مع اقتراب نهاية الخطة الخمسية الأولى 96 2000 تجري في الأوساط الإقتصادية اليمنية مناقشة واسعة وحادة بشأن تقويم أداء الخطة ونتائج السياسات وبرامج الإصلاح الإقتصادي التي اتبعتها الحكومة بالتعاون مع المنظمات الدولية المانحة. التقويم بدأ حكومياً وأنجزت وزارة التخطيط والتنمية، ممثلة بقطاع التخطيط الكلي والدراسات، مسودة أولية لتقويم أداء الإقتصاد الوطني في اعوام الخطة وحصلت "الحياة" على نسخة منها. وجاء في مسودة التقرير، الذي لم ينشر بعد، أنه يهدف إلى فهم أسلوب إدارة وتوجيه الإقتصاد وتقدير مدى نجاعة السياسات والإجراءات المنفذة وتشخيص الصعوبات والاختلالات التي تعيق الإقتصاد والعوامل التي تحكمها. وتظهر البيانات الأولية أن اجمالي الناتج المحلي الحقيقي ارتفع من 130912 مليون ريال عام 95 إلى 161902 مليون ريال في السنة 2000 بمعدل نمو سنوي متوسط 3.4 في المئة بينما كان المستهدف 2.7 في المئة أي أن نسبة بلوغ الهدف لم تتجاوز 60.3 في المئة. وباستبعاد أثر نمو النفط فإن متوسط معدل نمو الناتج المحلي لا يتجاوز 8.3 في المئة وتصبح نسبة بلوغ الهدف 53 في المئة فقط. وتعيد وزارة التخطيط والتنمية أسباب ضعف معدلات النمو إلى التراجع الكبير في معدلات النمو المتحققة في عدد من القطاعات الإقتصادية المهمة وفي مقدمها قطاع الصناعات التحويلية، الذي كان يعول عليه كثيرا في استقطاب استثمارات القطاع الخاص المحلي والأجنبي وزيادة الطاقات الإنتاجية القادرة على تأمين فرص عمل جديدة حيث لم يتجاوز متوسط نموه واحد في المئة خلال سنوات الخطة. ولاحظ التقرير ضعف نمو قطاع الصناعة الإستخراجية من دون النفط وقطاع النقل والمواصلات والتخزين إذ لم يتجاوز معدل نموهما الصفر، وأيضاً قطاع الخدمات الحكومية وقطاع التجارة والمطاعم والفنادق اللذين لم يتجاوز معدل نموهما 92.2 في المئة و5.3 في المئة على التوالي، في حين كانت تستهدف الخطة أن تحقق هذه القطاعات نمواً حقيقيا في المتوسط يصل إلى 2.9 في المئة و 10 في المئة و 10 في المئة و10 في المئة و7 في المئة. تجاوز معدلات النمو غير أن التقرير لاحظ أن بعض القطاعات الإقتصادية استطاع تجاوز معدلات النمو المستهدفة مثل قطاع الأسماك وقطاع إستخراج النفط الخام وقطاع التشييد والبناء، وبلغ متوسط معدلاتها السنوية 1.18 في المئة و 43.6 في المئة و73.9 في المئة بينما استهدفت الخطة الخمسية نمواً يصل الى 9 في المئة و44 في المئة و8 في المئة على التوالي. واعترف التقرير بأن سياسات التثبيت الإقتصادي التي تم تنفيذها أثرت بشكل مباشر على أداء عدد من القطاعات الإقتصادية بسبب طبيعتها الإنكماشية على جانب الطلب الكلي في مكونات الاستهلاك والاستثمار، خصوصاً أن هذه السياسات لم تكن مترافقة مع سياسات واجراءات ذات طبيعة تنموية وإدارية وقانونية تساعد على تهيئة مناخ الإستثمار المنتج والفاعل من قبل القطاع الخاص المحلي والأجنبي أو الحكومة في مجالات البنى التحتية المادية والبشرية للإقتصاد. واستهدفت الخطة الأولى إعادة هيكلة الإقتصاد الوطني بما يتناسب مع وفرة الموارد الإقتصادية ومزاياها