة احترام الشعب العربي الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال، ينتمي الوفد الى اصحاب المشروع الأول الذين اعتمدوا الديموقراطية واختيار الشعب عام 1992.
لكن المعطيات القائمة لا تصب في نهر عودة الجبهة الاسلامية للانقاذ في شكلها المعروف، وهي تعاني انقسامات داخلية حتى بين قيادييها المؤسسين من جهة، اضافة الى موقف السلطة الجزائرية من جهة أخرى، فكيف تعلل ذلك؟
- لا أشاطرك هذه النظرة التشاؤمية لأن المعطيات تشير، الى عودة "الجبهة". إذ لا خيار ولا مفر للجزائر من توظيف كل طاقات أبنائها والتصالح مع الذات. والاقصاء أو التهميش يعد دعماً لأعداء الجزائر. ثم ليطمئن قلبك وقلوب أبناء الجبهة ومناصريها ومحبيها، الى أن ليس فيها انقسامات بالمفهوم والتصور اللذين تروّج لهما وسائل الإعلام. وكل ما في الأمر أن هناك تبايناً وتباعداً أحياناً في وجهات النظر في القضايا المطروحة على الساحة السياسية الجزائرية. وهذا طبيعي جداً ويدل الى حيوية الجبهة وحركيتها.
كيف؟
- أنتم تعلمون ان الإرث الذي خلفته العشرية الحمراء، ثقيل على كواهلنا ولا نحسد عليه، وهو يتجسد في ملفات المفقودين والمساجين وملف ضحايا المأساة الوطنية، وهي ملفات كبرى نأمل بأن تعالج بعيداً من الحسابات والحساسيات المفرطة.
من الطبيعي أن نختلف على طريقة معالجة هذه الملفات، فاعتقادنا ان السلطة أولى بالاهتمام بها فضلاً عن عدم استطاعتنا الالتقاء والتحاور بكل حرية. ونعتقد أن من حق كل طرف أن يطرح وجهة نظره في طريقة معالجة أي ملف له علاقة بقضايا الجبهة. أما بالنسبة الى قيادة الجبهة فلا نعتقد أن أي طرف يمكنه أن يحسبها لنفسه في غياب طرف آخر، خصوصاً أن الشيخين مدني وبلحاج وباقي المساجين والمفقودين لا يزالون يقبعون في السجون، وان من أفرج عنهم لم يستعيدوا بعد حقوقهم السياسية، والبعض الآخر لا يزال في المنفى.
إذاً لا داعي لإعطاء القضية أكثر من حجمها، فهذا لا يؤثر في التوجه العام وفي عملنا مستقبلاً. وكل شيء يمكن علاجه إذا توافرت المعطيات الضرورية. والزمان جزء من العلاج.
لماذا لم تحملوا السلاح على رغم تعرضكم للمظالم؟
- بالنسبة إليّ شخصياً، كعضو قيادي ومناضل سياسي، لا يمكنني أن أفكر في بديل من الكلمة التي أناضل بها، لأنني عندما حملت السلاح حملته ضد الاستعمار الفرنسي الوحشي، وبعد استرجاع السيادة الوطنية، استبدل به النضال السياسي وحتى عندما زج بي عام 1964 في السجن لم أفكر قط في حمله، على رغم ان قادة أحزاب اخرى حملوه وخرجوا الى الجبال عام 1963، فكيف أحمله اليوم؟ ثم ان ليس من حق قادة أي حزب سياسي، أياً تكن المظالم، أن يحملوا السلاح أو يشجعوا على حمله.
لكن من يطلع على أدبيات حزبكم يجد شعاره "المطالبة والمغالبة" وهي تعني عند خصومكم انكم تستعملون القوة في حال عدم استجابة مطالبكم؟
- مفهوم المطالبة والمغالبة مرتبط بتصور سياسي واضح حدد معالمه البرنامج السياسي للحزب المقدم في الانتخابات المحلية والتشريعية. وعندما تمسكنا بحقنا المشروع في مراجعة قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر ولم يستجب، طرحنا ونحن في السجن، فكرة المغالبة، قاصدين بها العودة الى الشعب.
