اليوم يتوجه سكان لندن لانتخاب محافظهم. وهذه الخطوة ستكون التطبيق الاول، على العاصمة البريطانية، لخطة رئيس الحكومة توني بلير في تفريع devolution السلطة. ومع ان مجلس المحافظة الذي سيُنتخب ستكون صلاحياته اقل من صلاحيات مثيليه في اسكتلندا وويلز، علماً بان سكان لندن يفوقون سكان كلٍ من المقاطعتين الكبريين عدداً، فان سلطات المحافظ نفسه ستكون واسعة جداً. فالمجلس يكتفي بالرقابة على عمله، وبطرح القضايا امامه فيما الخيار التنفيذي له... شريطة ان توافق الحكومة. واذا كان من حق المحافظ ان يختار نائبه، فهذا لن يحل المشكلة في حال افضى التصويت الشعبي الى اختيار محافظ ومجلس من طينتين سياسيتين مختلفتين. كذلك يمكن ان تتعقد الامور اذا ما اتت النتائج بمحافظ ينتمي الى حزب او وجهة يغايران الحزب الحاكم ووجهته. يبقى ان انتخابات اليوم في لندن مهمة لأسباب كثيرة: 1- فهي تأتي اعلاناً آخر عن تعاظم ادوار المدن - المتروبولات على حساب البلدان. وهذا المنحى انما يجد اصوله في تحولات ديموغرافية واقتصادية عدة، ناهيك عن انصباب اعداد متزايدة من المهاجرين في هذه المدن - الحواضر، وتشكيلهم وقائع متعددة الثقافات والاثنيات لا تماثل، بالضرورة، معهود "الهويات" الوطنية للدول. 2- وفي ما خص لندن تحديداً، تأتي الخطوة بمثابة "تكريم" ل"السيتي"، اي الوسط المالي والمصرفي الذي اكتسب، منذ نيف وعقد، سلطة تقريرية هائلة تبعاً لحجمه في الاقتصادين الوطني والمعولم على السواء. 3- اما في ما خص بريطانيا، فالخطوة تنمّ عن النزعة الاصلاحية الجديدة بعد تقليد مديد من المركزية وإن لم يبلغ، على الاطلاق، شأن مثيله الفرنسي. فبعد كسر الذراع الاقتصادية للدولة على يد الثاتشرية بطريقة لم تخل من المبالغات، تنكسر الآن ذراعها السلطوية إذ تؤخذ منها صلاحيات كثيرة، ولو أبقيت لها الكلمة الاخيرة فيها. 4- يُرجّح ان يكون منصب محافظ لندن مقدمة لولادة مرشح مقبل لرئاسة الحكومة. لهذا السبب، مثلاً، يصر كين ليفنغستون على القول انه سيحاول باصرار العودة الى حزب العمال بعد الانتخاب، وكان الحزب طرده من صفوفه بسبب ترشّحه مستقلاً، لأن الحزب يبقى قاطرة الوصول الى 10 داوننغ ستريت. وهذا ما يفسح المجال للتذكير بحالات كحالة جاك شيراك الذي تسلّق من رئاسة بلدية باريس الى رئاسة الجمهورية الفرنسية، كما يفتح الباب لكلام كثير عن "الشخصية الكاريزمية"، والاستشهاد هنا متواصل برودولف جولياني، رئيس بلدية نيويورك والمرشح لمجلس الشيوخ في مواجهة هيلاري كلينتون مع ان اصابته بالسرطان قد تقعده عن ذلك. 5- ما يضفي على هذه المعركة نكهة خاصة، علاقة المرشحين باحزابهم، كما سنرى في حالتي كين ليفنغستون وفرانك دوبسون بصورة خاصة، ولكنْ ايضاً في حالة المحافظ ستيف نوريس. وهذا ما يجعل معظم المواجهات داخلياً وخارجياً في وقت واحد. فرانك دوبسون واصوات مقترعي اليوم سوف تتوزّع بين اربعة مرشحين، اكثرهم "رسمية" هو فرانك دوبسون الذي حسم حزب العمال امره، في شباط فبراير الماضي، باختياره مرشحاً عنه، وذاك بنسبة 51 في المئة. لكن طريقة الاختيار جاءت مثيرة لتحفظات مُحقّة ابداها الكثيرون اذ تمنح النواب