بين العام 1967 العام الذي قتل فيه ارنستو غيفارا والعام 1997، العام الذي استعيدت فيه بقايا جثمانه لتدفن في كوبا اخيراً، مر ثلاثون عاماً، كانت في ما يتعلق بمصير جثمان الزعيم الثوري الاميركي اللاتيني، حافلة بالخطابات والاساطير والتكهنات. وكل هذا كان يدور حول سؤال واحد: ما الذي كان عليه مصير التشي، بعد ان قتل في بوليفيا؟ وللاجابة عن هذا السؤال كانت الشائعات تردد شتى الاحتمالات. فمنها ما كان يقول ان جثمانه قد احرق ولم تبق منه اية آثار، ومنها ما كان يقول ان وزير الداخلية البوليفية، في ذلك الحين، قد قطع يدي الجثمان وارسل الباقي في صندوق الى كوبا، وان السلطات في كوبا تكتمت حول الموضوع، ومنها ما كان يقول ان الجثمان قد ارسل الى القاعدة العسكرية الاميركية في باناما، ومن هناك الى مركز الاستخبارات الاميركية في واشنطن. بل كانت هناك اشاعات تنفي اصلاً ان يكون غيفارا قد قتل ، و"تؤكد" انه لا يزال سجيناً قيد التعذيب في سجون الاستخبارات الاميركية، وذلك على رغم الصور الشهيرة التي تمثل غيفارا قتيلاً في الغابات البوليفية. ونعرف بالطبع ان مئات الالوف في العالم كله قد مالوا دائماً الى تصديق هذه الشائعات او بعضها، او على الاقل واحدة منها، ومن هنا ظلت حكاية جثمان غيفارا، او مصيره بعد حكاية الغابات البوليفية والبؤرة الثورية التي حاول اقامتها هناك، خبزاً يومياً للمناضلين والثوريين في شتى انحاء العالم. ولكن في اليوم الثاني عشر من تمور يوليو 1997 انتهى ذلك كله، وبشكل رسمي للغاية، وبالتحديد في لاهافانا، عاصمة كوبا نفسها. ففي ذلك اليوم، شاهد الناس آليبدا مارش، زوجة غيفارا الاخيرة تسير الهوينى مع اطفالها الاربعة يحبهم الزعيم الكوبي فيديل كاسترو، وذلك في قاعدة "سان انطونيو دي لوس بانيوس" العسكرية الكوبية، حيث استقبلوا التابوت الصغير الذي وضعت فيه بقايا ما تبقى من جثمان ذاك الذي اراد اشعال الثورة في العالم كله ذات يوم. ويومها اعلن في شكل رسمي ان "جثمان" ارنستو غيفارا قد تم العثور عليه، او على العظام التي تبقت منه، في مقبرة جماعية ضمت كذلك بقايا رفاقه من ثوريي البؤرة التي اشعلها الغابات البوليفية. وكذلك اعلن في شكل رسمي ان جثمان غيفارا سوف يسجى في ضريح خاص يتوسط ساحة سانتا - كلارا الكبرى، التي كانت شهدت في الماضي بعض اجمل لحظات مجد غيفارا نفسه. وفي تلك الساحة خاصته كان غيفارا قد خرج ذات يوم قائلاً ان على "الانسان ان يمشي مرفوع الرأس، متوجهاً بجبهته نحو الشمس، الشمس التي ستكون حروقاتها امارة على الكرامة". ومن المعروف أن غيفارا كان، بحسب الرواية الرسمية، قد قتل قبل ذلك بثلاثين عاماً. ففي الثامن من تشرين الاول اكتوبر 1967 في غابات الكورا البوليفية، كان تشي هرع وسط معركة تجابه فيها وهو الى جانب حفنة من رفاقه، مع رجال الأمن البوليفيين الذين كانت السي.آي.إي. قد دربتهم واطّرتهم. خلال تلك المعركة كان واحد من الرفاق ويدعى "آل شينو" قد فقد نظارتيه وبات غير قادر على الحركة، فأسرع غيفارا، مع رفيق له يدعى فرناندو، لمساعدة "آل شينو"، ولكن رصاصة رجال الأمن كانت اسرع فأصابته، وظل طوال الليل محاصراً جريحاً. وفي اليوم التالي تمكنت القوات المعادية من اعتقاله واسرعت تحقق معه تحت اشراف ضباط من وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية. وما ان انتهى ذلك اليوم حتى كان غيفارا قد قتل على ايدي المحققين معه، واعلن في اليوم نفسه عن وفاته ولكن من دون اي ايضاح عن مكان وجود جثته. وفي كوبا اعلن فيديل كاسترو يومها، بدوره عن استشهاد رفيقه وحليفه ذي الاصل الارجنتيني و"الذي قدم لكوبا ما لم يقدمه اي انسان آخر" وطالب بأن يعاد جثمانه الى كوبا، وهو ما لم يُحقق إلا بعد ثلاثة عقود من الزمن. ويبقى ان نقول ان عودة جثمان غيفارا الى كوبا كانت مناسبة اعادت احياء ذكراه واثارت حماسة ملايين الشبان في العالم اجمع، ولكن لأيام قليلة فقط، اخلد الى النسيان بعدها كاسترو يستقبل جثمان غيفارا في لاهافانا