أكثر من 20 ألف جولة رقابية تنفذها بلدية محافظة الأسياح لعام 2024م    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الإساءة إلى جيرانكم وأحسنوا لهم    أسواق التميمي" تفتتح فرعها الجديد في حي النرجس بالرياض    بعد الهدوء الهش في غزة.. الضفة الغربية على حافة الانفجار    "ليلة فنانة العرب أحلام: احتفاء بالألبوم الجديد ضمن فعاليات موسم الرياض"    ساديو ماني يعلق على رغبة إنتر ميلان في ضمه    حسام بن سعود يشكر القيادة لتمديد خدمته أميراً للباحة    إحباط تهريب (645) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في عسير    أمير الباحة يشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمته أميراً للمنطقة    خطيب المسجد الحرام: حسن الظن بالله عبادة عظيمة    انقطاع الكهرباء عن الآلاف في بريطانيا وأيرلندا بسبب رياح قوية    إحباط محاولة تهريب أكثر من 1.4 مليون حبة كبتاجون عبر ميناء جدة الإسلامي    "المركزي الروسي" يخفض سعر صرف الروبل أمام العملات الرئيسية    وفيات وأضرار خلال موسم الأمطار في بوليفيا    الذهب يسجل أعلى مستوى في 3 أشهر مع ضعف الدولار وعدم وضوح الرسوم    ترمب يشدد على إنهاء حرب أوكرانيا ويلوح بفرض جمارك ضخمة    قاضٍ أمريكي يوقف قرار تقييد منح الجنسية بالولادة    انطلاق ثاني جولات بطولة "دريفت 25" الدولية لقفز الحواجز في تريو الرياضي بجدة    أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    من التمريرات إلى الأرباح    جرائم تحت الملاحقة.. النيابة تتصدى.. العدل تحسم    البرلمان العربي: ما يحدث في الضفة الغربية انتهاك صارخ للقانون الدولي والإنساني    المشي حافياً في المنزل ضار للقدمين    العمل المكتبي يُبطئ الحركة ويزيد الأرق    عقل غير هادئ.. رحلة في أعماق الألم    أمر ملكي.. تمديد خدمة عبدالعزيز بن سعد أميراً لمنطقة حائل لمدة 4 أعوام    %2 نموا بمؤشر التوظيف في المملكة    400 مشارك في جائزة "تمكين الأيتام "    سلمان الشبيب.. من ضفاف الترجمة لصناعة النشر    الأخضر تحت 16 يفتتح معسكره الإعدادي في جدة بمشاركة "27" لاعباً    السواحة يناقش وزير «السكك الحديدية والإعلام..» ورئيس مايكروسوفت وقادة كبرى الشركات    الثنائية تطاردنا    تاريخ محفوظ لوطن محظوظ برجاله..    تمديد فترة استقبال المشاركات في معسكر الابتكار الإعلامي «Saudi MIB» حتى 1 فبراير 2025    كل التساؤلات تستهدف الهلال!    رحلة نفسيّة في السفر الجوّي    أعطته (كليتها) فتزوج صديقتها !    العمل عن بُعد في المستقبل!    أمانة جدة تضبط 3 أطنان من التبغ و2200 منتج منتهي الصلاحية    "خالد بن سلطان الفيصل" يشارك في رالي حائل 2025    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة فيفا    وزير الصناعة والثروة المعدنية يفتتح المؤتمر الدولي ال 12 لتطبيقات الإشعاع والنظائر المشعة الأحد القادم    نائب وزير البيئة والمياه والزراعة يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته ل4 سنوات    سرد على شذى عطر أزرق بمقهى "أسمار" الشريك الأدبي في أحد المسارحة    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان رئيس منغوليا في وفاة الرئيس السابق    فعالية "اِلتِقاء" تعود بنسختها الثانية لتعزيز التبادل الثقافي بين المملكة والبرازيل    إنجازات سعود الطبية في علاج السكتة الدماغية خلال 2024    التجارة: 10% نمو قطاع خدمات الإقامة والطعام خلال العام 2024    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين ك"منظمة إرهابية أجنبية"    1000 معتمر وزائر من 66 دولة هذا العام.. ضيوف» برنامج خادم الحرمين» يتوافدون إلى المدينة المنورة    أمير الشرقية يستقبل الفائزين من "ثقافة وفنون" الدمام    تنبيه من الدفاع المدني: أمطار رعدية حتى الاثنين المقبل    السعودية تدين وتستنكر الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية على مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة    سليمان المنديل.. أخ عزيز فقدناه    وصية المؤسس لولي عهده    ندوة الإرجاف    القيادة تعزي الرئيس التركي في ضحايا حريق منتجع بولو    "ملتقى القصة" يقدم تجربة إبداعية ويحتضن الكُتّاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"التنمية ورسالة الجامعة في الألف الثالث"
نشر في الحياة يوم 06 - 06 - 2000

وينطلق محمد مصطفى الأسعد في كتابه "التنمية ورسالة الجامعة في الألف الثالث" منشورات المؤسسة الجامعية للدراسات في بيروت من فكرة مهمة وبديهية في آن، تقوم على ضرورة ربط عجلة الجامعة بحركة المجتمع. فالموضوع ليس جديداً كما تشير اليه قائمة الاستشهادات الطويلة التي يلجأ اليها الكاتب، بنزاهة علمية، بيد انه مهم للغاية. فمجرد تكرار المشكلة التي يطرحها هذا الموضوع عندنا، في العالم العربي المعاصر، يحمل دلالة في أننا لم نتوصل بعد الى حلّ.
