سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    بريدة: مؤتمر "قيصر" للجراحة يبحث المستجدات في جراحة الأنف والأذن والحنجرة والحوض والتأهيل بعد البتر    ضبط 19696 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    غارة إسرائيلية تغتال قيادياً من حزب الله في سورية    الجيش الإسرائيلي يحمل حزب الله المسؤولية عن إطلاق مقذوفات على يونيفيل    إسرائيل تلاحق قيادات «حزب الله» في شوارع بيروت    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مشروع العمليات الجراحية خارج أوقات العمل بمستشفى الملك سلمان يحقق إنجازات نوعية    24 نوفمبر.. قصة نجاح إنسانية برعاية سعودية    جمعية البر في جدة تنظم زيارة إلى "منشآت" لتعزيز تمكين المستفيدات    موديز ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "Aa3" مع نظرة مستقبلية مستقرة    وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    مصر.. القبض على «هاكر» اخترق مؤسسات وباع بياناتها !    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    بريطانيا: نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا دخل المملكة المتحدة    الاتحاد يتصدر ممتاز الطائرة .. والأهلي وصيفاً    "بتكوين" تصل إلى مستويات قياسية وتقترب من 100 ألف دولار    (هاتريك) هاري كين يقود بايرن ميونخ للفوز على أوجسبورج    النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    القادسية يتغلّب على النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    "الجمارك" في منفذ الحديثة تحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة "كبتاجون    الملافظ سعد والسعادة كرم    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    «بازار المنجّمين»؟!    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    فعل لا رد فعل    المؤتمر للتوائم الملتصقة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهاشمي سحنوني يروي ل"الحياة" تفاصيل صراع الأجنحة داخل الجبهة الإسلامية للإنقاذ - قسم ثاني
نشر في الحياة يوم 13 - 01 - 2000


جمعية العلماء المسلمين
كيف نؤرخ لظهور الحركة الإسلامية في الجزائر؟
- يبدو لي أن الحديث عن الحركة الإسلامية في الجزائر يبدأ من تاريخ 5 ايار مايو 1931 عندما تأسست جمعية العلماء المسلمين بقيادة الشيخ عبدالحميد بن باديس، حين شرعت الحركة الإسلامية الإصلاحية في القيام بعملها الإرشادي. وتطورت عبر السنوات حتى جاء الاستقلال وحُلّت جمعية العلماء المسلمين على يدي الرئيس السابق احمد بن بلة، ثم جاءت وزارة الأوقاف فجمعية القيم ثم ظهر مالك بن نبي. وظهور مالك بن نبي وأتباعه في ما بعد - وهم أصحاب الجزأرة - وجبهة الإنقاذ ما هي إلا حلقة من حلقات تاريخ الحركة الإسلامية في الجزائر.
هل يمكن اعتبار دستور 1989 بداية أفق نضال إسلامي في إطار التعددية أم هو غلق له؟
- بكل موضوعية: التعددية فتحت أفاقا كبيرة للمسلمين والعمل الدعوي للحزب - إذا صح التعبير - لكن قلة التجربة وقلة الإخلاص - وأقولها بكل آسف - جعلنا بدل أن نستفيد من هذه الآفاق نتنافس فيها، وعوض أن نكسب ضيعنا ما كسبناه.
ما يسجله المراقبون لمرحلة السلفية التي انتم واحد منها، هي اعتمادها على المظهرية في السلوك اليومي اللباس الأفغاني والإيراني والتدخل في شؤون الغير إلى درجة مراقبة حرية المواطنين في لباسهم وحياتهم اليومية. فما هو ردكم؟
- من لا يخطئ هو الذي لا يعمل. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "ابن آدم خطاء". وأنا لا أزكي السلفيين ولا أقول انهم لم يخطئوا فعلا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. نحن كنا نخطب في الناس ونتحدث إليهم عن هذا الواجب ونبين ضوابطه. وقد يكون بعض الشباب متحمساً اكثر من اللازم فيذهب إلى فتاة ينهاها عن التبرج بشدة، وربما يعتدي عليها أو يشتمها. لكن السؤال: هل نحكم على الحركة كاملة في بلد كامل من خلال خطأ يقوم به أحد أفرادها؟. يبدو لي انه حكم قاس نوعاً ما. ولا شك انه خلال عملنا وقعت أخطاء، لكنها أخطاء يبدو لي أنها كانت أخطاء يمكن تصحيحها بسهولة، والتحكم فيها، ومراجعة أهلها والانطلاق إلى ما فيه الخير والصلاح للبلاد.
