من يرصد اتجاهات الرأي العام المصري وهو يستقبل الانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني نوفمبر 2000، ربما يكتشف ان الناس آمنوا - بالتجربة - أن البرلمان لم يعد أداة اجتماعية يتم من خلالها انجاز القدر المطلوب من التغيير الذي يتمنونه، وانه - على النقيض - تحول الى اداة لاعادة انتاج الواقع، ولاعادة ترسيخ نمط من القيم السياسية، التي لم يعد في جعبة المجتمع السياسي سواها. وقل مثل ذلك عن آلية التغيير الوزاري، فقد اعطت آخر ما لديها، وبدأت تتجه نحو ما يأتي، ليس فقط بما هو دون طموح الناس، وإنما بما يصدم مشاعر الناس، حتى انهم بعد ان تنشر اخبار التغيير الوزاري، يقولون: ليته لم يكن. والحقيقة ان العجز الذي لحق بالسلطة التشريعية وبالسلطة التنفيذية، ومنعهما - معاً من ان تكونا من آليات التغيير، هو الناتج الطبيعي "لاغلاق باب الاجتهاد والتجديد السياسي" الذي تم لمصلحة التفرغ لانجاز الاصلاح الاقتصادي، طوال عقدين من الزمن، بحيث يجوز القول إن نمو الحياة السياسية المصرية توقف عند منتصف الثمانينات فمنذ ذلك الحين لم تظهر فكرة سياسية جديدة، ولم تنشأ قوة سياسية جديدة، حتى غدت السياسة المصرية تتغذى بذاتها، وتنحت مدخلاتها بقضم اطرافها، ثم تعيد إلتهام مخرجاتها. وتاريخياً فان اغلاق ابواب الاجتهاد السياسي تم اعلانه منذ الايام الاولى التي سبقت اعلان النظام الجمهوري والتي تلت تحرك الدبابات للاستيلاء على السلطة في تموز يوليو 1952، إذ صدر بيان يناشد الشعب "الاخلاد الى الهدوء والسكينة" وهو ما كان يعني - من الناحية السياسية الا يتدخل الشعب في هذه اللحظات الحاسمة، ليكون طرفاً في المعادلة، التي تم - وفقاً لها تأسيس النظام الجمهوري بتجميع مصادر السلطة التي كانت موزعة على اطراف عدة، ثم تركيزها في يد فردية واحدة. غير ان السياسة الناصرية، وإن اغلقت ابواب الاجتهاد من اسفل، اي في وجه الشعب، إلا انها تركته مفتوحاً من اعلى، اي لنخبة الحكم تمارسه نيابة عن الشعب كديموقراطية بالوكالة الجبرية، وإن كانت دولة السادات زحزحت - قليلاً - احكام الاغلاق، إلا أن القدر الذي انفتح من الباب الموارب بقي مطلاً على انياب الديموقراطية، التي قد تشجعك على ان تطرق، ولكنها تردعك من ان تدخل فهي "ديموقراطية لعوب" تجيد الغزل ثم تنقلب الى شيء من الاعراض كثير، والى شيء من الصدود اكثر، بل اعنف. والجديد، الذي طرأ في العقدين الاخيرين، هو ان اغلاق ابواب الاجتهاد والتجديد السياسي، صار ايديولوجيا معلنة ورسمية، تتم بالعدل والانصاف، فهي مغلقة من اعلى، ومغلقة من اسفل، فلا يستمتع بممارستها طرف، ولا يحرم منها طرف آخر، فالجميع امام حرمة الاجتهاد سواء. وعلى هذا، فإن اغلاق باب الاجتهاد السياسي فقهاً وحركةً، خطاباً وتنظيماً، تجديداً وتعبئة، جعل الروافد التي تمد السياسة المصرية بأسباب الحياة، محصورة في روافد تمدها بأسباب الجمود، فالسياسة المصرية في العقدين الاخيرين اخذت عن الرافد الناصري ما للرئاسة من صلاحيات ابدية واسعة، واخذت عن الرافد الساداتي ما للتعددية الحزبية من فرص محدودة، فقد كان التحول الحزبي - بالصورة التي ارادها الرئيس السادات، في النصف الثاني من السبعينات - آخر اجتهاد سياسي، استنفد طاقته وأدى الغرض منه ووصل الى نهايته الطبيعية في النصف