بل في امكاننا القول إننا ما زلنا بعيدين جداً عن الحلّ المطلوب في هذا السياق. فما يعني ان تكون لنا جامعات من دون ان تكون هذه المؤسسات التعليمية العليا مرتبطة بما يعزّز رفاهيّة الانسان وتقدمه؟
وما يعني ان يكون عندنا جامعيون من دون ان تنسحب معارفهم "العليا" على النسيج الاجتماعي العام؟ وما يعني ان يكون لدينا متعلمون من دون ان تكون العلوم منتشرة في ما بيننا، في حياة الناس اليومية والعملية، وفي وعينا الثقافي العام؟
يبدأ محمد مصطفى الأسعد بالاجابة عن هذا السؤال الجدّي باستعراض مسيرة تكوين الجامعات في الغرب. فيلاحظ ان جامعات الغرب كانت قد انطلقت، في القرون الوسطى، من أفق معرفي محدّد، يقوم على حفظ التراث واللغة ونقلهما الى الأجيال الطالعة ضمن معايير الاستقامة الاخلاقية والدينية. وبذلك كانت جامعات بولونيا من ايطاليا واوكسفورد والسوربون تعيد تلميع تراث الأمة المجيد، حفاظاً على الذات الحضارية المتمحورة حول الديانة المسيحية. وضيق الأفق المعرفي هذا قد أدّى بهذه الجامعات الى تكرار معارفها من دون ابداع والى وقوفها من العقلانية موقفاً حذراً، بل معادياً.
بعد دخول الغرب الى عصر التنوير، في القرن الثامن عشر، وتبدّلت نسبياً هويّة الجامعة في الغرب، حيث أضحت العلوم فيها منافسة جدّية "للآداب" التي كانت تحوي آنذاك جميع الشؤون التي تُعنى بها اليوم العلوم الانسانية. وتعادل النزعة العلمية مع النزعة الأدبية أوجد إذاك في الجامعات الغربية توازناً سليماً استفادت منه جداً جميع الشرائح الاجتماعية، ذلك ان مناخاً معرفياً جديداً كان قد تولّد وسمح للجميع بالتنفس من دون ضغوطات مادية أو معنوية.
أما خلال القرن التاسع عشر، ومع قيام الثورة الصناعية، خطت الجامعة مجدداً في الغرب خطوة نوعية، إذ دأبت على متابعة ودعم التقدّم الصناعي، من خلال تطويرها وتجديدها لعلومها التقنية كافة، وابتداعها لعلوم جديدة كعلم النفس وعلم الاجتماع لمواكبة المشاكل الانسانية والاجتماعية الناتجة عن هذه الثورة الصناعية. أي ان الجامعة عرفت في كل مرحلة، في الغرب، كيف تعيد تحديد هويتها بما يتناسب مع المناخات الثقافية والاقتصادية المستحدثة في كل عصر، بل في كل قرن.
ذلك ان الجامعة في الغرب اليوم ذهبت أبعد من مواكبة التحوّل في الصناعة، غارقة في علوم الاتصال والفضاء وبواطن الأرض وأعماق البحار، بحيث انها غدت مؤسسة أولى وأساسية في انتاج المعارف الجديدة والمبتكرة على الدوام.