ألا ترى أن فتح الجبهة الإسلامية للإنقاذ عملية الانخراط فيها لكل من هب ودب جعل الأميين فيها يتغلبون على النخبويين الذين كانت تتميز بهم الحركات الإسلامية في الجزائر؟
- الرد يكون من وجهين. الوجه الأول أننا حزب سياسي والحزب السياسي لا بد له من قاعدة شعبية عريضة. فلا يمكن أن نختار الذين ينضمون إلينا انتقاء. أما الوجه الثاني وهو ادعاؤكم بان النخبوية تميز الإسلاميين، فأقول إن الإسلام ليس نخبوياً. الإسلام جاء به أمي وأرسله الله في جماعة أمية لقوله تعالى "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم". والذي ينبغي ضبطه هو أن الذي يتحمل المسؤولية لابد أن يكون عالما، في حدود واجباته ومسؤولياته. فالعسكري مطالب بالخبرة العسكرية، والطبيب ملزم بالخبرة الطبية.
أما النظرة النخبوية فقد اقتصرت على جماعة الجزأرة وعندما رأت أن الجماعات تجاوزتها وصار عدد كل الجماعات كبيراً ما عدا عدد جماعتها، فتحوا الأبواب وانضموا إلينا وحاولوا أن يستولوا على الجبهة وبلغوا ذلك في ما بعد.
تميز التجمع الذي نظمته الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ملعب 5 جويلية تموز/يوليو عام 1991، بالطابع الاستعراضي. فهل كان التجمع لبداية عمل كبير؟
- قولكم بأنه تجمع استعراضي غير صحيح، لأننا عندما دعونا إليه لم نكن ندري أن عدد الحضور سيكون بتلك الضخامة، وهو مجرد تجمع ختامي لحملة انتخابية، وعندما رأينا ذلك العدد فكرنا في وضع خطة عملية لاستيعاب العدد وتوجيهه وتربيته. لكن سبقتنا الأحداث ووقع ما وقع.
لاحظت خلال التجمع استغلالكم ل "العِلم" من اجل إقناع الجماهير بقوتكم آنذاك: مثل ظهور اسم الجلالة في السماء. ألا ترى أن مثل هذه العملية تهدف إلى استغلال عواطف الناس لمكاسب حزبية؟
- بصراحة، أنا رجل كفيف البصر لم أر لا كتابة الله ولا رسول الله أو غيرها. سمعنا في الكثير من التجمعات أن الناس رأوا كتابة "لا اله إلا الله" وكتابة "محمد رسول الله". ومن عقيدتي، وهي عقيدة السلف، أن المعجزات لا يعطيها الله سبحانه وتعالى إلا لأنبيائه، وان كرامات الأولياء لا بد لها أيضا من ضوابط وأنا لا أرى نفسي، لا أنا ولا علي بن حاج ولا عباسي مدني، توافرت فينا شروط الصالحين الذين يكرمهم الله بتلك الخوارق. فكلنا ما زلنا ضعفاء في إيماننا، في أخلاقنا، في معاملاتنا، ولا زلنا إلى اليوم.
هل اتصلت بالشيخ علي بن حاج بعد سجنه وأين؟
- نعم، اتصلت به في 17 تشرين الأول أكتوبر 1993، عندما كان في سجن تيزي وزو. التقيته اكثر من ساعة وربع، وتحدثنا في مختلف الأمور وكانت له نظرة خاصة وكان متأثراً نفسياً بعد المرحلة التي عاشها مع الشعب في الدعوة.