هل تعتقد أن صورة الجزائر اختلفت بين 1992 و2000، وأقصد بالضبط مدة تولي الرئيس بوتفليقة رئاسة الجمهورية؟
- نعم، اختلفت صورة الجزائر، الى حد ما، عما كانت. فقبل مجيء الرئيس بوتفليقة، كانت الأمة تعيش في هلع ورعب أي في لا أمن ولا استقرار وفي خوف من كل شيء. أما بعده، فأول ما أقدم على فعله انه اعطى الشرعية الدستورية والقانونية والسياسية للهدنة التي أعلنها الجيش الاسلامي للانقاذ عام 1997. وهذا بالنسبة الى الشعب الجزائري أمر مهم وايجابي، وقد ثمنته قيادة الجبهة والقوى المحبة للسلام داخل الوطن وخارجه. وأعتقد أن خطوة اعادة الاعتبار الى هذه الشريحة من أبناء المجتمع اضطرتها الظروف القاسية الى حمل السلاح، بداية على طريق تحقيق قانون الوئام المدني والمصالحة الوطنية اللذين سيؤديان الى عودة البلاد الى أمنها وسلامها واستقرارها ونموها، والى المكانة التي كانت لها قبلاً في المحافل الدولية.
اسمح لي أن أتوقف عند جملة "اضطرتهم الظروف الى حمل السلاح"، فهل هناك ما يبرر حمله ضد الأبرياء، أياً تكن الخلافات السياسية؟
- لا يمكن أن يتصور أحد أن حمل أي معارضة مسلحة في العالم سلاحاً، يكون القصد منه قتل الأبرياء. وإنما هناك أسباب وظروف غير طبيعية تحدث بين المتنافسين فيتصلب كل طرف في رأيه، وتتراجع لغة الحوار، ما يؤدي الى وقوع ظلم واعتداء من طرف على آخر، ويجعل الطرف الثاني، المظلوم، يلجأ الى الدفاع عن نفسه بأي وسيلة كانت، كما حدث مع الجبهة الاسلامية للانقاذ. وعادة ما يكون حمل السلاح ضد الأنظمة الحاكمة وليس ضد الشعب والأبرياء. أما ما يرتكب من مجازر فيعد انحرافاً خطيراً في مسيرة تلك الحركة، ويعني الاسراع في نهايتها. المجازر ضد الأبرياء عمل إجرامي وحشي، نددنا به منذ البداية ونتبرأ منه، والارهاب مرفوض ومذموم بكل أشكاله وأنواعه وألوانه، سواء أكان فكرياً أم سياسياً أم بيئياً الخ... فكلنا أبناء الجزائر.
هل أفهم انك تؤيد فكرة العفو الشامل الذي طالب به ويدعو اليه الجنرال محمد عطايلية، وبعض قادتكم، وتلقى رفضاً شديداً من تيارات مختلفة؟
- قضية العفو العام والشامل هي حجر الزاوية الذي يقوم عليه صرح الوئام المدني والمصالحة الوطنية، وهي عمادهما، فإذا لم يكن هناك عفو عام، لا قدر الله، قد تسير نحو الأسوأ وتبقى على ما كانت من قبل، بل أشد. وحينها يعض كل طرف على يديه، والخاسر الأكبر في هذه الحال هو الجزائر. وانطلاقاً من هذا ندعو الى العفو العام الشامل ونعمل من أجل تحقيقه، لأنه هو الوسيلة الوحيدة التي تحقق المصالحة بين الجزائريين. وهذا ما أشار اليه رئيس الجمهورية في كثير من المناسبات، حتى يسود الأمن والاستقرار ويعيش الجميع، على تنوع توجهاتهم السياسية ومشاربهم الفكرية والثقافية والعقدية، في أمن وسلام وهناء.