أما نحن، فيرى المؤلف بموضوعية اننا دون هذه العملية بدرجات، لا لقصور في قدرتنا الذهنية، بل في عدم تمكننا من اجراء عمليات إعادة التأهيل النسبية التي تفترضها مسؤوليات التعليم العالي، المفترض به ان يتحلّى بنظرة استراتيجية الى شؤون العلم والانسان. ويعتبر ان احدى عقبات تقدّمنا في هذا المجال يقع في اننا لم نتمكن بعد من انتاج معارف عصرية وعلمية باللغة العربية.
فبسبب عجزنا عن الابداع، في مجال العلوم كافة، بلغتنا نحن، تبقى قابعين في التبعيّة الثقافية التي تستتبع، كما بتنا نعلم جميعاً، نبعيّة اقتصادية واتصالية وحضارية. ويؤكد المؤلف على ان انتاجنا بلغتنا الأم لا يعني بتاتاً عدم اتقان اللغات الأجنبية. بل ان اتقاننا للغات الشعوب الأخرى شرط لتواصلنا معها على قدم المساواة. فاللغة الأجنبية اداة اتصال ولا طابع معوقاً لها في نموّنا الثقافي الذاتي.
تبدأ عملية بناء الجامعة الوطنية والقومية، في نظر المؤلف، من هذه النقطة بالذات. والفكرة بحدّ ذاتها صحيحة. إذ يكفي ان ننظر ناحية التجربة اليابانية، أو الصينية حالياً ايضاً، لكي نتأكد من ان اللغة الوطنية هي القالب الفعلي والقلب النابض لعملية ربط الانتاج الجامعي بحركة المجتمع، على الصعيدين العلمي والانساني.
غير ان هذا الشرط الضروري، كما في معادلات الرياضيات، ليس كافياً بحد ذاته. فاللغة ليست هدفاً بحد ذاته. ولم تتعامل معها الجامعات اليابانية والصينية بشكل صنمي. بل انها فكّت ارتباطات اللغة الوطنية والقومية في تجاربها عن البعدين الاخلاقي والديني، فهل بامكاننا نحن ان نقوم بعملية موازية ومن العيار نفسه في الوقت الراهن؟
يؤكد المؤلف ايضاً في كتابه ان الاختبار الثاني الذي ينتظرنا، والذي يتحدانا جميع، في عملية اشراك الجامعة في عملية التنمية الاجتماعية، هو في ايجادنا للمربي المناسب.
صحيح ان الجامعة تنتج المعارف، وتصرّ على ان تكون جديدة ومجدّدة في حقولها، الا ان السهر على نقل هذا الابداع من مستوى الخاصة، مستوى نخبة من المتعلمين، الى مستوى العامة، يقتضي انصاف اصحاب المعرفة برغبة حقيقية وصادقة في نقل معارفهم الى ابناء مجتمعاتهم.
وهنا يضع محمد مصطفى الأسعد الاصبع مجدداً على الجرح، اذ انه يشير الى هذه النزعة السوسيولوجية التي بامكاننا ملاحظتها عند الأساتذة الجامعيين عامة في العالم العربي، والتي تقوم على فوقيّة غير مبررة في التعامل مع بعضهم البعض من ناحية، ومع طلاب العلم من ناحية اخرى. الأمر الذي يقطع الطريق مباشرة امام أي عملية تواصل بناءة بين الحرم الجامعي والمجتمع.
فالحرم الجامعي يسعى لأن يكون جزيرة فاضلة، بيضاء وناصعة، وجزيرة مفصولة عن المجتمع الذي يحيط بها.
أي اننا، ذهنياً، ما زلنا على هذا المستوى في صميم نموذج جامعات الغرب الأولى، حيث كان الاستاذ ماجيستراً، أي قيماً مطلقاً على العلم الذي أوكلت مهمته اليه والذي كان يتجسد بكرسي خاص في قاعة محاضرات الجامعة. من هنا يبدو ان مشكلاتنا مع جامعاتنا ومع تنمية مجتمعاتنا ما زالت، في نهاية المطاف، مشكلة معرفية ذاتية، قبل ان تكون مشكلة تبعية الى هذا الغرب، والى نماذجه التربوية، الخلاقة والمبدعة، والتي كفلت له تواصل جامعاته مع مجتمعاته، في وقت نبقى نحن متأخرين عن الركب الحضاري العام... ومنذ أكثر من قرنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.