الحزبيين وزناً اكبر بكثير مما يُعطى للقاعدة الحزبية وللنقابات عملاً بصيغة "الكلية الانتخابية" التي اعتمدها الحزب منذ اوائل الثمانينات. ولأن الأمر هكذا، ولأن اختياره ترافق مع اقاويل كثيرة صحيحة في الغالب حول تدخل توني بلير لمصلحته، نأى دوبسون بنفسه عن عملية الاختيار وظروفها وملابساتها واصفاً اياها ب"الفوضى". والحال انه منذ بدأ بروزه السياسي كرئيس لمجلس ضاحية "كامدن"، ومنصب المحافظ يستهوي دوبسون. وثمة من يقول ان حزب العمال مذ قرر استحداث المنصب، فكّر به كمرشح "طبيعي". مع ذلك تلكأ الرجل عن طرح نفسه بالصفة هذه، هو الذي عُيّن وزيراً للصحة بعيد الانتصار العمالي في 1997، وبقي في الوزارة المذكورة الى ان قرر خوض المعركة. والرجل معروف بنزاهته واستقامته. فرغم توزيره ورغم كونه، قبل هذا، نائباً عن دائرة "هولبورن وسانت بنكراس"، لا يزال يعيش في احدى شقق الاسكان الشعبي في دائرته الانتخابية نفسها. الا ان ما عاناه ويعانيه هو ارتسام صورة له بصفته "رجل بلير"، بل أداته في الحملة ل"وقف كين ليفنغستون". كذلك قيل انه اقدم على ما اقدم عليه مترددا، وانه ما كان ليحسم امره ويقبل الترشح لولا الايحاء له بالابعاد عن كافة المناصب الحكومية والحزبية إن لم يفعل وهذا ما ينفيه دوبسون بشدة. واذا ابدى، في معركته، بعض الاستقلالية عن رئاسة الحكومة وعن التراتبية الحزبية، غير انه في السياسات العامة الاساسية بقي موالياً لقائده، داعماً خططه في جعل قطار الانفاق الأندر غراوند، او المترو في عهدة القطاعين العام والخاص معاً، مشاركاً في جوقة تمجيده ك"اكثر رؤساء الحكومات شعبية". سوزان كرامر اما المرشح الثاني فسوزان كرامر: امرأة الاعمال والبيزنس التي لم تكن معروفة من قبل في مجالات الشأن العام. وكرامر تقدم نفسها بقوة وتتحدث بشجاعة تجمع النضالية الى نزعة الترويج، واثقةً من انتصارها لا سيما بعد تركيز حملتها على "اقامة صلات مباشرة مع الافراد العاديين في شوارع المدينة" التي قطعتها على قدميها. وكونها مصرفية سابقة في مؤسسة مالية اميركية، تتباهى بأن تجربتها افيد في تسيير شؤون المدينة من تجارب منافسيها السياسيين، علماً ان هذه التجربة نفسها تقدّم الذخيرة لخصومها كي يستعملوها ضدها. فقد تبين انها، وهي المعارضة الشرسة لاقحام القطاع الخاص في قطار الانفاق، سبق لها ان ساهمت، كمصرفية، في توفير التمويل اللازم لصيغة الشراكة بين القطاعين. وتقول مرشحة حزب "الديموقراطيين الليبراليين" ان اولوياتها هي: المواصلات، ورفع عدد افراد الشرطة لتحسين ظروف الامن، واحياء الحياة الداخلية والاجتماعية للمدينة. وفي نقدها لمنافسيها تشدد على انهم أصحاب أنا متضخّمة بما يحول دون تنسيق عملهم مع السلطات المحلية الادنى في لندن. كين ليفنغستون كين ليفنغستون هو المرشح الثالث تعداداً، والأول أهميةً وضجيجاً: بعد خسارته معركة ترشيح حزب العمال له بفارق ضئيل، تردد لمدة تزيد عن اسبوعين في ما خص ترشّحه ك"مستقل". فقد "استمع الى لندن" خلال تلك الفترة، بحسب ما قال، لما ينطوي عليه الاقدام على الترشّح من اهتزاز لصورته ولكلمته التي قطعها بالامتثال الى رأي الحزب كائناً