كيف تدين الإرهاب وقتل الأبرياء وتدعو في الوقت نفسه الى العفو الشامل عن الذين مارسوا هذه الجرائم واغتالوا ما يتجاوز مئة ألف شخص؟
- ثمة شيء من عدم الانصاف والحق في تحميل المسؤولية لطرف دون آخر في الأزمة التي تعيشها البلاد منذ توقيف المسار الانتخابي عام 1992. فالاغتيالات والقتل الجماعي العشوائي، لم تعرف بعد مبررات مرتكبيها ودوافعهم وأهدافهم. وفتح هذا الملف الآن كما تطالب به أوساط سياسية مستترة وراء حقوق الانسان، كمن يحاول اطفاء النار بالبنزين. فالمرحلة ليست للتحقيق أو البكاء على الأطلال، وإنما تتطلب تجند الجميع نحو الهدف المنشود من المصالحة الوطنية والوئام المدني. وطي ملف الأزمة لا يعني نسيان ما حدث، وإنما يحتاج الى بعض الوقت لتلتئم الجراح وتعود الثقة بين أبناء الجزائر المتصارعين الذين من حقهم أن يفتحوا هذا الملف في الوقت المناسب. ومن جانبي أطالب بالتحقيق في المجازر التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر، حتى يتأكد للجيل المقبل ان ما حدث من مآس له علاقة بالأيدي الخفية التي خلفتها فرنسا، وحينها نفتح مثل هذه الملفات ونجري التحقيقات وغيرها من الموضوعات. إذاً لا يعقل أبداً أن يعتقد المرء ويتصور أن انساناً مسلماً يؤمن بالله ويدعو الى كتابه ويعمل لتحكيم شريعته ونشر مبادئه السمحة، يقوم بمثل هذه المجازر من دون مبرر، أو ان سلطة في بلد ما تحترم نفسها وشعبها وتحاول أن تعيد الأمن والسلم الى البلاد، ترتكب مجازر وحشية. وعليه لا بديل من العفو العام والشامل، على الا يستثنى منه سوى مختلسي أموال الدول ومهربيها.
هل يعني أن طي الصفحة موقتاً ثم العودة الى درسها بتفاصيلها، في ما بعد، خيار سياسي لمحاولة اخراج البلاد من أزمتها؟
- فعلاً هذا ما أقصده، لأن التحقيق في مثل هذه القضايا الشائكة يتطلب منا جميعاً التجرد من الأنانية وحب الذات، والترفع عن النظرة الحزبية الضيقة.
كأنني بك تعتبر ان كل الأطراف خرجوا من الأزمة خاسرين؟
- لا يمكن أن يكون جميع الأطراف في الساحة السياسية والاقتصادية والإعلامية وادارات السلطة ، خرجوا خاسرين. فالخاسر في هذه المعركة هو الجزائر وأولئك الذين يحترقون من أبنائها لتبقى في خطها العربي الاسلامي وعلى نهج بيان أول تشرين الثاني نوفمبر 1954.
أما الطرف الآخر المستفيد فوجد ضالته في المآسي التي ألمت بالشعب الجزائري. هو مجموعة من الشيوعيين والعلمانيين والاستنصاليين الفرنكوشيوعيين - علماً انني "استنصالي" - حققوا ارباحاً طائلة ومناصب عليا في أجهزة السلطة ومؤسسات الدولة، لم يكونوا يحلمون بها، ولم يكونوا شيئاً مذكوراً قبل بداية المحنة، لذا ترتفع أصواتهم كلما تجلى في الأفق أمل وظهرت مبادرة، محاولين اطفاءهما وتحويلهما عن الهدف المنشود.
اذا كانت هذه رؤيتكم، لم لا يصدر عن الشيخ علي بلحاج بيان يدعو الى توقيف العنف، كما ناشده الرئيس بوتفليفة؟
- قضية بلحاج يجب فهمها فهماً صحيحاً مجرداً من أي خلفية، وبعيداً من المزايدات في سجن البليدة منذ 30 حزيران 1991، ومعزول في زنزانته، عاش أربع سنوات محروماً حتى رؤية أبنائه وذويه، الى أن تدخل رئيس الجمهورية شخصياً للتخفيف عنه والسماح لهم بزيارته، فضلاً عن انه لا يعرف ماذا يقع خارج السجن. والسجن إكراه ولا مسؤولية لمكره. فلست ادري كيف يطالب سجين، بعيد عما يحدث، بكتابة وثيقة يمتنع فيها عن ممارسة العمل السياسي ويوقع على بياض وهو بين جدران أربعة. المنطق السليم والبسيط يقول بإطلاق المسجون أولاً ثم ننظر في ماذا يفعل، ومن حقنا بعد ذلك أن نحكم له أو عليه.
ما أعرفه عن الشيخ علي أنه لا يتوانى عن اتخاذ الموقف في الوقت المناسب، إذا اتضح له وعرف الحقيقة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالدماء ومصير الوطن ومؤسسات الدولة.
