سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
استعرض تحديات التنمية النفطية في البلدان المنتجة أمام الدورة ال16 لمجلس النفط العالمي . خبير نفطي سعودي يؤكد أهمية الأسعار لتمويل الاستثمارات وضمان الامدادات
كشف خبير نفطي سعودي أن بلاده تعكف حالياً على تحويل المقترحات التي تلقتها أخيراً من الشركات الأجنبية إلى فرص استثمارية قابلة للتنفيذ، مؤكداً في كلمة أمام تجمع كبير من مسؤولي وخبراء صناعة النفط العالمية في مدينة كالغاري الكندية أول من أمس أن القرار الذي اتخذته السعودية في افساح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية ينسجم مع تصميمها على دعم اقتصادها وتنويع مصادر دخلها عن طريق تحقيق أعلى قيمة ممكنة لثروتها من النفط والغاز. واستعرض الأمير فيصل بن تركي بن عبدالعزيز آل سعود مستشار وزارة النفط والمعادن السعودية في كلمته أمام الدورة السادسة عشرة لمجلس النفط العالمي تجربة بلاده في مجال تنمية ثروتها النفطية، موضحاً في البداية أن تنمية الصناعة النفطية ضرورة تفرضها متطلبات السوق إذ لا بد من استخدام الطاقة بشكل من أشكالها المتنوعة لانتاج البضائع وتسيير الخدمات. وقال: "تشكل الطاقة جزء لا يتجزء من التنمية التي تقود بدورها إلى الازدهار". وشدد على الدور المهم الذي يلعبه النفط في الاقتصاد العالمي لافتاً إلى أن "النفط والغاز منحا العالم زهاء 20 في المئة من اجمالي الطاقة التي استلزمتها التنمية الاقتصادية في القرن العشرين". وذكر الأمير فيصل بن تركي في اجتماعات مجلس النفط التي تعقد مرة كل ثلاث سنوات للبحث في أوضاع صناعتي النفط والغاز العالميتين أن ضرورات النمو الاقتصادي الذي يتوقع أن يبلغ متوسطه العالمي على مدى العقدين المقبلين نحو 3.1 في المئة سنوياً، بمساهمة قوية من الاقتصادات الناشئة، لا سيما الآسيوية، سيتبعها ازدياد الطلب على الطاقة بمعدل درجتين مئويتين سنوياً. وتوقع على هذا الصعيد أن يحافظ النفط على مساهمته في اجمالي واردات الطاقة بلا تغيير عند 40 في المئة. ولفت إلى أن نمو الطلب على النفط سيكون عرضة للتأثر بعاملين رئيسيين هما: المسعى المتمثل في بروتوكول كيوتو لتخفيف انبعاث الغازات والتوجه لطرح بدائل جديدة للوقود. ورجح ألا يصبح هذا الأثر محسوساً قبل مضي عقد أو عقدين لكنه أثار تساؤلات في شأن التضحيات الاقتصادية المطلوبة لخفض الانبعاثات وفرصة تقبلها من جانب غالبية سكان العالم الطامحة إلى حياة أفضل فضلاً عن الغموض الذي يكتنف كل من ظاهرة البيت الزجاجي والجدوى الاقتصادية للبدائل. وأوضح في المقابل أن احتياط النفط الخام الذي قدر حجمه عام 1999 بنحو 2.3 تريليون برميل كاف لتلبية الطلب العالمي المتزايد. وقال: "في ضوء النمو المتوقع في الطلب فمن المحتمل أن يصل الانتاج العالمي إلى 90 مليون برميل يومياً بحلول سنة 2014 وأن تبلغ حصة البلدان الخليجية 25 مليون برميل يومياً ترتفع إلى 28 مليوناً بحلول 2020، إلا أن هذه المعدلات الانتاجية ستبقي كميات هائلة من الاحتياط في باطن الأرض ما يعني أن العالم لن يواجه قريباً انخفاضاً في الانتاج لأسباب تتعلق بكفاية المصادر". وأكد أن صناعة النفط العالمية مؤهلة بما تملكه من احتياط هائل للتمتع باستقرار طويل الأمد وأن البلدان الخليجية ستلعب دوراً مركزياً في "الميدان المستقبلي للطاقة" بيد أنه شدد على أن زيادة الانتاج العالمي مرهون بجملة من العوامل في مقدمها أسعار النفط التي تعتبر العامل الأساسي الذي يتحكم ليس فقط بمداخيل المنتجين والاستثمارات النفطية بل أيضاً بمسألة تحقيق التوازن المطلوب بين العرض والطلب. واستعرض الأمير فيصل بن تركي آثار تقلبات الأسعار على تمويل المشاريع النفطية على صعيد البلدان المنتجة وشركات النفط. وقال: "حتى منتصف الثمانينات كان في مقدور البلدان المنتجة والشركات النفطية الاعتماد على مبيعات الخام بأسعار مناسبة لتمويل غالبية مشاريعها. وعقب انهيار الأسعار عام 1986 استمرت بلدان اوبك في الاعتماد على مصادرها الداخلية لتمويل مشاريع دعم الانتاج وكانت كلفة عمليات التنقيب في أراضيها متواضعة نسبياً بسبب ضخامة احتياطاتها النفطية". وأشار إلى أن شركات النفط الرئيسية