الثاني من الثمانينات. ولا جدال في حقيقة ان هذه الايديولوجيا المعلنة لقيت في السنوات الاولى من عقد الثمانينات ارتياحاً شعبياً، على اساس انها تعني التزاماً من النظام بألاّ يدع البلد تقع في حبائل السياسية والاعيبها، وتنشغل عن الاقتصاد وحاجات الناس، الذين دفعوا فاتورة "الديموقراطية اللعوب" في النصف الثاني من السبعينات ووجدوا انفسهم في مطلع الثمانينات يعيشون في "دولة الطوابير"، إذ كان قدراً على المواطن، أن يقضي يومه منصوباً ومصفوفاً في طوابير عدة، فهو في طابور حتى يجد موضع قدم - وليس مقعداً - في باص يقله الى عمله، وفي طابور ليحصل على حاجته من الخبز، وفي طابور ليحصل على دجاجة مثلجة ربما كان تم استيرادها فاسدة، وفي طابور ليحصل على قارورة زيت او علبة سكر. وقل شيئاً قريباً من ذلك عن مواقف نخبة الفكر والسياسة، مع اضافة، انها في ذلك الحين، لم تكن ترى في موقف السلطة الجديدة من رفض التجديد السياسي ايديولوجيا معلنة ورسمية سوف يظل وفياً لها، وانما - على الارجح - كانت ترى في الامر اجراء موقتاً، يعيد الى البلد ما افتقدته من استقرار، ويسمح بتصحيح الجوانب السلبية من تجربة "الديموقراطية اللعوب". وهم الآن يكتشفون أن التطور السياسي توقف عند مرابع "الديموقراطية اللعوب" وقد مر عليها عقدان من الزمن، حتى تحولت الى ديموقراطية عجوز فقدت مهارتها في الغزل، فلم تعد تجد حولها من تمارس عليه دلال الاعراض والصدود، فقد بليت حتى لم يعد في ايجابياتها جمال يرتجي، وليس في سلبياتها جدوى من اصلاحها. وربما يصلح مفهوم "اغلاق باب الاجتهاد" اداة نظرية لتفسير ثلاث من ازمات الشرعية، سقط فيها النظام الجمهوري ثلاث مرات، الاولى في حزيران يونيو 1967، والثانية في ايلول سبتمبر 1981، والثالثة في عام الرمادة والكساد الكبير في سنة 2000، إذ ظل النظام الجمهوري بتنويعاته الثلاثة وفياً وحفيظاً على المعادلة التي حملها الاعلان الاول للنظام في 26 تموز يوليو 1952، فقد جاء فيه على لسان محمد نجيب: "إن نجاحنا للآن في قضية البلاد، يعود أولاً واخيراً، الى تضافركم معنا بقلوبكم، وتنفيذكم لتعليماتنا، واخلادكم الى الهدوء والسكينة. انني اتوسل اليكم ان تستمروا في التزام الهدوء التام حتى نستطيع مواصلة السير في قضيتكم بأمان". فعلى امتداد ما يقرب من خمسين عاماً، لم يكن مطلوباً من الشعب. ألا ان يتضافر بالقلب فقط، اي ان تتوقف فاعليته السياسية عند اكثر السقوف انخفاضاً، وهو سقف اضعف الايمان، وفوق هذا السقف يكون على الشعب واجبان: تنفيذ التعليمات من دون ابداء راي فيها، ومن كان له رأي فليحتفظ به لنفسه وهذا هو الواجب الاول، ثم يخلد الى الهدوء والسكينة وهذا هو الواجب الثاني. ومعنى هذا باختصار: اغلاق باب الاجتهاد من اسفل وتركه مفتوحاً من اعلى. والدرس المستفاد هو ان اغلاق باب الاجتهاد من اسفل، جعل الاجتهاد من اعلى ينزل الى تربة غير متفاعلة معه، فانتفت عنه الصفة السياسية بما تعنيه من تفاعل واختيار، وتحول الى قرارات ادارية بما تعنيه من التزام واجبار يستوي في ذلك ما عرفه النظام الجمهوري من مؤسسات حزبية في تجربة الحزب الواحد هيئة التحرير - الاتحاد القومي - الاتحاد الاشتراكي او في تجربة الاحزاب المتعددة، وما عرفه النظام من وثائق وتعديلات دستورية في 1953 - 1956 - 1958 - 