هل نستطيع أن نحمل جهة في السلطة مسؤولية ظهور المعارضة الاسلامية المسلحة؟
- هناك خلاف وقع في البلاد عامي 1991 و1992، عندما اعتقلت السلطات الحاكمة آنذاك من دون تقدير للعواقب، قادة الجبهة الاسلامية للانقاذ لتصبح جسداً بلا رأس يسهل تفكيك اعضائه. ولكن حدث ما لم يكن في حسبان من أقدموا على هذه الفعلة الشنيعة.
فإعطاء الأوامر للجيش الوطني الشعبي بإطلاق الرصاص على المتظاهرين في الساحات العمومية وإلغاء نتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية ورحيل رئيس الجمهورية المنتخب الشاذلي بن جديد وتعطيل العمل بالدستور ثم اقرار العمل بالاحكام العرفية والزج بعشرات الآلاف من أبناء الجزائر في المحتشدات وحل المجالس المحلية المنتخبة... كانت السبب المباشر في تأزم الوضع وإشعال نار الفتنة، ويتحمل المسؤولية الكاملة الجنرال خالد نزار بحكم كونه وزير دفاع آنذاك، وهو من أعطى الأمر في كل ما سبق ذكره. وهذا ما أورده في مذكراته معترفاً به.
وعندما وجد شباب "الجبهة" بادرة من الخير والأمن ولمسوا أن هناك صدقاً في الطرح، أعلنوا الهدنة ووقف المواجهات القتالية من جانب واحد، ثم استجابوا، مرة أخرى ومن دون تردد حفاظاً على دماء الجزائريين، قانون الوئام المدني وتخلوا عن السلاح نهائياً وعادوا الى بيوتهم من دون أن يمسسهم سوء. إذاً، فاستعمال مصطلح المعارضة المسلحة في خطاباتنا وتصريحاتنا السياسية له ما يبرره، ومن ناحية أخرى يعبر صدقاً عن أن أصل المشكلة سياسي لا أمني أو ارهابي كما تدعي المجموعة الانقلابية.
هناك شخصيات سياسية كتبت في مذكراتها ان ثمة حواراً قام بين الجبهة الاسلامية للانقاذ في الجزائر وكبار المسؤولين في فرنسا، وأكدت ان الاشتراكيين في باريس كانوا يؤيدون الجبهة، وصدموا عندما لم تتح لها فرصة الوصول الى سدة الحكم؟
- ما يتردد في هذه القضية مجرد افتراء وأكاذيب وأقاويل لتضليل الرأي العام الوطني وإبعاده عن حقيقة ما يدور على أرض الواقع، في محاولة للتشكيك في صدقية الجبهة ونزاهتها، باتهامها ان هناك يداً خارجية تدعمها، ولتسليط الضوء عليها، لأنهم لم يهضموا بعد الهزيمة التي ألحقت بالتيار الفرنكوشيوعي، الغريب عن الديار الجزائرية، وأفزعهم الانتصار الذي حققته الجبهة في الانتخابات، ما جعلهم يلجأون الى وسائل المكر والكيد والكذب والخداع.
أراك تحاول كثيراً أن تعفي الرئيس الشاذلي بن جديد من مسؤوليته أمام الناس والتاريخ؟
- في الحقيقة لم أكن من رجالات الشاذلي بن جديد لكي أدافع عنه وعن نظامه وطريقة تسييره، ولكن من الانصاف أن يذكر الرجل بإيجابياته وسلبياته. فهو في نظري أبو الديموقراطية ليس في الجزائر وحدها، وإنما في العالم العربي، لأن ما أقدم عليه، لم يقدم عليه غيره من الرؤساء والحكام في أي دولة عربية الى الآن.
كيف؟
- اطلعتم، بلا شك، على مضامين دساتير الدول العربية التي تحظر تأسيس حزب سياسي على أساس ديني، إذ تقرأ هذه المادة قراءة غير صحيحة وسليمة، وتفسر تفسيراً كنسياً غريباً عن ثقافتنا العربية الاسلامية. فالشاذلي بن جديد أدرك بفطرته وعقيدته الاسلامية وبحسه الوطني السليم ان الاسلام ليس روحانياً فقط، وإنما هو نظام شامل ومنهج حياة دين ودولة، ويربط الناس بخالقهم فيبتعدون عن الفواحش والمنكرات، ودولة تعز وتحترم مواطنيها وتسهر على راحتهم ومعاشهم وحمايتهم من الأعاصير والتقلبات التي قد تحدث سواء من الداخل ومن الخارج، وبذلك تقوم الثقة بين الحاكم والمحكوم. وفي ضوء هذا المفهوم الصحيح أعطى الرئيس بن جديد الاعتماد الرسمي للجبهة الاسلامية للانقاذ. لكن اطرافاً في السلطة لم يغفروا له ذلك، الى أن أطيح من رئاسة الجمهورية، واعتبروه تعدياً على الدستور.