السلطات الجزائرية تحمل الشيخ علي بن حاج مسؤولية اندلاع العنف في الجزائر، وتتهمه بالتطرف. فماذا تقول كصديق له؟
- لا بد أن نضبط الأمور ونعرّف معنى كلمة التطرف حتى يمكن أن نحكم على الأشخاص بالتطرف أم لا. فأنا المتهم بالتطرف والأكثر تشدداً في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لكن لا أرى نفسي أو علي بن حاج إننا متطرفان في يوم من الأيام. إذا كان من ينادي بالتزام سنة من السنن أو محاربة بدعة من البدع أو الدعوة إلى توحيد وترك شركية من الشركيات يعتبر تطرفاً، فنحن متطرفان، كما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - متطرفاً. والتطرف، في اعتقادي، هو الزيادة على حدود الشروع والمبالغة فيها أو تشريع ما لم يشرعه الله. ولم أر علي بن حاج شرع غير شريعة الله. أما بالنسبة لفهمه بعض النصوص فهو مسؤول عن ذلك، وكل واحد مسؤول عما يفهم أيضاً.
كيف كان موقفكم كأعضاء مؤسسين للإنقاذ عندما استدعت السلطة الشيوخ المفرج عنهم للتحاور معهم عوض الأطراف الأخرى الأقرب إليها؟
- السؤال لا يخلو من خطأ. فالسلطة لا يوجد عنها شخص قريب وآخر بعيد عنها. فهي تقاتل المعارضة كلها وخاصة الإسلامية، بمقياس وميزان معين. وهي ترانا خصوماً لها وجئنا لنزيحها عن الحكم ونتولى نحن ذلك. ومن يفكر يمثل هذه التصورات يعتبر منصبه أو سلطته أو مسؤوليته قبل كل شيء، وليس له صديق أو عدو وانما مصلحته ... يضاف إلى ذلك إن السلطة دعت المفرج عنهم باعتبار أن غالبية قاعدة الإنقاذ تنظر على انهم هم الذين ضحوا من اجل الجبهة، وأصابهم المكروه بسببها، وهم الذين أوذوا في سبيل الله ... فكانت شعبيتهم اكثر ولذلك فضّلتهم السلطة للتحاور معها. ويبدو لي أنها وقعت في أخطاء كثيرة في معاملتها مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
قلتم في السابق أن "مؤتمر الوفاء" الذي عقد في ولاية باتنة عاصمة الأوراس هو"مؤتمر الوفاة" للإنقاذ. بينما حقق هذا المؤتمر بقيادة عبدالقادر حشاني الفوز الحاسم في الانتخابات الاشتراعية في 26 كانون الأول ديسمبر 1991؟
- لا احب مناقشة هذا الموضوع من هذه الزاوية، وانما أقول ان الجبهة الإسلامية لو شاركت في أي انتخابات كانت ستفوز بغالبية اكثر من 188 مقعداً الذي حصلت عليه في الإنتخابات في 26 ديسمبر 1991.
نجاح الجبهة ليس راجعاً إلى شخص، وانما يعود إلى الدعاة الذين قاموا بأعمال جليلة في أوائل السبعينيات، ولولا تلك الدعوة لما نجح حشاني أو بن حاج أو سحنوني أو غيرهم. فنسبة نجاح حركة كاملة إلى شخص واحد يعد الظلم وإجحافا في حقوق الآخرين. بينما حشاني مثلما يعرف الجميع -وهو أخونا في الله- لم يشارك في أي نشاط للجبهة الإسلامية منذ تأسيسها إلى غاية إضراب 1991. وبعد غياب القياديين الحقيقيين ظهر على الساحة هو وجماعته وبدأ النشاط. ولا احب أن أقيّم عمل حشاني كشخص وانما أريد تقييم عمل الجبهة التي قادتها الجزأرة بعد ذلك باسم حشاني، ثم باسم أناس آخرين، وحتى لو نجحت في الدورة الأولى فإن النهاية تبقى غير واضحة المعالم، والأعمال بالخواتم. والنهاية أن الجبهة حُلت، والبلديات والمجالس الشعبية ضاعت، والشعب تفرق، والمناضلون قتلوا، وهي نتائج عمل السلطة والجماعة التي قادت الإنقاذ آنذاك.
هناك رأي سائد في التاريخ الجزائري، وهو أن الشعب ضد السلطة وصوَّت لمصلحة الإنقاذ انتقاما منها؟
- أولا: الحقيقة انه لا يمكن التشكيك في الحركة فهي نابعة من أوساط الشعب، والطبقات الضعيفة في هذه البلاد.