واجهت وضعاً مختلفاً نجم عن ارتفاع كلفة التنقيب والانتاج في مناطق مثل بحر الشمال وغرب أفريقيا وخليج المكسيك حيث تقدر كلفة تطوير الحقول الجديدة بما معدله 20 دولاراً للبرميل الواحد مقابل خمسة دولارات فقط في البلدان الخليجية. وقال: "في النتيجة اضطرت الشركات النفطية للاقتراض بمعدلات عالية ومع انهيار الأسعار في سنة 1998 ساءت الأوضاع المالية لهذه الشركات لدرجة أن الحل لم يعد يكمن في الحصول على المزيد من القروض بل في الاندماجات ومشاريع إعادة الهيكلة". ولاحظ أن تطورات العقدين الأخيرين تشير إلى مدى أهمية الدور الذي تلعبه أسعار النفط في تمويل الاستثمارات النفطية، لكنه أكد أن الأسعار يجب أن تكون في مستوى مناسب يضمن استمرارية الامدادات النفطية ويحول في الوقت نفسه دون التأثر سلباً على الطلب الفعلي. وأضاف: "الاسعار المستقرة القادرة على تلبية حاجات المنتج والمستهلك والاستمرار في المدى الطويل مؤهلة ليس فقط لاشاعة الثقة وتمكين البلدان المنتجة من التخطيط السليم بل تشجع أيضاً المصرفيين على تقديم القروض لمقترضي صناعة النفط". وقال: "من الواضح أن امدادات النفط بزياداتها المطردة لن يستخدمها المستهلك بشكلها الخام إذ لا بد من معالجتها في مصافي التكرير ونقلها بواسطة الأنابيب أو الناقلات ومن ثم توزيعها على مراكز الاستهلاك، ما يعني أن رفع الانتاج لتلبية الطلب المتزايد يوجب على المنتجين، بما فيهم البلدان الخليجية، توسيع ما يملكونه من منشآت التكرير وتسهيلات التوزيع". وأوضح أن البلدان المنتجة للنفط تعمل على تلبية الحاجات المتزايدة للمستهلكين بتسخير أموال طائلة لتمويل مشاريع التنقيب والانتاج وعمليات التكرير والتوزيع لكنها تركز اهتمامها بشكل متزايد في تنمية اقتصاداتها الوطنية، مشيراً إلى أن السياسات النفطية لهذه البلدان تتميز بأهداف مزدوجة تتمثل في العمل على زيادة صادراتها النفطية والغازية من جهة واطلاق مشاريع مصممة لتحقيق أعلى قدر من القيمة المضافة وتنويع اقتصاداتها ودعمها من جهة ثانية. وقال: "تغطي هذه المشاريع مجالات عدة تشمل تكرير النفط ومعالجة الغاز والبتروكيماويات وتوليد الطاقة وتحلية المياه وتعتمد على استخدام أنواع مختلفة من الطاقة كوقود ومواد خام مثل النفط والمشتقات وسوائل الغاز والغاز الطبيعي، والواضح أن ضمان الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع يرتبط بتوافر امدادات الطاقة بأسعار تنافسية". وتطرق الخبير السعودي إلى تحديات تمويل المشاريع في البلدان المنتجة، مشيراً إلى أن المستثمرين المحليين يوفرون بمفردهم أو بمشاركة شركات عالمية 40 في المئة من رأس المال المطلوب لتمويل المشاريع المشار إليها. وفي حين يمكن للمؤسسات المختلطة والمصارف المحلية تأمين مساهمة إضافية بنسبة 10 في المئة إلا أن توفير الباقي يستوجب اللجوء إلى مصادر أخرى مثل مؤسسات المال العالمية ومصارف تمويل الصادرات والواردات والمصارف التجارية المتعددة الجنسية وربما اصدار السندات. وذكر أن المصارف التجارية العالمية منحت مشاريع الطاقة في سنة 1996 قروضاً بمبلغ 212 بليون دولار مقسمة بواقع 54 في المئة لمشاريع النفط والغاز و 46 في المئة لمشاريع توليد الكهرباء. وأشار إلى أن الاقتصادات الناشئة لم تناهز حصتها من قروض مشاريع تنمية الطاقة في العام نفسه مبلغ 13 بليون دولار بينما ينتظر أن تسجل في العقدين المقبلين أعلى معدلات النمو على صعيدي الأداء الاقتصادي واستهلاك الطاقة. وتوقع أن تنشط البلدان الخليجية في تزويد هذه الاقتصادات، ولا سيما الآسيوية، بالقسم الأعظم من وارداتها من الطاقة. وخلص إلى تأكيد الحاجة لاقامة حشد كبير من مشاريع الطاقة وضمان التمويل اللازم لها لكنه أوضح أن حجم الاقراض المتوافر لمشاريع الطاقة من قبل المصارف العالمية يبدو صغيراً ولن يكون قادراً على مسايرة تنامي الطلب على الطاقة. وأشار إلى توجه جديد على قدر من الأهمية تشهده صناعة النفط يتمثل في سعي الشركات المتعددة الجنسية لاقامة تعاون وثيق مع بلدان "اوبك"، ومنها البلدان الخليجية، وتحمس هذه الشركات للاستثمار في مشاريع التنقيب عن النفط والتكرير، ما يعتبر دليلاً على توافر الفرص المربحة في المنطقة.