قبل ذلك بعام كانت محاولة غيفارا للمساهمة في ثورة غواتيمالا اخفقت تحت نيران القذائف التي ضربت العاصمة وألغت الحكم الثوري للرئيس آربنث. ولئن كانت المحاولة أخفقت فإن غيفارا، الطبيب الأرجنتيني العامر بالحماسة والراغب في تثوير القارة اللاتينية كلها، لم يشعر أنه هزم نهائياً. اعتبرها معركة خسرها، ورأى أن الحرب بينه وبين أميركا الشمالية لم تنته، لذلك راح يبحث عن افق ثوري جديد، وكانت كوبا هي المكان الذي يغلي. في كوبا كان كاسترو قد قام بمحاولته الثورية الأولى التي اعتبرها كثيرون "بروفة" عامة للثورة المقبلة، وكان غيفارا بدأ يحمل لفيديل كاسترو قدراً كبيراً من الاحترام، ويتطلع بفارغ الصبر إلى لقائه. وكان كاسترو سمع باسم ارنستو غيفارا من رفاقه الكوبيين الذين كانوا بدأوا يطلقون عليه لقب "تشي" الذي ظل يحمله حتى مقتله، ويعرف به بعد ذلك. اللقاء بين كاسترو وغيفارا، حصل بالفعل يوم 10 تموز يوليو 1955، في مكسيكو، العاصمة المكسيكية التي كان كاسترو نفي إليها بعد فشل محاولته الثورية الأولى، وكان غيفارا توجه إليها إثر سقوط غواتيمالا في أيدي عملاء الاستخبارات الأميركية. قبل ذلك اللقاء، كان هناك - على أية حال - لقاء تمهيدي بين غيفارا وراؤول كاسترو شقيق فيديل، حصل في مكسيكو أيضاً خلال شهر حزيران يونيو السابق. ومنذ اللحظة التي تواجه فيها الرجلان، مرّ تيار الود بينهما بسرعة، وسرعان ما تبدى لهما أنهما متفقان على كل شيء. وكان الثوري نينو لوبيث هو الذي جمع بينهما، وكان سبق لراؤول أن امتدح غيفارا كثيراً أمام أخيه فيديل وأمام الثوريين الكوبيين. وغيفارا لم يفته أن يثني على راؤول، خلال الجلسة، على رغم معرفته بأنه عضو في الشبيبة الشيوعية وبأنه سبق أن زار بلدان البلقان الشيوعية كما زار موسكو ويعتبر من التيار الكوني الداعي إلى تعزيز العلاقة مع هذه الأخيرة. وكان ارنستو متحفظاً عن ذلك. ولكن، أمام حرارة اللقاء وآفاق التعاون الثوري تخلى غيفارا، أمام راؤول عن تحفظاته تلك. غير أن تلك لم تكن حاله حين اجتمع بعد ذلك بفيديل. فهذا الأخير كان يشاركه التحفظات نفسها. من هنا لم يمر بينهما تيار الود فقط، بل مر أيضاً تيار التفاهم السياسي الكامل. ومع هذا ظلا جالسين قبالة بعضهما البعض عشر ساعات يتحدثان. كان ذلك في شقة ماريا انطونيا كونزاليس، حاضنة الثوريين الكوبيين في المكسيك، وهي التي قدمتهما إلى بعضهما البعض. وكان فيديل كاسترو وصل قبل يومين بعد أن اطلق سراحه في كوبا حيث كان يشعر ان حياته نفسها باتت في خطر. خلال حديثهما الطويل المتبادل، والذي زرع بينهما تلك الصداقة التي لم تخبُ بعد ذلك أبداً، وعلى رغم افتراق طريقيهما السياسيين بعد ذلك، تبادل الرجلان الرأي في العديد من المسائل، ووصف رفاق لهما حضروا جانباً من الاجتماع، أن الحديث بينهما كان حديث شخصين مثقفين يكنّان احتراماً كبيراً لبعضهما البعض، ويعرفان ان طريقهما ستكون واحدة منذ تلك اللحظة. ولقد عبر الاثنان معاً عن توقهما المشترك إلى "تحرير شعوب أميركا اللاتينية" وتطلعهما إلى "زمن تعود فيه العدالة الاجتماعية". كما وصف كل منهما للآخر كراهيته ليانكي أميركا الشمالية، والمسؤولين في واشنطن. والطريف ان كلاً منهما خلال تلك الجلسة صارح الآخر بمدى حبه للسلاح وطربه لسماع صوت الرصاص يئز أمام اذنيه. وحين طلب غيفارا من كاسترو أن يحدثه عن انتفاضة "المونكادا" فوجئ الطبيب الأرجنتيني الشاب، بالثوري الكوبي يحدثه عن اخطائه واخطاء جماعته قبل أن يحدثه عن البطولات. في النهاية تقرر أن ينضم غيفارا إلى الثوريين الكوبيين وأن يصبح واحداً منهم، وبدأ على الفور وضع برنامج للتدرب الشاق على الأعمال القتالية استعداداً للثورة المقبلة في كوبا، وفي غير كوبا بعد ذلك. وهما، بالفعل، بدآ منذ الأسبوع التالي لذلك اللقاء سلسلة تدريبات كان من بينها كما في الصورة المرفقة تدريب على تسلق الجبال، أجري في جبال بوبوكاتيبتل المكسيكية حيث أمضى الثوريان هناك فترة عمقت صداقتهما وسادتها نقاشات كانت في بعض الأحيان تنتهي ب"حرد" فيديل...