ثانيا: إن عدد الدعاة آنذاك كان قليلا، ولم تكن الإمكانات لتأطير القاعدة الشعبية العريضة. وكنا نبذل جهودنا حسب مقدرتنا في الدعوة، كل في المكان الذي يرى فيه إمكانية للدعوة، وكانت إمكاناتنا قليلة وظروفنا صعبة، وكنا نعمل على قدر المستطاع. لكن يبقى السؤال: هل أقنعنا الشعب أم لم نقنعه؟ وهل كان الشعب يحب الإسلام فعلاً أم كان حاقداً على الدولة فأيدنا؟
إذا أردنا تقييماً موضوعياً للأزمة منذ 1992 لغاية اليوم، وتحديد الأطراف المتسببة فيها، فماذا يقول الهاشمي سحنوني من دون انحياز لطرف على آخر؟
- في هذا الجانب، احمد الله تبارك وتعالى على أنني اعترف بأخطائي وصواب غيري.
والحقيقة هي أن المسؤول الأول على الأزمة هو السلطة الحاكمة. فمنذ 1962 والسلطة تتخبط وتبحث عن وسيلة أو أسلوب لكسب ثقة الشعب، لكنها لم توفق إلى ذلك. فبعد أن كان الجهاد ضد فرنسا باسم الإسلام مباشرة جاؤوا بعد استرجاع السيادة في 1962 بنظام اشتراكي، ووقع انقلاب هواري بومدين في 19 حزيران 1965 و أريد له أن يكون اشتراكياً اكثر مما كان عليه في عهد الرئيس احمد بن بلة. ولكن في عهد بومدين كانت البئر مغطاة، وما حدث في عهد الشاذلي بن جديد هو إزالة غطاء البئر فقط. وهو الشاذلي ليس سبب المشاكل. فقد كانت موجودة قبله، ومتعددة الإبعاد في عهدي بن بلة وبومدين، ولما جاء الشاذلي بن جديد انكشفت الأمور وبقيت متفاقمة لغاية مجيء "الإنقاذ" التي حاولت تهدئة أو تأخير الانفجار إلى حين بهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه. واستمرت الفتنة والأزمة إلى ما وصلت إليه اليوم. فالمسؤول الأول في اعتقادي هو النظام الحاكم، أما المسؤول الثاني بعد السلطة فهو أطراف كثيرة تأتي في المرتبة الثانية بالتساوي: الأحزاب التي كانت لا تعبر عن عقيدة الشعب ولا عن طموحاته ولكن تتحدث باسمه. طرف آخر هو الصحافة الشيوعية الفرنكفونية التي كانت دائماً تصب الزيت على النار. ثم الأخطاء التي ارتكبناها نحن في مسايرتنا للأحداث. وكلها أسباب تجمعت وأنتجت هذه الأزمة المعقدة.
يقول البعض بأن العنف ظاهرة إسلامية بدءا من الاغتيالات التي طالت ثلاثة من الخلفاء الراشدين إلى ما بعد ذلك وانتهاء بما بحدث الآن في الجزائر. بماذا تعللون حمل قيادات من "الإنقاذ" للسلاح في الجزائر والدعوة إلى الجهاد؟
- العنف، كما ينظر إليه الغرب، ليس هو العنف كما ينظر إليه المسلمون. فنحن عندنا الكتاب والسنة ندعو الناس إليهما ونبلغهم إياهما بالوسائل التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم . لكن إذا وقع حيف على المسلمين ووقع هضم لحقوقهم وظلموا أفلا يؤذن لهم أن يدافعوا عن أنفسهم؟ فإذا كان الفلسطنيون يقومون بعمليات ضد اليهود لتحرير الأرض نسميهم إرهابيين، لكن إذا قام اليهود بعمليات ضد الفلسطينيين لا يسمونهم إرهابيين! وقتل الشيشان بالآلاف أمر طبيعي، وإذا طلبوا بتحررهم نسميهم إرهابيين!