لكن الديموقراطية ليست فوضى ولا تمهيد الطريق للاضطرابات حتى نغرق الأزمة في الأزمات؟
- لا أعتقد أن الديموقراطية التي تدافع عنها لباس يفصله كل بحسب مقاسه، أو ديموقراطية للإلحاد والتكالب على المعاصي وإباحة الفسق والفجور، ونشر الفساد بين أفراد المجتمع، لست من الذين يصبون غضبهم على الرئيس بن جديد ويحملونه مسؤولية كل ما حدث من فوضى واضطرابات، وما وصلت اليه البلاد تحت ذريعة أنه سمح لأكبر شريحة في المجتمع بالتعبير عن رأيها في الشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية الخ، مثل الشرائح الأخرى فيه، ثم أكد سلامة فطرته عندما أعلن في ندوة صحافية بعد الانتخابات التشريعية عام 1992 انه قادر على التعايش والتلاؤم مع من أعطاهم الصندوق الغالبية، وانه يحترم ارادة اختيار الشعب. إذاً من فجر الفوضى والعنف في البلاد وجعل من الديموقراطية مأرباً لطموحاته ونزواته ومطية للوصول الى السلطة، أهو من قال "اني أحترم ارادة الشعب" أم من اعتدى على الشعب وحرمة اختياره؟
بين السياسيين والمجتمع المدني من يقول ان الجبهة الاسلامية للانقاذ استخدمت الديموقراطية لضرب الديموقراطية في الجزائر وقتلها، ما رأيك؟
- لك الله أيتها الديموقراطية المظلومة، أصبح ظلم الأقوياء والضعفاء وقتل العزّل الأبرياء ونقض العهود والمواثيق والتعدي على الدستور والقوانين وعدم التزام اختيارات الشعب ديموقراطية. أما مقولتك عن "الجبهة" فلا يصدقها الواقع. إذ ماذا نسمي من ضربوها قولاً وفعلاً واغتالوها في مهدها لتطويعها بحسب مقاسهم. فهذا سعيد سعدي زعيم الأرسيدي والممثل للديموقراطيين في مواجهة صحافية له مع الشيخ عباسي مدني، يقول قبل الانتخابات التشريعية وبكل وقاحة وأمام الملأ ولم يحاسب على قوله: "لن أترككم تصلون الى الحكم"، إذاً هذه هي الديموقراطية "السعدية" التي أوصلت البلاد الى ما وصلت اليه من محن وكوارث، وليست ديموقراطية بن جديد أو نية الجبهة الاسلامية للانقاذ. وسعدي اليوم يستفيد من ديموقراطية منحرفة جاءته على جثث الأبرياء وسواقٍ من الدماء ليصبح شريكاً في ائتلاف حاكم.
ولكن لماذا لم يتحمل بن جديد المسؤولية كاملة بتمسكه بموقفه. وقتها كان العالم سيقف معه، وكانت أمور كثيرة تغيرت، لكنك تعفيه من مسؤولية الرجل الأول في البلاد؟
- لا يحق لي أن أحمله مسؤولية ما حدث، أو أعفيه كذلك، وإنما أحاول أن أضع بعض النقاط على الحروف وأقول ما أراه صواباً في نظري، فهو الى سماحه للتيارات السياسية بالتنافس، كان عليه ألا يستجيب أي ضغط ولا يقبل الاستقالة ولو كلفه ذلك حياته. وهذا في نظري ما يعاب عليه في مسيرته الديموقراطية وسيبقى نقطة سوداء في تاريخه السياسي والنضالي.