ما كان. في غضون ذلك كانت عين نائب دائرة "برنت إيست" على استقصاءات الرأي، التي جزمت ولا تزال تجزم بفوزه. وفي النهاية دخل الحلبة مؤكداً انه "اصعب قرار أتخذه في حياتي السياسية". الا ان الاعتبار الحاسم عنده كان "حق لندن في ان تحكم نفسها بنفسها". فنظام "الكلية الانتخابية" المعمول به في حزب العمال هو المسؤول، في عرف ليفنغستون، عن انتاج هذا الانتصار "المشبوه" لدوبسون بوصفه المرشح المفضل لرئيس الحكومة. وهذا مع العلم ان ليفنغستون الشاب كان من الضاغطين، اوائل الثمانينات، لاعتماد هذه الصيغة اياها. اما وان اليساري الكاريزمي والمحبوب قرر عدم الامتثال لحزبه السابق، فالمتوقع ان يفعل العمال الجدد كل ما يسعهم لمنع انتخابه. وما من شك في ان معركته ستكون قاسية وشخصية وعرضة للكثير من الشخصنة والتجريح الشخصي. لكنه سيعتمد فيها على رصيده وكاريزميته وسنوات اهتمامه بشؤون الحياة اللندنية وتفاصيلها، فضلاً عن مماثلة معاناته الشخصية برغبة لندن في الحد من نفوذ السلطة المركزية. وليفنغستون معروف، بين امور اخرى، بمهارته في التعامل مع الاعلام والتلفزيون، وبمواكبته للجديد في الثقافة والفنون والموضة والتيارات التي تظهر في بيئات الملوّنين والهامشيين. لكنه معروف ايضاً بنزعته التمردية حيال قادته الحزبيين لا سيما حين يعصف بهم الاتجاه نحو اليمين. وهكذا بلغت علاقته بتوني بلير درجة من التردي غير مسبوقة. اما خارج حزبه فخاض مواجهة حادة جداً مع مارغريت ثاتشر حين كان رئيساً لمجلس لندن الكبرى: فقد اتُهم ب"تبذير" الاموال على الهامشيين والنساء والملونين والمثليين والمثليات، والتجارب الفنية الطليعية. وبطريقة عديمة الديموقراطية حلّت ثاتشر، عام 1986، المجلس. وعلى امتداد الحملة التي سبقت معركة اليوم، تميز ليفنغستون عن الطرح العمالي في مسألة قطار الانفاق اكثر ما تميز. فهو يرفض بشدة شراكة القطاعين ويدافع عن تمويله بسندات شعبية. لكن "غلطة الشاطر" التي ارتكبها جاءت في تصريحه ان "الرأسمالية العالمية تقتل اكثر مما قتله هتلر في الحرب العالمية الثانية". فقد نجح هذا الكلام المستغرب صدوره عن مرشح سبق ان اهتم بطمأنة البيزنس في احدى اهم مدن المال في العالم، في تنفير "السيتي" والفعاليات اليهودية وقطاع من الليبراليين دفعة واحدة. ولم تتأخر الردود التي جمعت بين السخرية والغضب، يتصدّرها عنوان: "لكنْ كم من البشر قتلتهم الاشتراكية العالمية يا سيد كين؟". ستيف نوريس الرابع هو ستيف نوريس الذي لم يصبح مرشح حزب المحافظين الا مطالع هذا العام. والسبب ان الحزب كان يؤيد ترشيح جوفري آرشر، المقرّب من ثاتشر واحد الآباء الروحيين لزعيم المحافظين الحالي وليم هايغ. فحين أودت احدى الفضائح باللورد آرشر لم يبق للمحافظين وقائدهم وجه يخوضون به معركة لندن الا منافسه السابق ستيف نوريس. وبالفعل فنوريس افضل وجوههم: صعد الى قيادتهم مع اقبال فئات وسطى ودنيا غير محافظة تقليدياً على الحزب، ابان بدايات حقبة "الرأسمالية الشعبية" للثاتشرية. مع هذا فالاشد تقليدية ويمينية في الحزب لم يهضموا ترشيحه، بحيث نافسه احد رجال الاعمال، اندرو بوف، المعروف بأمور قليلة