النسبية، غير أن البيانات الرسمية تشير إلى حدوث تدن كبير في متوسط معدلات النمو للقطاعات الحيوية وانخفاض مساهمتها في توليد الناتج المحلي الإجمالي. ومن ذلك انخفاض نسبة مساهمة قطاع الصناعات الإستخراجية والتحويلية من دون النفط من 46.1 في المئة عام 95 إلى 9 في المئة سنة 2000 وقطاع النقل والمواصلات والتخزين من 7.1 في المئة إلى 6.8 في المئة وقطاع الخدمات الحكومية من 9.3 في المئة إلى 7.8 في المئة خلال الفترة ذاتها، لصالح زيادة نسب مساهمات قطاع الزراعة من 27.8 إلى 30 في المئة وقطاع إستخراج النفط من 5.18 في المئة إلى 4.2 في المئة بين عامي 95 و 2000. اختلال الهيكل الانتاجي وخلص التقرير الى أن الهيكل الإنتاجي زاد اختلالاً وارتفعت مساهمة القطاعات التقليدية كالزراعة التي تحكمها عوامل طبيعية كالأمطار والنفط المعتمد أساساً على الاسواق الدولية، ما يعني أن أكثر من 6.5 في المئة من الناتج المحلي تحكمه عوامل غير مستقرة وهذا يجعل الإقتصاد حساساً لأي تغيرات طبيعية أو خارجية. ولاحظت بيانات تقويم الخطة، التي أشرف على إعدادها المدير العام للتخطيط الكلي والدراسات أحمد محمد حجر تحسناً طفيفاً في الميزان الإقتصادي الكلي، وأدى تنفيذ سياسات التثبيت الاقتصادي إلى انخفاض متوسط معدل الإستهلاك النهائي الخاص بالأسعار الجارية ولم يتجاوز 12.7 في المئة مقارنة بمتوسط معدل النمو السنوي للناتج المحلي البالغ 2.17 في المئة، وبالتالي انخفضت نسبة الاستهلاك النهائي الكلي إلى الناتج المحلي من 7.99 في المئة عام 95 إلى 6.68 في المئة عام 2000 على رغم ارتفاع نسبة الاستهلاك النهائي الحكومي إلى الناتج المحلي من 4.17 في المئة الى 5.15 في المئة. وارتفع الإستثمار بمعدل سنوي 18 في المئة بالأسعار الجارية وارتفعت قيمة الصادرات السلعية جراء رفع سعر تحويلها من الدولار إلى الريال بنسبة 29.9 في المئة مما جعل نسبتها إلى الناتج المحلي ترتفع من 19.5 في المئة عام 95 إلى 33.5 في المئة عام 2000، وانخفضت نسبة فجوة الطلب المحلي إلى الناتج الاجمالي من 21.3 في المئة إلى 2.9 في المئة. نمو الاستثمار وبالنسبة للإستثمار الإجمالي ومصادر تمويله خلال سنوات الخطة أظهرت البيانات الرسمية الأولية أن الاستثمار حقق نمواً سنوياً في المتوسط بنحو 18 في المئة وارتفعت نسبته إلى الناتج المحلي، غير أن هذا الارتفاع كان محدوداً جداً ولا يتناسب مع ما استهدفته الخطة وهو بلوغه 30 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. وكشف التقرير أن جزءاً مهماً من الاستثمارات نفذها القطاع الحكومي والقطاع العام وبلغ معدل نمو استثمارهما السنوي 5.31 في المئة و2.35 في المئة على التوالي، بينما لم يتجاوز معدل النمو السنوي لاستثمارات القطاع الخاص المحلي والأجنبي 11 في المئة بما في ذلك استثمارات النفط والغاز. وقال ان قسطاً كبيراً من استثمارات القطاع العام والحكومي ركز على استكمال المنشآت العامة وتأثيثها وإعادة تأهيل المنشآت الانتاجية التي تضررت من حرب صيف 94 والتوسع في البناء، مشيراً إلى أن الحد الأدنى من الإستثمارات الفعلية