هل تعتقد أن ما حدث الآن على الساحة الجزائرية من نشر مذكرات ومذكرات مضادة والحوار في شأنها يمكن أن يكون مفيداً لعافية المستقبل الديموقراطي في الجزائر أم أنه سلبي؟ وأقصد تحديداً خالد نزار وعلي كافي؟
- أعتقد ان هذا نوع من الحوارات، يمكن أن يدعم النهج الديموقراطي ويخدمه الى حد بعيد ويعتبر عملاً ايجابياً مفيداً، إذا تحرى أصحابه الصدق والتدقيق في ما يطرحونه من حقائق وأحداث تاريخية، ويحد من تأويلات واستنتاجات قد تكون بعيدة من الحقيقة.
فمذكرات علي كافي طرحت حقائق تاريخية كانت غامضة عن كثير من الناس، وبعيدة من التداول بين المثقفين والباحثين. وحتى لا تبقى طي النسيان ويصيبها تزييف أو تحريف، خصوصاً إذا علمنا أن هناك محاولة لكتابة تاريخ الثورة التحريرية، يكون بذلك قدم عملاً "جليلاً" للمؤرخين والباحثين، حتى تناقش تلك الحقيقية التاريخية في حياته قبل مماته. وأقول بكل صدق ان الصواب حالفه في الكثير مما ورد في مذكراته، خصوصاً ما يتعلق منها ببعض الشخصيات الثورية.
أما مذكرات خالد نزار فمحاولة منه لتضليل الرأي العام وتبرئة نفسه مما ألم بالبلاد من محن وكوارث كان هو السبب الرئيسي فيها. لكن اعترافاته لا تترك مجالاً لأدنى شك قد يعفيه من تحمل وزر ما حدث كاملاً.
ما تقويمك للعام الأول من حكم الرئيس بوتفليقة، خصوصاً أن هناك هجوماً ضارياً يتعرض له أخيراً؟
- لكل مرحلة نظام سياسي ورجال ينفذون خططه ويحمونه. وثمة من يقول: ما عسى رئيس الجمهورية ان يفعل بعد كل ما شهدته السنوات التسع السابقة؟
أقول ان في امكانه أن يقدم الكثير مما يعود على الوضع بالخير والنفع، إذا ابتعد عن الأسلوب الديماغوجي، ولم يستمع الى الذين يأكلون مع الذئاب ويبكون مع الراعي ولا يهمهم من أمر البلاد شيئاً إلا مصالحهم الخاصة، وليكن من بعدهم الطوفان. الأمة اليوم في حاجة ماسة الى الأمن والسلم والاستقرار والتصالح مع الذات، كحاجتها الى الأكل واللباس والهواء. فالأمن والاستقرار ضروريان لانتعاش الديموقراطية والحرية، ليتمكن كل فرد أو جماعة في الأمة من أن يعبر عن رأيه، لأن الحياة بلا حرية موت أفظع من الموت نفسه.
تعاليم الاسلام وقيمنا الوطنية تدعونا الى العفو والصفح، والتصالح في ما بيننا واحترام الانسان والمحافظة على حقوقه من دون تمييز بين انسان وآخر. ويدخل العفوان اللذان أصدرهما السيد عبدالعزيز بوتفليقة عن الآلاف من المسلحين والمساجين، في إطار احترام حقوق الانسان، ويعدان بداية حسنة على طريق المصالحة الوطنية. ونرجو أن تتبع ذلك اجراءات جديدة أخرى حتى نغلق الباب أمام الذين يزايدون في قضية حقوق الانسان. وتلك المنظمات التي تصول وتجول في ربوع الوطن باسم هذه الحقوق تزيدني تأكيداً وتصميماً على تحميل المسؤولية لمن تولوا أمر تسيير شؤون البلاد، ومطالبتهم بمعالجة هذا الملف معالجة داخلية في ما بيننا، وغلق هذا الباب غلقاً محكماً، لأن عواقبه تعود على الشعب والدولة معاً، ألسنا أمة ذات أصالة عريقة يوجب عليها دينها وحضارتها احترام حقوق الانسان والمحافظة عليها، حتى لا يفتح الباب على مصراعيه لكل من يريد ان يتاجر بهذه الحقوق تحت تسميات ومسميات متعددة؟ وهل تلك المنظمات المستقلة وغير المستقلة تعمل فعلاً من أجل حقوق الانسان أياً يكن عرقه ودينه؟ أم قد يشوبها غرض آخر تحت تأثير معين؟
