كيف تتوزّع القوى السياسية الفاعلة داخل الجامعات في ايران؟ النشاط السياسي والحزبي الذي تشهده الجامعات الايرانية من خلال وجود مختلف التيارات والاحزاب الفاعلة على الساحة الايرانية فيها، لا يمثل مجرد حال انفعالية وانعكاسية لما يحصل داخل المجتمع الايراني، بمقدار ما هي حال مؤثرة وفاعلة في المجتمع من حولها، ما جعل من الجامعات الايرانية مركز استقطاب ونقطة تجاذب بين الاطراف بهدف الحصول على موطئ قدم فيها وتعزيز التأثير في داخلها. وتشكل الجامعات الايرانية لناحية توزع القوى الفاعلة داخلها عينة مصغرة ونموذجاً مكثفاً لما هو قائم في المشهد السياسي الايراني بشكل عام، حتى ان معظم المراقبين يعتقد بان ما شهده الداخل الايراني من تحولات باتجاه الاصلاحات على مدى السنوات الثلاث الماضية انما يرتبط بشكل اساسي بالدور الفعال الذي قام به طلبة الجامعات من جهة تهيئة المناخات والمعطيات المساعدة على حصول عملية التغيير، الامر الذي تجلى في دعم الاوساط الجامعية والاتحادات الطلالية لرئيس الجمهورية سيد محمد خاتمي في معركته الانتخابية عام 1997 وهو ما ساهم إلى حدٍ كبير في ايصاله إلى سدة الرئاسة. يمكن القول بشكل عام ان المنظمات الطالبية الفاعلة داخل الوسط الجامعي تتجلى في تيارين اساسيين، احدهما يعمل لمصلحة اليسار الاصلاحي وهو "مكتب تعزيز الوحدة" الذي يضم بخاصة الاتحادات الطالبية، الاسلامية في كل الجامعات الايرانية، والآخر يعبر عن تطلعات التيار اليميني المحافظ ويسمى "التعبئة الطالبية"، والفرق بين التيارين يمثل امتداداً في الهوى والمناهج والخلفيات بين المحافظين والاصلاحيين في الساحة الايرانية العامة. وكما ان التيار الاصلاحي اكثر فاعلية وقوة في المجتمع الايراني، واكثر مقدرة من التيار المحافظ على اجتذاب عموم الجمهور، فان المسألة تسحب نفسها إلى داخل الوسط الجامعي، حيث يلاحظ بوضوح المقدرة الفائقة لدى اتباع الاتحادات الطالبية على استقطاب الطلاب واستيعابهم وبالتالي باستحالتهم إلى جانبهم في الاستحقاقات الانتخابية والتجمعات الطالبية المهمة. وذلك عبر الاعتماد على خطاب - وإن يكن لا يخلو من صبغة اسلامية - ثقافي وعصري وخارج في حالات كثيرة عن السائد والمألوف في ادبيات المجتمع الايراني التقليدي في مرحلة ما بعد الثورة، فيما يسلك التيار الآخر المنحى التعبوي الذي يعتمد على الشعارات الاساسية للثورة وعلى تفعيل الروح الحماسية والحمية الاسلامية في اوساط مناصريهم عبر استحضار ملاحم الحرب العراقية - الايرانية على الدوام والتأكيد على الهوية الاسلامية النظرية للشعب الايراني. إلى ذلك، لا يسجل أي حضور فاعل داخل الجامعات للتيارات والاحزاب من خارج النادي الاسلامي. ومن خارج الجامعات الموالية للنظام. فالتيار الليبرالي - القومي مثلما فشل في شغل موطئ قدم متقدم داخل المجتمع الايراني، فشل أيضاً في ذلك داخل الوسط الجامعي، وربما يعود السبب في ذلك إلى ان الجماعات الاصلاحية الفاعلة لا تسمح لهذا التيار بتسجيل حضور مميز فتلك الجماعات تتطلع إلى إحداث الاصلاح وفق ادوات النظام ومؤسساته القانونية مع الحفاظ على مفردات الثورة الاسلامية وادبياتها، في حين يعتبر التنسيق مع التيار الليبرالي والقومي بمثابة شبهة وذريعة لمحاصرة الاصلاحيين وتقويض صمودهم. أما جماعة "خلق" التي يقودها مسعود رجوي والتي تتخذ من بغداد مقراً لها، فهي مغيبة تماماً في الوسط الجامعي شأنها في ذلك شأنها في الوسط الايراني العام نظراً لاستقوائها بالعراق الذي يجمع الشعب الايراني على تحميله مسؤولية الويلات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها ايران ما بعد الثورة. فضلاً عن ان هذه الجماعة محاربة رسمياً وممنوعة قانونياً. يضاف إلى ذلك ان "جماعات الضغط" والتي اشبه ما تكون بالذراع الميليشيوي للتيار اليميني، قد سعت على الدوام إلى التمدد داخل الحرم الجامعي من خارج، وتسجيل حضورها فيه بهدف كبت النفس الطالبي الاصلاحي على رغم عدم كون هذه الجماعات من الوسط الطالبي - لكن منذ الاضطرابات التي حصلت في تموز الماضي داخل الحرم الجامعي نستطيع القول ان الاصلاحيين في الجامعات بدأوا يتكتلون للتصدي لهذه الجماعات الأمر الذي يؤدي إلى حصول صدامات بين فترة وأخرى تعكسها وسائل الاعلام المختلفة.