ابرزها شديد عدائه لأوروبا. على ان وزير المواصلات السابق ونائب دائرة "إيبنغ فوريست" يبقى مشهوراً اكثر من اي شيء آخر بمسلسلاته الغرامية العلنية، والمنشورة صورها على صفحات الصحف. وقد كان لهذه العلاقات ان انهت زواجه الذي دام ثلاثين سنة. فحين اعلن عن رغبته في الترشّح، قرنها باعلان نيّته الزواج من ايمّا كورتني التي تصغره كثيراً والتي انجبت طفلا منه. لكن كي يكتمل المسلسل، جاء تعليق والد زوجته فورياً، ومؤداه ان نوريس يتزوج قبل اتمام الطلاق من ابنته! وقد وعد ستيف نوريس، خلال حملته، بمبانٍ افضل لبيوت الاسكان الشعبي، وبدعم للمدارس الحكومية واستثمار في وسائل المواصلات، مصحوباً بالدفاع عن سياسة المحافظين في خصخصة قطار الانفاق. وحظوظه بالفوز قد لا تكون قليلة، لا سيما اذا ما نجح في الافادة من انقسام الصوت اليساري - الليبرالي بين مرشحين ثلاثة. المرشحون الثانويون الى الاربعة الذين هم اقطاب المعركة، يتنافس اليوم على منصب المحافظ سبعة مرشحين ثانويين، هم: - دارين جونسون: كان اول من اعلن ترشيحه عن حزب الخضر، وربما حصل على مقعد في مجلس المحافظة. وجونسون من وجوه حزبه الصغير، نظّم حملته للانتخابات الاوروبية عام 1994. وهو يعد بتنظيف المدينة بيئياً وتخفيف عبئها التلوثي عن جوارها وعن العالم. وانطلاقا من اهتمامه البيئوي يعطي المواصلات موقعاً اولويا في اجندته، ملتقيا في طرحه مع ليفنغستون وكرامر. ويصر جونسون، وهو مثلي، على رفع كل اشكال التمييز ضد المثليين. - مايكل نيولاند: يخوض معركة "الحزب القومي البريطاني" بشعار: "لندن بات لديها ما يكفي"، والواضح انه يقصد المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يريد اعادتهم الى بلدانهم. وفي مانيفستو الحزب تأكيد على الأمن والنظام ومكافحة الجريمة ووقف الاتجاهات التعددية، كما يرفض الخطوات التشجيعية، في التعليم والتوظيف، لابناء الاقليات العرقية بصفتها "عنصرية ضد البيض"! ونيولاند متعاقد بناء ومحاسب سابق يتولى حاليا امانة الشؤون المالية في حزبه. وهو عالق في دعوى مع الشرطة التي اتهمته بنشر بيانات تحضّ على العنف والكراهية. - جوفري بن ناثان: مرشح "حزب الدفاع عن حقوق اصحاب السيارات والدكاكين الصغيرة". والحزب يطالب بالحد من الضرائب وضبوط المخالفة بحق هؤلاء التي تجمع سنوياً، في لندن وحدها، اربعة ملايين جنيه استرليني. ولما كانت الدكاكين والمشاغل الصغرى تستخدم سيارات، يجد اصحابها انفسهم ضحايا "العداء للسيارات" والتعامل الابتزازي معها كأنها "جزادين تسير على دواليب". والطريف في هذا الحزب اعتقاده ان لندن ليست بحاجة الى... محافظ. - جوفري كليمنتس: قائد "حزب القانون الطبيعي"، الذي يرى ان الحل لمشكلات المدينة في "الطيران اليوغي" الذي ينقّي النفوس والبيئة. وكليمنتس دكتور في الفيزياء. - رام غيدومال: وهو مليونير يمثل في الانتخابات "تحالف الشعوب المسيحية" الذي يعتبر نفسه المسيحية الديموقراطية لبريطانيا. وغيدومال يقدّم نفسه صالحاً لتمثيل كل الاديان وغير المؤمنين في آن، مع اصراره على الاعتراف ب"سيادة المسيح على الأمم وفي السياسة". - داميان هوكني: نائب محافظ سابقاً، انشق الى "حزب الاستفتاء" المعارض لأوروبا. وهوكني ناشر مجلات عن الموضة. وهو، طبعا، ضد التقارب مع القارة، يؤيد التخلص مما بقي من تدخلات الدولة. - أشوين تانّا: صيدلي بارز، معروف بخدماته في منطقته في جنوب العاصمة. يقول انه يريد تمثيل "اللندنيين العاديين بعيدا عن تدخل الاحزاب السياسية". قطار الانفاق ما من شك في ان قطار الانفاق هو مسألة المسائل في انتخابات اليوم، وفي عمل اي محافظ يقع الخيار عليه. فاللندنيون محكومون بعلاقة حب - كراهية مع هذا الكائن القديم الذي يرمز الى بلاد الثورة الصناعية الاولى، انما المتداعي بفعل ما تعرّض له من اهمال ابان السنوات الثاتشرية. فرئيسة الحكومة السابقة، وخلال عهدها الممتد من 1979 الى 1990، لم تُخف انحيازها الكاسح لشركات السيارات ومصالحها، ولكنْ ايضاً للنموذج التملكي الذي تمثّله السيارة، فيما كانت تحدوها رغبة متواصلة في دفع قطار الانفاق الى التهلكة المالية بما يبرر بيعه الى القطاع الخاص. على اية حال فقد انتهى القطار هذا الى وضع من الاكتظاظ والقذارة وضعف الاداء وغلاء التذاكر على نحو مدهش، ناهيك عن شحّة الاستثمار فيه. فبين 1994/95 و1998/99، زادت حوادث التعطيل الطارئة على حركته بنسبة 24 في المئة، كما زادت حالات التأخر عن المواعيد المقررة 28 في المئة، وارتفعت بنسبة الثلث اعمال التصليح لاجهزته. وفي عام واحد هو 1997-98، راحت كل 16 دقيقة تسجّل توقّفاً مفاجئاً في حركته . وفيما تفضل الحكومة والمرشح العمالي دوبسون شراكة القطاعين، يدافع ليفنغستون عن تجميد اسعار التذاكر على ما هي عليه مدة اربع سنوات ليكون ذلك حافزاً على عدم استخدام السيارات، مع اصدار سندات بطريقة تؤدي الى رفع التمويل للاستثمار الشعبي فيه، وهو ما توافق عليه كرامر كما سبقت الاشارة. اما المحافظون ومرشحهم نوريس، ممن ينطلقون من الدعوة للخصخصة الكاملة، فإنهم يقرنونها باسعار تذاكر مخفّضة للندنيين ومشتري التذاكر الفصلية. وبين الاقتراحات الاخرى للمرشحين في ما خص المواصلات العامة: تحسين حضور الشرطة على الطرقات التي يسلكها الباص، وزيادة عدد جباة الباصات مع ايجاد طرق جديدة لناقلات تعتمد التقنيات الرفيعة في اشتغالها وتضاعف ربط اطراف المدينة ببعضها. وكانت غرفة تجارة لندن قد اذاعت، عشية الانتخابات، "تحدياً" من سبع نقاط موجّها للمرشحين جميعاً، موضوعه تحسين النقل العام وتسريع حركته وتعزيزه بدرجة اكبر من الراحة والأمن. وهذا انما يشير الى تحول هذا المطلب مطلباً عاما عابرا للطبقات الاجتماعية، بفعل درجة التباين بين نمو لندن في العقدين الاخيرين، وتحولها العاصمة الكوزموبوليتية الاولى في العالم، من دون مواكبة كافية على صعيد بناها التحتية. الاسكان، البيئة، الثقافة والتعليم بين القضايا الاخرى للمعركة، ولمن سيُنتخب محافظاً، تحتل قضية الاسكان الأولوية. فالمطلوب للندن تخطيط افضل وهندسة عمارة افضل. كذلك تتكاثر الدعوات الى بناء محتمل الاكلاف على ذوي المداخيل المنخفضة من العاملين في الخدمات العامة. ففي تشرين الاول اكتوبر الماضي، اعلن رئيس فيدرالية الشرطة في المدينة، غلِن سميث، ان غلاء المساكن هو