1962، 1964 1969 - 1971 -1981 حين هيمنت الرئاسة على السلطة التنفيذية وهيمنت هذه الاخيرة على السلطة التشريعية. والخلاصة ان احتكار النظام الجمهوري للحق المطلق في الاجتهاد والتجديد السياسي، حوّل السياسة الى عمل اداري وحول العمل الاداري الى رديف تابع للاجهزة الامنية، ما اعاق نمو فكرة الدولة الحديثة او الدولة العصرية او دولة القانون والمؤسسات على يد الدول نفسها. وفي الوقت ذاته فان اغلاق باب الاجتهاد من اسفل، فتح سوقاً سوداء، او سوقاً موازية، راجت فيه الاجتهادات الخاطئة، والمهربة، والمتسللة عبر الحدود وعبر الماضي، فظهرت نظريات التكفير وفقه العنف، الذي تطور من تكفير الدولة الى تكفير المجتمع، الى تكفير طقوس الحياة اليومية للناس، داعياً الى دولة جديدة، والى مجتمع جديد بل وإلى تفاصيل جديدة لحياة الناس، وكانت النتيجة ان راحت فكرة الدولة الحديث ودولة القانون والمؤسسات تقع ضحية للصراع، بين المتاجرين بالشريعة والمتاجرين بالشرعية وبين المتسترين بالدين والمتسترين بالدولة، وبين المتاجرين بالتغيير والمتاجرين بالاستقرار، وكلا الفريقين يتحرك من ارضية فكرية وذهنية واحدة ترى في الدولة جهازاً علوياً له الحق المطلق في فرض الوصاية على الناس. وملأ الفريقان بمعاركهما الممتدة اوسع فضاء ممكن بصورة لم تتسع لينشأ فريق يكون نصيراً للدولة الحديثة. كذلك فإن "اغلاق باب الاجتهاد من اسفل" يصلح اداة نظرية لتفسير الجمود الذي آلت اليه مقادير النظام الجمهوري بعد خمسة عقود. ومثالاً، إذا نظرت الى العقود الثلاثة للعهد السابق على الجمهورية لوجدت مساحة واسعة للاجتهاد الفكري والتنطيمي على الصعيد السياسي، يترواح من التوجهات القريبة من الحكم مثل الوفد والاحرار الدستوريين والسعديين والكتلة الوفدية الى التوجهات القريبة من المعارضة مثل "الاخوان" و"مصر الفتاة" والشيوعيين وبقايا الحزب الوطني، حتى وإن كان معظم هذه التوجهات بقى محروماً من السلطة، إلا أنها استمتعت بقدر وافر من حرية التنظيم والفكر، جعل منها اطراً واسعة تستوعب الكثير من طموحات القوي الجديدة والمختلفة عن النظام ومعه، بصورة ساهمت بقدر عال من الفاعلية في بلورة ازمة النظام تحت بند المسألة الاجتماعية التي عبر عنها طه حسين في كتابه "المعذبون في الارض" بأنها صراع بين "الذين يحرقهم الشوق الى العدل، والذين يؤرقهم الخوف من العدل". والمعنى: أنه رغم ازمة نظام ما قبل الجمهورية، إلا أن حيوية الاجتهاد السياسي تمكنت - على الاقل - من بلورة محل النزاع في مسألة العدالة الاجتماعية، بلورة تحظى بشيء من الاجماع وتنال قدراً كبيراً من الاتفاق بخاصة بين التوجهات المعارضة التي ربما كانت العباءة التي خرج من تحتها نموذج تموز 1952. اما العقود الجمهورية الخمسة، فإنها لم تشهد ميلاد قوى سياسية جديدة، تنتمي - عمرياً وفكرياً وسياسياً- الى النصف الثاني من القرن العشرين، وكان ما حدث أن الباب الموارب الذي فتحه الرئيس السادات أعاد استدعاء قوى تنتمي الى المرحلة السابقة التي كانت تعرف في الخمسينات والستينات بالعهد البائد، يستوى في ذلك الوفد، والاخوان، واليسار، و"مصر الفتاة"، اي حزب العمل. وكان ما استجد في العقدين الاخيرين، هو منظمات حقوق الانسان، والمنظمات الاهلية، ووجودها يأتي في إطار ظاهرة عالمية، أكثر من كونها ثمرة لانفتاح باب الاجتهاد من اسفل. والحقيقة أن ازمة الركود والكساد الاقتصادي التي شهدتها مصر اخيراً هي وجه واحد من وجوه متعددة لحال من الركود والجمود الشامل في الاقتصاد والسياسة والثقافة والمجتمع، وهي ازمة تخلق رغبة ظاهرة في التغيير الشامل، ولكن، من احتباس الاجتهاد والتجديد، فإن هذه الرغبة تظل اقرب ما تكون الى حالة نفسية هائمة مدفوعة بدواعي الملل والسأم، أكثر من كونها رغبة تعبر عن أجندة وطنية ذات مضامين سياسية واجتماعية واضحة. ومن جانبها، فإن النخبة الحاكمة تبدي استشعاراً محدوداً جداً لهذا الجمود، بقدر يترجم نفسه في دعواتها المتكررة للناس والاحزاب ان يشاركوا في الانتخابات العامة، وتترجم نفسها في دعوات خافتة لبناء دولة المؤسسات، ولكن، تظل هذه الدعوات رماداً تذروه الرياح، لان ازمة المجتمع السياسي هي ازمة قواعد دستورية، واحزمة قانونية، وبيئة عامة، تحتاج الى ما هو اكثر من الدعوات والمناشدات التي تلقى في الخطب والمناسبات العامة، ولان هذه الازمة تنطوي على شيء مما ينال من الشرعية نفسها فإن النخبة الحاكمة حاولت ان تمتطي صهوة ما سمّته المشروعات العملاقة، ولكن لم يمض غير قليل من الوقت، حتى ظهر للجميع انها ليست الا صهوة من ورق، سقطت وتركت الاقدام تغوص في رمال توشكى المشروع العملاق ثم بدأت الدعوة الخجولة لما يسمى النهضة التكنولوجية، وقبل ان يتم انتزاع الاقدام المتعثرة في توشكى، فإنها تحاول ان تبدأ شوطاً جديداً من الركض اليائس خلف فأرة التكنولوجيا، وهذا يعكس رؤية النخبة الحاكمة لحال الجمود، فهي تصر على ان تراها ازمة عابرة وطارئة، يمكن تجاوزها بشيء من الوعود المؤجلة الدفع، وبشيء من المشروعات التي قد يغني انجازها على ورق الصحف وشاشة التلفزيون، ولو بصفة موقتة، ريثما يتم أو لا يتم انجازها على ارض الواقع. ومن جانبه، فإن المجتمع المدني، يعيش حالاً من الضعف غير مسبوقة، فالنقابات تلاشى دورها تحت ضغط الصراع بين الحكومة والاخوان، وازمة الاحزاب ليست في حاجة الى شرح زائد، فقد تآكلت بين عجزها الذاتي وفقر البيئة السياسية. لقد عرفت مصر حالاً من الجمود في نهايات القرن الثامن عشر لم تلبث ان تجاوزتها من بداية القرن التاسع عشر، كما عرفت حالاً ثانية من الجمود والتخدير في نهاية القرن التاسع عشر لم تلبث ان انفكت من قيودها مع بداية القرن العشرين، وهي إذ آلت الى المصير نفسه مع نهاية القرن العشرين فإنها قادرة على التخلص من اسارها مع مطالع القرن الجديد. وإذا كان النظام الجمهوري، حكم على نفسه باغلاق ابواب الاجتهاد والتجديد بأن يؤول الى الجمود الكامل الذي تراكمت دواعيه ومستوياته حتى وصلت الى ذروتها في العقد الخامس من عمره، فإنه مدعو لفتح ابواب الاجتهاد والتجديد حتى يتجاوز ازمته. وإذا كان مفهوم "اغلاق ابواب الاجتهاد"، يصلح اداة نظرية لتفسير جمود النظام الجمهوري، فإن المفهوم المقابل "فتح ابواب الاجتهاد" يصلح مدخلاً عملياً لتجديد النظام الجمهوري، ولخلق جمهورية جديدة. ومفهوم "الجمهورية الجديدة" يصلح جسراً للمستقبل باعتباره وعاء او اطاراً يحمل مضامين سياسية واجتماعية وثقافية، تنم عن رغبة جادة في التغيير، ويصلح لان يكون بديلاً عملياً عن المفهوم الشائع حول ما يسمى "الاستعداد لدخول القرن الحادي والعشرين" إذ ثبت ان