لكن ما يقع في الجزائر هو بين مسلمين؟
- لا بد أن يعرف الإنسان أن كل ما يحدث له خلفيات. فالعنف الذي وقع في الجزائر على أيدي بعض المسلمين خطط له ودبرت مراحله وفصوله من طرف غير مسلم ودفعوا بالمسلمين إلى ذلك دفعاً. والأطراف التي خططت قد تكون داخلية وخارجية في الوقت نفسه. لذلك لا أتصور أن مسلماً يؤمن بالله ورسوله يقتل غيره ببساطة. والحقيقة أن هناك أشياء غامضة وراء ذلك كله ولم تتضح حتى الآن بعد. ولكن لا يمكن لمسلم يتمتع بقواه العقلية أن يرتكب مثل هذه المجازر والأعمال الإجرامية.
أرى ان من الضروري التفريق بين القاتل أو المنفذ للجريمة وبين من يقفون وراءه وهم من يفتون له بالقتل من جماعتكم الإسلامية سواء أكان داخل الجزائر أو خارجها مثل الألباني وغيره؟
- حين تقول أن الفتاوى بدأت من عندنا فنحن نقول لك أن هناك شروطاً لمن تجوز له الفتوى. المفتي في الإسلام هو المجتهد الذي بلغ درجة من العلم ويعرف الحكم الشرعي للآية ويفقهها جيدا، ويعرف كيف يستنبط منها الحكم الشرعي وكذلك الحديث. أما حين يأتي شاب قرأ آية أو آيتين وتقول هذا مفتٍ فهو من فهمنا الناقص للدين. أما العلماء أمثال الألباني فانه من البداية كان يقول أن ما يجري في الجزائر فتنة ولا يجوز للمسلم أن يشارك فيها. نحن اتصلنا به في البداية لكي يفتي لنا في إنشاء حزب، فنصحنا بعدم اللجوء إلى ذلك ودعانا إلى العمل الدعوي في المساجد. الألباني لم يفت بالقتل، وانما أبو حمزة المصري وأبو قتاده وهؤلاء ليسوا علماء ولا يجوز لهم شرعاً القيام بالفتوى.
لماذا فشلت المفاوضات بين شيوخ الإنقاذ والسلطة؟
- لا يخفى على أحد أن السلطة في الجزائر ذات جناحين: جناح يريد الحوار والمصالحة الوطنية لحل الأزمة، وجناح استئصالي يريد زيادة الأزمة تفاقماً، وانتشار الفتنة واستمرار الوضع لأنه يستفيد منه.
ومن جهة الجبهة هناك أطراف وعناصر تريد الخير والإصلاح وتريد إيقاف هذا النزيف. لكن هناك أطرافاً أخرى لا تستفيد إلا من هذا الوضع حيث تجمع الأموال باسم الجهاد ويصبح لها أسماء في العالم، وتصرفت تصرفات لا تخفى عن أحد. اعتقد أن المتسبب في فشل مثل هذه الاتصالات بين السلطة والإنقاذ يعود إلى الطرفين المستفيدين من الوضع الحالي.
هل نفهم من هذا أن هناك طرفين شاركا في الأزمة؟
- نعم.
هل ملف الإنقاذ اغلق نهائيا كما قال الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة؟
- لا يمكن لملف حزب دخل التاريخ بهذا الشكل وكانت له مرحلة في تاريخ الجزائر المعاصر شارك فيها بقوة، أن يغلق هكذا بمجرد كلام أو قرار من طرف من الأطراف. فملف الإنقاذ لا يمكن أن يغلق وسيبقى في التاريخ.
الرئيس بوتفليقة قرر عدم عودتكم إلى السياسة تحت أي غطاء كان. فما موقفكم كقيادات في الحزب المحظور؟
- ينبغي التنبيه إلى شيء مهم. فقد ذكرت سابقاً إننا عندما أسسنا الجبهة الإسلامية للإنقاذ أسسناها كوسيلة فقط لخدمة الدعوة الإسلامية. فهي وسيلة فقط وليست غاية ولن تكون غاية. هذه هي عقيدتنا وقناعاتنا، وإذا فشلت الوسيلة تتغير بوسيلة أخرى، والمهم ألا تتوقف عن الدعوة.