ما يدفع بالكثيرين الى العزوف عن الانتساب الى الشرطة، إما لأن معاشاتها لا تكفي لاسكانهم، واما لأن هذا الاحتياط البشري للاجهزة الامنية ينتقل الى العيش خارج المدينة كلياً. والشيء نفسه يقوله الممرضون والمعلّمون كلٌ عن قطاعه. فهناك الآن ما لا يقل عن 31590 عائلة يعيش افرادها في "اماكن سكن موقّتة"، كذلك ارتفعت الايجارات منذ 1993 بنسبة 53 في المئة لترسو عند متوسط 153 جنيهاً استرلينياً قرابة 250 دولاراً في الاسبوع. اما اسعار البيوت في العاصمة فتدور حول معدل 143725 جنيها. وفي المقابل، تُثار بلا انقطاع مشكلة لندن كمركز للبيزنس ينافس نيويورك وطوكيو وفرانكفورت، ما يستدعي، بين امور اخرى، تحسين صورة المدينة وتجميل حياتها بما يزيد جاذبيتها في نظر رجال الاعمال. واذا كانت المواصلات من المفاتيح الاساسية هنا، فان اهل البيزنس يطالبون ايضاً باشراكهم في عملية صنع القرارات الكبرى يوماً بيوم. ويصر هؤلاء، بصورة خاصة، على ضرورة بناء مطار هيثرو الخامس، وان يُقام في لندن مركز لمؤتمرات البيزنس العالمية. ولمسألة البيئة ضغطها الملحوظ أيضاً: فبحسب استقصاء اجري في 1998، يعتقد 58 في المئة من اللندنيين ان مدينتهم غير صحية للعيش فيها بسبب تلوث الهواء وازدحام السيارات والاقذار المتراكمة. وسوف تكون من صلاحيات المحافظ تحسين البيئة من خلال التدخل في وضع المواصلات. لكن المرشح الذي سيقع الاختيار عليه سيخضع، بالتأكيد، لكثير من الضغط من اجل زيادة المساحة المتاحة للمشاة في وسط المدينة، لا سيما في ساحة ترافلغار وساحات البرلمان، فضلا عن مواجهة الغضب المتعاظم من جراء الاوساخ المتروكة في الشوارع والكتابات على الجدران. وثمة من يقول ان المحافظ الجديد قد يبدأ بحملة تشجير ترفع درجة الافتخار المديني عند اللندنيين. وللثقافة والتعليم حصتهما بطبيعة الحال. فالمحافظ الذي سيكون مسؤولاً عن تعزيز صورة المدينة في العالم، معني بالنشاطات الكونية الكبرى كالالعاب الاولمبية التي يمكن ان تستضيفها العاصمة البريطانية. وما دام مركز البلد هو عاصمة حياته الثقافية، فلا بد من خطة لتشجيع الفنون، مع توقع السجالات الضارية التي لا بد ان يثيرها هذا الموضوع: فنون بريطانية "بحتة" ام تعددية، في المتن او في الهامش، "رفيعة" وكلاسيكية ام "وضيعة" وشعبية؟ وفي هذا الاطار سيناط به ان يحسم السجال العالق حول ساحة ترافلغار: هل يعاد بناؤها كحيّز للاستهلاك والفنون الشعبية والتنزّه الحر مع التخفيف من عظمتها الامبراطورية والكولونيالية، ام العكس؟ كذلك سيكون المحافظ صانع القرار في ما خص التعليم. وهنا تبقى الصدارة لرفع مستويات المدارس، وزيادة المقاعد المدرسية المتناقصة قياساً بتنامي العدد، الشيء الذي يصح ايضاً في اعداد المعلمين. والمحافظ هو من يبتّ في امور كاضافة سنة تعليمية خامسة الى الصفوف الابتدائية او احتفال المدارس، او عدم احتفالها، بالمناسبات الدينية. ودائماً يرتبط امر التعليم بالمواصلات اذ يضطر آلاف الطلبة اللندنيين الى الانتقال مسافات ملحوظة للوصول الى مدارسهم. الفقر والشفافية لقد غدت مسألة التشرد والافتقار الى مسكن من امهات القضايا اللندنية التي