يمر الاتحاد الذي يضم جمهوريتي صربيا والجبل الأسود بحال صعبة، يعتبرها المراقبون شبيهة بتلك التي برزت خلال العامين الأخيرين من عمر يوغوسلافيا السابقة التي تشكل الاتحاد الجديد منتصف العام 1992 كامتداد لها. واللافت ان التعديلات الدستورية التي اججت المشكلة الراهنة بين قادة طرفي الاتحاد الجديد، هي نفسها التي أوقدت الخلافات التي سادت بين أطراف الاتحاد السابق، عندما عجزت لجان تم تشكيلها منذ 1988 من ممثلين عن اقسامه الستة، عن تعديل أو تبديل دستور "جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية" الصادر في 1974 والنافذ آنئذ. وحصل هذا بسبب اصرار جمهوريتي صربيا والجبل الأسود التي كان رئيسها الحالي ميلو جوكانوفيتش رئيساً لحكومتها اللتين كانتا تسيران بحسب توجيهات رئيس رابطة شيوعيي صربيا آنئذ سلوبودان ميلوشيفىتش، على تقوية نفوذ السلطة المركزية للاتحاد على حساب الصلاحيات المحلية الواسعة التي تتمتع بها مؤسسات جمهورياته الست، وذلك بانهاء وجود هيئة الرئاسة المشتركة رئاسة الجمهورية المتكونة من ثمانية أعضاء لكل منهم حق النقض لأي قرار يراه غير مناسب للوحدة التي ينتسب اليها يمثلون الجمهوريات الست ومنطقتي الحكم الذاتي في صربيا فويفودينا وكوسوفو، والاستعاضة عن ذلك بالانتخاب الشعبي المباشر لرئيس الجمهورية، ما يعني ان يصبح الرئيس حكراً على الصرب، اعتماداً على سيطرة ناخبيهم ومؤيديهم على صناديق الاقتراع لأنهم كانوا يشكلون أكثر من نصف عدد السكان. وعلى رغم ان وسائل الاعلام تركز في الخلافات الراهنة على ما تتيحه التعديلات التي اجريت على مادتين من دستور 1992 من استمرار ميلوشيفيتش في رئاسة الاتحاد، فالحقيقة تكمن في انها تستبعد الجبل الاسود من المشاركة في اتخاذ القرارات المهمة لأنها تجعل الصرب وحدهم يختارون الرئيس باعتبارهم الغالبية. فهم يزيدون عن عشرة ملايين فيما الجبل الاسود لا يتجاوز سكانه ال650 الفا. اضافة الى ان الرئيس المنتخب شعبيا ستكون صلاحياته اوفر من تلك المتوفرة للمنتخب برلمانيا، ما يؤدي الى تقليص مجالات الحكم الذاتي، كما ينهي تقاسم المناصب العليا لمصلحة رغبة الرئيس الصربي. وتنص المادتان الدستوريتان اللتان جرى تعديلهما بقرار من غالبية نواب البرلمان الذي يهيمن عليه انصار الرئيس، على: المادة 97: "رئيس الجمهورية يمثل الاتحاد اليوغوسلافي. فهو يعلن اوامر القوانين الاتحادية ويصادق على مستندات الاتفاقات الدولية، ويقترح على البرلمان اسم مرشح رئاسة الحكومة بعد الاسترشاد بآراء ممثلي المجموعات النيابية، ويقدم للبرلمان اسماء المختارين لمهمات المحكمة الدستورية ورئيس المصرف الوطني وذلك بعد التداول مع رؤساء الجمهوريات التي يتكون منها الاتحاد، ويتولى تعيين سفراء الاتحاد اليوغوسلافي وانهاء خدماتهم بموجب اقتراح الحكومة الاتحادية، واستلام أوراق السفراء الاجانب المعتمدين لدى يوغوسلافيا، وتقديم أوسمة الدولة العليا لمن تمنح له، والعفو عن مرتكبي الأعمال الجنائية، وتأدية الاعمال الاخرى التي تخصه بموجب هذا الدستور". والمادة 98: "ينتخب البرلمان الاتحادي رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات، ولا يجوز انتخابه مرتين متتاليتين، وليس له الحق في تولي اي وظيفة أو عمل خلال رئاسته، ويتمتع بالحصانة اسوة بنواب البرلمان بالشكل الذي يقره البرلمان الاتحادي، ويمكن ان ينهي البرلمان ما تبقى من فترة رئاسته اذا ثبت عدم تقيده بالدستور". وتركز التعديل في الأولى على تقوية صلاحيات الرئيس خصوصاً في الإشراف على جمهوريتي الاتحاد صربيا والجبل الأسود وتنفيذ القوانين الاتحادية فيهما، بينما ألغى في الثانية انتخاب الرئيس من قبل البرلمان وجعله بالاقتراع الشعبي العام، وسمح بتكرار انتخابه، ووضع قيوداً مشددة على حق نواب البرلمان باقالته. ومعلوم ان أول رئيس للاتحاد اليوغوسلافي الجديد كان الأديب الصربي الشهير دوبريتسا تسوشيتش وهو قومي مستقل سياسياً وقد اقاله البرلمان قبل حوالي سنتين على انتهاء مدة رئاسته باقتراح من أنصار ميلوشيفىتش والحزب الراديكالي برئاسة فويسلاف شيشيلي وذلك بسبب "عدم كفاءته واعتماده على عناصر غير مخلصة للاتحاد". وجاء بعده زوران ليليتش من الحزب الاشتراكي بزعامة ميلوشيفىتش واستقال طوعاً قبل انتهاء فترة رئاسته بحوالي سنة كي يفسح المجال لميلوشيفىتش - الذي كانت انتهت فترة رئاسته لجمهورية صربيا - لتولي رئاسة الاتحاد. وتنتهي هذه المدة قانوناً أواخر الشهر الجاري، لكنه سيواصل لفترة ثانية إذا توفر الوقت لانتخابه وهو ما يزال في الرئاسة. أما اذا تعذر ذلك لأسباب اجرائية متعلقة بسريان مفعول التعديلات، فإن رئيس مجلس الجمهوريات الشيوخ في البرلمان الاتحادي سيتولى الرئاسة موقتاً ريثما يتم انتخاب الرئيس الجديد الذي تؤكد المعلومات انه سيكون ميلوشيفىتش ايضاً. ومع ان التقويمات الدولية تشير الى ان جمهورية الجبل الاسود تتجه نحو الاستقلال عن الاتحاد، وان الطريق اصبحت ممهدة حالياً، فإن الآراء المحلية تستبعده لعدم توفر الظروف الملائمة. فالانقسام شديد بين دعاته ومعارضيه من سكان الجمهورية، ويتجلى ذلك على صعيد القادة الذين يحكمون الجبل الاسود، ومنهم رئيس برلمان الجمهورية سفيتوزار ماروفيتش، الذين يعترضون على أي اجراء عملي نحو الانفصال باعتباره حسماً خطيراً قد يؤدي الى حرب اهلية من دون ضمانانات بحقيق الاستقلال. وقد اكدت نتائج الانتخابات المحلية الجزئية التي اجريت الشهر الماضي هذا الانقسام. ويذكر ان رئيس جمهورية الجبل الأسود ميلو كوكانوفيتش الانفصالي كان فاز بفارق خمسة آلاف صوت فقط على منافسه مومير بولاتوفيتش المعارض للانفصال في انتخابات الرئاسة التي اجريت قبل ثلاث سنوات. وهذا كله يشير الى صعوبات الخيار المطروح.