أما بالنسبة الى الرئيس بوتفليقة فهو يرفض الجبهة الإسلامية للإنقاذ ويرفض أي عودة لها في شكل حزب آخر. ونحن نقول أننا قبل الجبهة الإسلامية للإنقاذ كنا مسلمين وكنا نخدم الإسلام ونبذل قصارى جهدنا لخدمة الدعوة وإعانة المحتاجين. وبعد الجبهة الإسلامية سنستمر في هذا العمل. أما الذين يحرصون اليوم على رجوع الهيئة كهيئة فهم الذين استفادوا من الجبهة، إذ أن هناك رجالاً عُرفت بهم الجبهة، وأن هناك رجالاً عرفوا هم بالجبهة، وأن هناك رجالاً خدموا الجبهة، وأن هناك رجالا استخدموا الجبهة. فالذين استخدموها وعرفوا بها ونالوا بها بعض المآرب لا بد أن يحرصوا على عودتها ويتمسكوا بالقول أن كل حل لا يعيد الجبهة إلى نصابها هو حل فاشل لأنهم لا يستطيعون أن يعيشوا دون الجبهة.
لماذا ساند الهاشمي سحنوني الوئام المدني؟
- اعتقد أن الوئام والمصالحة واجب شرعي قبل أن يكون مطلبا شعبياً. فالله أمر بالمصالحة والآيات لا تخفى عن أحد، وفي الأحاديث النبوية الشريفة أمر بالمصالحة. وأرى إن ذلك واجبا شرعيا وليس موقفا سياسيا.
كيف ترون تأثير عملية اغتيال عبدالقادر حشاني على المصالحة الوطنية؟
- أظن أن الأزمة عميقة جداً، والحل مستعص جداً، واغتيال شخص ولو كان في سمعة حشاني ومكانته، لا يؤثر كثيرا على المسيرة أو الطريق الذي اتخذه كل طرف. فكل واحد له أهداف ومخطط يسير عليه سواء السلطة أو الجماعات المسلحة. وحشاني لا يغير من مخططاتهم شيئا. ولا اعتقد أن تكون للعملية اثر كبير على ذلك.
ماذا حقق الرئيس بوتفليقة للإسلاميين منذ تعيينه لغاية اليوم؟
- لم يحقق أي شيء.
ماذا يمثل بالنسبة إليكم 13 كانون الثاني 2000؟
- حين ذهب الناس للانتخاب على الوئام المدني في 16 ايلول سبتمبر 1999 قلت أن الأزمة لا تحل بمجرد وضع أوراق في الصناديق. ومازلت مقتنعا بهذا الأمر. والدليل هو القتل الذي عاد كما كان، والحواجز المزيفة التي انتقلت إلى المدن خير دليل. ولهذا، فان 13 كانون الثاني 2000 تاريخ كبقية التواريخ ولا أرى انه سيغير من شيء إلى آخر.
ما هي في اعتقادكم الخطوات التي يمكن أن يخطوها الرئيس لإخراج البلاد من الأزمة؟
- الخطوات التي تخرج البلاد من الأزمة صعبة جداً ومعقدة جداً، غير أن هناك أعمالا قد لا تحل المشكلة نهائياً لكنها تخفف منه. وأول شيء هو إصلاح النظام القائم واستبعاد الرجال الذين كان لهم دور في تأزم الوضع، لأنه لا يمكن أن يؤزم شخص وضعاً ثم يأتي ويشارك في حله وهو الذي تسبب فيه.
ثانياً: حل المشاكل الأمنية عن طريق عفو عام نهائي يشمل الجميع، لان المحاسبة تعني كل الأطراف" ولا يمكن أن نحاسب طرفاً واحداً ونصدر في حقه تخفيف العقوبة بينما بقية الأطراف تبقى آمنة مطمئنة وكأنها لم تفعل شيئاً.
لا بد من عفو شامل على جميع الأطراف لعله يكون سبباً في تهدئة الأوضاع ثم الدخول في حوار سياسي موسع مع كل الفعاليات السياسية، بما فيها الإنقاذ أو حتى بعض الرجال القادرين على تقديم الحلول.
وأنا لا اشترط وجود الهيئة كهيئة وإنما يمكن إشراك العناصر التي تستطيع تقديم استشارات لأنني اعتقد أن الهيئة وسيلة، وهناك عشرات الوسائل التي تخلفها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.