باريس - أ ف ب - سجل يوم التاسع من تشرين الاول اكتوبر 1967 نهاية ملحمة "ثورية" طويلة سطرها المناضل الارجنتيني "تشي" غيفارا الذي قتل في ذلك اليوم برشقة من رشاش صغير داخل مدرسة قرية نائية في قلب غابات بوليفيا. الا ان اسطورة بطل الثورة الكوبية الذي كان في التاسعة والثلاثين من العمر عند مصرعه، ما زالت حية في الاذهان. وما زال قدره المأسوي يلهب مخيلة الشباب جيلا بعد جيل. ولد ارنسو غيفارا دي لا سيرنا في 14 حزيران يونيو 1928 في روزاريو بالارجنتين لاسرة تنتمي الى الطبقة البورجوازية. وبارادة خارقة سرعان ما تغلب على ازمات الربو الصدرية التي كانت تعيق حركته منذ شبابه الباكر، ليواصل الطالب النجيب دراسته الطبية بتفوق في بوينوس ايريس ويصبح طبيبا متخصصا في امراض الحساسية. الا ان حب المغامرة دفع بهذا الارجنتيني الشاب الى ان يجوب اكثر من مرة اميركا الجنوبية بالدراجة الهوائية او النارية. وخلال الفترة من 1953 الى 1954، اقام غيفارا في غواتيمالا حيث دعم سياسة الرئيس التقدمي جاكوبو اربينز. لكن عندما تولت المعارضة السلطة امرته بمغادرة البلاد فورا. وفي تموز يوليو 1955، لجأ غيفارا الى المكسيك حيث التقى المحامى الكوبي الشاب فيدل كاسترو الذي ذاع صيته بعد الهجوم الفاشل على ثكنة مونكادا في مدينة سانتياغو الكوبية، ليغير هذا اللقاء مجرى حياة الطبيب الشاب. اذ قرر غيفارا النضال الى جانب "المعلم الاول" ضد الديكتاتور الكوبي فولجينسيو باتيستا. وفي نهاية تشرين الثاني نوفمبر 1956 غادر الرجلان المكسيك مع 80 رجلا على ظهر اليخت الخشبي "غرانما" الذي جنح في الثاني من كانون الاول ديسمبر جنوب غربي كوبا. وخلال المواجهات الاولى، ترك "تشي" حقيبته الطبية وحمل السلاح ليصبح "الكومندانتي" او القائد الذي دخل هافانا مظفرا بعد اكثر من عامين من حرب العصابات في كانون الثاني يناير 1959. وفي تشرين الثاني نوفمبر 1959، عين غيفارا رئيسا للبنك الوطني ثم وزيرا للصناعة في كانون الثاني يناير 1961. الا ان كوبا لم تكن بالنسبة له سوى محطة على دربه النضالي. فاعتبارا من عام 1963 شد الطبيب المغامر الرحال الى الصين وافريقيا والعديد من دول العالم الثالث الاخرى. وفي نيسان ابريل 1965 غادر غيفارا هافانا نهائيا بعدما استقال من منصبه الوزاري ليبدأ مغامرته الثورية في الكونغو حيث حاول عبثا اقامة حركة رجال عصابات. لكن الثوري الارجنتيني اضطر بعد اشهر عدة الى الرحيل من هذا البلد بعدما انهكته ازمات الربو والملاريا والديسونتاريا. وبموافقة فيدل كاسترو عاد غيفارا سرا الى كوبا ليغادرها مجددا في اخر مغامرة له، في اطار محاولته نشر الثورة في اميركا اللاتينية كلها والتي كانت في بوليفيا. غير ان امكانات غيفارا لم تكن على مستوى طموحاته في هذه المعركة التي انتظر خلالها بلا طائل وصول تعزيزات من الحزب الشيوعي البوليفي الموالي لموسكو. وبعدما حاصره الجيش البوليفي في الاحراج، سقط غيفارا اسيرا بالقرب من قرية هيغيراس في الثامن من تشرين الاول اكتوبر 1967. وفي اليوم التالي اعدم الثوري المغامر ودفن في مقبرة جماعية منذ 39 عاما. ومر ثلاثون عاما قبل ان يجد لجثمانه مثوى اخير في سانتا كلارا وسط كوبا حيث اقام فيدل كاسترو مراسم تكريم تليق برفيق سلاحه. واليوم تبقى صورة الثوري المنتصر بقبعته الشهيرة حية في الاذهان ومعلقة على جدران غرف نوم الكثير من الشبان الصغار. وفي عام 1997 عرضت العديد من الافلام ونشرت العديد من المذكرات بمناسبة مرور 30 عاما على موت الطبيب الثوري. وتظهر التوزيعات المختلفة التي عرفتها اغنية "هاستا سيمبري" الى الابد للكوبي كارلوس بويبلا منذ صدورها قبل عامين في المناسبة ذاتها مدى تعلق الشباب ب"الكومندانتي".