ستضغط بحدة على من يحتل المنصب. وما دام ان احدا من المرشحين لا يشارك رئيس الحكومة السابق جون مايجور رأىه بأن "التشرد طريقة في الحياة"، فان معالجة الفقر تتمتع بالحاح قاهر. فهناك في لندن الآن قرابة 2500 شخص بلا مساكن ولننس، بالطبع، المقارنات مع "العالم الثالث". وكان اللورد آرشر، قبل ان تسحبه الفضيحة من المعركة، دائم التذكير بأن المناطق الاربع الاكثر حرمانا في بريطانيا تقع كلها في لندن، في حين ان 14 منطقة من اصل ال20 الافقر تقع فيها ايضاً. وقد اجمع المرشحون الاربعة على ايلاء مكافحة الفقر مكانا متصدرا في اجندتهم. فالديموقراطية الليبرالية سوزان كرامر دعت الى انشاء مصارف لتنشيط وتحسين الحياة في المناطق البائسة، فيما وعد كين ليفنغستون في بطاقة تعهّداته ذات النقاط الست، ب"قوة طوارىء تابعة للمحافظ لمعالجة الفقر في دواخل المدن". ويبدي فرانك دوبسون اصراره على "توفير المزيد من الفرص" لمن هم افقر بين السكان، فيما يشجب المحافظ ستيف نوريس "تبديد الكفاءات" الناجم عن ضعف ذات اليد. والفقر يتصل بالجريمة التي يقول المرشحون جميعاً انهم سيكافحونها بضراوة، خصوصاً ان المحافظ سيكون الآمر للشرطة ولقوات فرق الاطفاء وحالات الطوارىء. واذا اتفق المرشحون جميعاً على التعرض لاسباب الجريمة، ومنها الفقر والامتهان العنصري، فاحدى المهام ستكون ضمان تنفيذ ما ورد في توصيات الشرطة بعد مصرع الشاب الاسود ستيفن لورنس. فالاعتداء العنصري على هذا الاخير تسبب في دعوة التقرير الى تمثيل الاقليات العرقية بنسب اكبر في جهاز الشرطة، وتلقيح العاملين فيه بثقافة وتعليم مضادين للعنصرية. بهذا المعنى يُطرح مبدأ رفع اعداد البوليس غير العنصري حكماً لمواجهة الجريمة: ذاك ان اكبر الارتفاعات التي شهدتها نسب الجرائم في بريطانيا، عانتها لندن خلال 1998-99 اذ وصلت الى 5،17 في المئة. الا ان ثمة نظريتين ضمنيتين وراء رفع الاعداد، تقول احداهما بأن هدفه، فضلا عن حفظ الامن، تجنب اوضاع "الكيّ" ممثلةً باللجوء الى القمع والعنف كرامر، ليفنغستون، دوبسون، وتقول الاخرى بالمثال النيويوركي في عهد جولياني: "صفر تسامح" نوريس، او حزبه على الاقل. لكن المحافظ سيكون مطالَبا، من جهة اخرى، بالوقوف على رأس ادارة شفّافة. ومن الاقتراحات المطروحة لخدمة الهدف هذا، تأسيس برنامج للحوار المفتوح معه يذاع مرتين في السنة على جميع محطات الراديو، وعبر مواقع الانترنت بما فيها الموقع الخاص بدار المحافظة، على ان يبقى الاتصال يومياً عبر الوسائط التقنية الكثيرة. واصحاب هذا الاقتراح هم قادة "حملة حرية الحصول على المعلومات"، ممن يريدون من المحافظ ان يقدم تعهدا لا تراجع فيه باذاعة واشهار كل الاوراق والوثائق التي تقع تحت يده، او يوقّعها، وتكون على صلة بالمصلحة العامة. فاذا قضى بعض الاعتبارات العامة تأجيل النشر والاشهار قليلاً، فهذا هو الاستثناء البالغ الاستثنائية، والمشروط بالتعميم حال انتهاء الظروف الموجبة. وغني عن القول إن قائمة الوعود والمطالب والضغوط اطول واعقد من ان تُقدّم عنها اجابات وتوقّعات سريعة. بيد ان نهاية يومنا هذا ستتكفّل تقديم اجابة واحدة: من الفائز؟