وحتى لا نغطي الشمس بالغربال ونذر الرماد في العيون، لا يمكن أن تكون تلك المنظمات مستقلة. وما من بلد دخلته وترددت عليه إلا أصبح يعيش على لقيمات وعلى ما يجود به الصليب الأحمر. فعلى الشعب الجزائري ان يحمي نفسه من ظلم حكامه، ولا ينخدع فينساق خلف الشعارات البراقة. فالشعوب المحترمة هي التي تحمي وتحترم حقوق الانسان فيها. وقد طالعتنا الصحف الوطنية، ان هناك تحضيراً لندوة صحافية عن حقوق الانسان في الجزائر، تعقد في سويسرا، دعيت اليها شخصيات وطنية في ميدان حقوق الانسان وأخرى سياسية. فتساءلت: ألسنا شعباً ينتمي الى أفضل أمة وأفضل نظام عبر التاريخ الانساني، كرم الانسان وحافظ على حقوقه من دون تمييز؟ فلماذا الاحتقار والميوعة والتبعية في كل شيء؟
ففي نظرة واقعية الى العام الأول من حكم السيد بوتفليقة أقول إن هناك ايجابيات وسلبيات، ونرجو أن تنبهه الى ذلك بطانته، وألا تجعل له السم في العسل، فنجاحه في نجاحها، وإخفاقه، لا قدّر الله، في إخفاقها ويعود على الأمة بكاملها. فمن ايجابياته أنه أعطى الغطاء السياسي والقانوني للهدنة التي أعلنها الجيش الاسلامي للانقاذ، فأسفرت في ما بعد عن عودة هؤلاء الى بيوتهم، ثم انه لم يحمل مسؤولية ما حدث لطرف دون آخر، وإنما جعل المسؤولية على جميع الأطراف على الساحة السياسية والادارية والعسكرية.
أما ما يؤخذ ويسجل عليه، خلال هذه السنة من حكمه، ان هناك تباطؤاً وتهرباً أحياناً في تنفيذ ما وعد به أثناء الحملة الانتخابية وبعد توليه رئاسة الجمهورية في الأشهر الأولى. ومن أكبر المآخذ عودته غير المنتظرة الى التحدث باللسان الفرنسي، في خطاباته ولقاءاته الديبلوماسية والصحافية، ما أدى الى فتح الباب على مصراعيه لمتشدقين يطلون على الأمة من خلال الاذاعة والتلفزيون، يخاطبونها بلغة المستعمر الفرنسي. وهذا يعد اعتداءً صارخاً على الدستور وردة على اللغة العربية، ويضعف الأمة ويحط من قيمتها في المحافل الدولية. لا ريب في أن لغة فرنسا وثقافتها هما بمثابة إعصار مدمر لثقافتنا ولغتنا وزرع الشكوك في هويتنا العربية الاسلامية، فإذا كان هذا يجوز في بعض الدول الأخرى فلا يجوز، في أي حال من الأحوال، في بلد ضحى بمليون ونصف مليون شهيد من أجل اعادة سيادته وكرامته، وان أوفى الأوفياء من يفي للأموات ما كانوا ينشدونه ويطمحون الى تحقيقه؟
ولا يجوز للجزائر، قبلة الثوار والمجاهدين، أن تكون من الدول التي هرولت للاعتراف والتطبيع مع الكيان الصهيوني اليهودي الذي زرع على أرض فلسطين العربية، برعاية وحماية مما يسمى الدول الكبرى: أميركا وروسيا وفرنسا وبريطانيا. لا نقبل أبداً أن تكون هناك أي محاولة للاعتراف بهذا الفيروس القاتل أو التطبيع معه. وما أضاع فلسطين إلا زعماء العرب، ولو تركوا أمر التحرير للشعوب العربية لتحررت فلسطين وغيرها، ولما كان هذا الذل والهوان الذي لحق بالأمة العربية الاسلامية.
وعموماً هذه بعض الملامح الكبرى والبارزة في السنة الأولى من حكم رئيس الجمهورية. أما التقويم الحقيقي فيكون على المرحلة بكاملها وهذا لم يتح له حتى الآن. فهو لا يزال في بداية الطريق، ومن خلال ما قضى من ولايته وما تبقى منها، نناشده بلسان الحق والعدل والانصاف والدستور والقانون وحقوق الانسان، أن ينصف المظلومين ويفرّج عن المكروبين. فالدوام مع الظلم لا مطمح فيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.