اللازمة لرفع حجم ومستوى البنى التحتية والخدمات الأساسية لم يتحقق بالقدر المقبول. وعند الحديث عن مصادر تمويل الاستثمارات أفادت بيانات ميزان المدفوعات بأن المصادر الخارجية تُقدر بنحو 3400 مليون دولار خلال سنوات الخطة وبما نسبته 59 في المئة من إجمالي الاستثمارات بينما كان التمويل المحلي نسبته 41 في المئة . وقالت البيانات ان المستخدم فعلياً من القروض والمساعدات الخارجية لم يتجاوز 63 في المئة مما كان متوقعاً خلال الخطة كما أن حجم استثمارات النفط والغاز خلال سنوات الخطة لم يتجاوز 29 في المئة مما كان مخططاً له. وأشارت البيانات إلى أن درجة اعتماد الاقتصاد اليمني على العالم الخارجي ارتفعت في الاعوام الخمسة الأخيرة لأسباب عدة أهمها تدني معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي وتنفيذ سياسات تحرير التجارة وأسعار صرف العملة المحلية مقابل العملات الأخرى. وفي هذا السياق تفيد المؤشرات الى ارتفاع نسبة واردات السلع والخدمات إلى اجمالي الناتج المحلي من 2.44 في المئة عام 95 إلى 2.47 في المئة عام 2000 وزيادة الصادرات من السلع والخدمات. العالم الخارجي وخلصت المؤشرات إلى أن الاقتصاد اليمني يعتمد بدرجة كبيرة على العالم الخارجي لتغطية احتياجاته من السلع الاستهلاكية والاستثمارية وعلى المصادر الخارجية لتمويل عملية التنمية وعلى الأسواق الخارجية في توليد الدخول. وقال التقرير الحكومي ان الدخل القومي ارتفع خلال الخطة الخمسية الأولى من 564.9 بليون ريال عام 95 إلى تريليون و96 بليون ريال عام 2000 بمعدل نمو سنوي متوسط 2.14 في المئة، وهو يقترب من متوسط معدل التضخم والبالغ خلال الفترة نفسها 1.11 في المئة، بمعنى أن النمو الحقيقي للدخل القومي المتاح لا يتجاوز 2.8 في المئة وهي نسبة أبعد بكثير مما استهدفته الخطة بمعدل 7.2 في المئة. وقال التقرير ان متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي زاد من 302 دولار عام 95 إلى 375 دولاراً عام 2000 لكن مستوى المعيشة الحقيقي انخفض بنسبة 6.9 في المئة بعد خصم معدل التضخم السنوي مما يضاعف من خطورة مشكلة الفقر. ولاحظت البيانات تفاوتاً واضحاً في توزيع الدخول بين الفئات الإجتماعية حيث تظهر النتائج النهائية لمسح الأسرة لعام 98 أن 10 في المئة من إجمالي السكان الأقل دخلاً تحصل على 3 في المئة فقط من الدخل القومي بينما يستحوذ 10 في المئة من الفئات الأكثر دخلاً على 34 في المئة من إجمالي الدخل القومي. وحسب المسح نفسه تستحوذ نسبة 20 في المئة من السكان الأكثر دخلا على 49 في المئة من الدخل القومي بينما تحصل نسبة 80 في المئة من السكان على 51 في المئة من الثروة. البطالة وفي مجال الحديث عن البطالة افاد التقرير أن اجمالي قوة العمل ارتفعت من 4.1 مليون عامل عام 95 إلى 4.3 مليون عامل عام 2000 بمعدل نمو سنوي متوسط يصل إلى 81.42 في المئة. وقال ان نسبة البطالة تضاعفت خلال خمس سنوات فقط ومما يزيد من خطورتها زيادة حجم البطالة الموسمية وبالأخص في القطاع الزراعي ونسبة البطالة المقنعة في القطاع الحكومي والعام والخدمات.