هذا الاخير ليس إلا عنواناً احتفالياً ودعائياً، غير مؤهل ليحمل مضامين محددة يمكن الحكم عليها، فهناك مئات المسائل التي يمكن ادخالها تحت بند الاستعداد للقرن الحادي والعشرين، من دون ان تشفع لها الكثرة في التحول الى برنامج متكامل او رؤية متماسكة، تجعل الغد يختلف عن اليوم. والجمهورية الجديدة، هي تصويب للعقد الجمهوري، الذي تأسس على ان يكون دور الشعب هو "التضامن بالقلوب" و"تنفيذ التعليمات" و"الاخلاد الى الهدوء والسكينة" وهو عقد يعني ان الشعب كان حضر القسمة، ولكنه لم يكن شريكاً فيها فجاء نصيبه مثل نصيب ذوي القربي واليتامى والمساكين، الذين يصادف حضورهم لحظة تقسيم التركة من دون ان يكون لهم نصيب شرعي فيها، ولكن مجرد الحضور يترتب عليه ان ينالوا منها طرفاً هامشياً وقولاً معروفاً كما تحكي الآية الثامنة من سورة النساء، وهي آية يرى بعض المفسرين انها منسوخة، فإذا كان النظام الجمهوري، استرد السلطة من يد الملك والانكليز واحزاب الاقلية قبل خمسين عاماً، فإنه لا يزال محتفظاً بها ولم يردها الى الشعب كمصدر حقيقي للسلطات. وعلى افتراض ان السلطة السياسية طوال العقود الجمهورية الخمسة كانت تعمل من اجل الشعب، فإنه لا جدال في أنها لم تكن في يد الشعب. وعلى هذا فإن الجمهورية الجديدة يمكن تعريفها بأنها تعاقد جديد، او صفقة جديدة New Deal تعيد توزيع السلطة، وتعيد توزيع الثروة، وفقاً لبناء دستوري وقانوني جديد، يترجم نفسه في بنيان مختلف مؤسسات السلطة واجهزة الحكم، ويعبر عن نفسه في رؤية اجتماعية تستجيب لواقع الخريطة الاجتماعية الذي يختلف عما كان عليه قبل نصف قرن. وفي كل الاحوال، فإن الجمهورية الجديدة، هي افق ممكن قادر على ان يخترق جدار الجمود الذي يبدو مستحيلاً، فهي تفتح منافذ معقولة تحل ازمة النخبة السياسية الحكومة والمعارضة التي لم تعد احداهما او كلاهما تجد ما تفعله ولا تجد ما تقوله، ولا تجد ما تعد به الناس، سواء كان وعداً عاجلاً ام آجلاً وسواء كان وعداً صادقاً ام مكذوباً، ولم تعد تجد جمهوراً ينتظر منها فعلاً او قولاً او وعداً فالجمهورية الجديدة، تطرح على هذه النخبة بديلين ديموقراطيين: فإما عشرة بالمعروف اي استئناف السياسة برؤى جديدة، وإما تسريح باحسان. وكذلك، فإن الجمهورية الجديدة، تفتح الباب امام ركام من الاجيال التي تراصت في طابور الانتظار على مدى خمسة عقود، لم يكن امامها من خيار للعمل العام الا الالتحاق بالدولة عبر الانسحاق في اجهزة الادارة والامن، ومن حقها اليوم، ان تتنادى وتصطف لبلورة رؤى واجتهادات متنوعة، تتولى التأسيس لنظام سياسي واجتماعي وثقافي جديد، ومن خلال هذه العملية، تكون هذه الاجيال الجديدة خلقت هويتها وعرفت نفسها وطرحت لها وجوداً مستقلاً يستمد شرعيته من تواؤمه مع حاجات مصر في العقد الاول من هذا القرن. فالجمهورية الجديدة، تحل التناقض بين الوجود في السلطة من دون شرعية، والوجود في الشرعية من دون سلطة. وختاماً فإن الجمهورية الجديدة، تقدم مضموناً جاداً، لدعوات الاستعداد للقرن الحادي والعشرين، وتقدم حلاً ديموقراطياً يلبي اشواق الذين يحرقهم الشوق الى التغيير، وهي اشواق مشروعة، ويهدئ - في حدود القانون - مخاوف الذين يؤرقهم الخوف من التغيير، وهي مخاوف مفهومة!. * سكرتير تحرير مجلة "السياسة الدولية" القاهرة