الحظ هو الحليف الأبرز لمرشح حزب المحافظين ستيف نوريس لانتخاب أول محافظ للعاصمة البريطانية لندن يوم الخميس المقبل 4/5/2000. فعندما رشح نوريس نفسه في المرة الأولى، العام الماضي، رفضه حزبه وهدده بالطرد إن لم يكف عن ابداء نواياه بخوض الانتخابات. وتقدم الحزب حينئذ بمرشحه المدلل اللورد آرشر، ربيب زعيمة الحزب السابقة مارغريت ثاتشر والمعلم الروحي لزعيمه الحالي وليام هايغ. ولكن بعد ان هوى آرشر إثر الكشف عن فضيحة تزويره لشهادة ملفقة قبل 14 عاماً أمام احدى المحاكم البريطانية لإخفاء علاقة جنسية له مع بنت هوى، عادت قيادة المحافظين صاغرة الى نوريس وقدمته للناخبين باسم الحزب. ونوريس لا يختلف في جوانب كثيرة عن آرشر. كلاهما كبر سياسياً تحت مظلة ثاتشر، ولكليهما علاقات نسائية عدة خارج اطار الزوجية. الا ان الفرق بينهما هو ان اللورد يمارس هذه العلاقات بالخفاء ويمارسها نوريس بالعلن. ولعل سمعة نوريس ك"زير نساء" ستكون لمصلحته في الانتخابات المقبلة، بعد ان انتشرت صوره وهو يحتضن الصبايا الجميلات اللواتي يصغرنه بعشرات السنين، في الصحف منذ سنوات عدة. في هذه الاثناء قرر نوريس الطلاق والانفصال عن زوجته، وفي خطوة محسوبة سياسياً قام في شهر آذار مارس الماضي بالزواج من آخر عشيقاته التي تصغره ب27 عاماً. البعض يقول ان ستيف نوريس كان سينتهي عضواً في حزب العمال لولا "ثورة الثاتشرية" التي جذبت الى داخلها العديد من الشرائح الدنيا في الطبقة المتوسطة من أمثال الوسط الذي يعبّر عنه نوريس. فالأخير، بعد كل حساب، ولد ونشأ في مدينة ليفربول في شمال انكلترا وهي أرض خصبة تاريخياً للعمال. وهو كان قريباً في شبابه، وقبل خوض مضمار السياسة، من اعضاء فرقة "البيتلز" تبعاً لصداقته منذ الطفولة وأيام الدراسة مع احد اعضائها البارزين بول ماكارتني. وبعد المدرسة، ترك نوريس ليفربول وحصل على منحة لدراسة القانون في اكسفورد، ليمتهن مباشرة بعد دراسته الجامعية بيع السيارات، وهي المهنة التي تعلم منها - كما يقول في سيرته الذاتية - أصول السياسية. ويضيف نوريس انه أدرك في نهاية السبعينات قدرته الخارقة على اقناع الزبائن ببيعهم ما يريد، وقرر استغلال هذه القدرة في المضمار السياسي منذ ذلك الحين. وقد شكّل هذا الصنف من السياسيين مصدر الكوادر الحزبية التي كانت تعتمد ثاتشر عليهم في سنوات قيادتها الخمس عشرة للحزب. حظوظ نوريس لم تقف عند هذا الحد. فبعد فضائح مرشح المحافظين السابق اللورد آرشر، دخل حزب العمال الحاكم في حالة غير مسبوقة من الفوضى وهو يحاول اختيار مرشحه لانتخابات محافظ لندن. فالطريقة التي ابتعتها قيادته في اختيار مرشحها للانتخابات الوزير السابق فرانك روبسون، نفّرت العديد من اعضاء الحزب في العاصمة الذين سيدلون بأصواتهم على الأغلب، وفقاً لاستطلاعات الرأي، للمرشح المستقل كين ليفنغستون. وامام نوريس الآن فرصة نادرة للحصول على اصوات قد تُجير لصالحه من جراء الانشقاق الخطير في أصوات العمال. فشخصية دوبسون السوية لن تشفع له امام المقترعين لأنه يدخل الانتخابات وهو مدموغ بختم طبعت عليه عبارة "أنا مرشح توني بلير". نوريس لم يصبح بعد محافظ لندن، وقد لا يصبح. الا ان احتمالات فوزه كبيرة، والزائر لمقر ادارة حملته الانتخابية لا بد ان يلاحظ الاستعداد الذي يبديه لمواجهة يوم الرابع من أيار مايو المقبل. فهو يتحدث بثقة وحماس ليس عن الفوز فحسب، بل عن برنامج ادارته للعاصمة، وخاصة ادارة قطاع المواصلات العامة الحافلات ومترو الانفاق. فالمرشح الأقدر على اقناع الناخب بأنه الأكفأ في ادارة هذا القطاع الذي يتدهور سنة تلو الأخرى، هو الأوفر حظاً في الفوز. ونوريس لا تنقصه هذه البراعة وهو ينافس المتفوه والمرشح المستقل ليفنغستون في هذا المجال. وهو يتمتع بالخبرة من خلال شغله منصب وزير المواصلات مدة أربع سنوات في حكومة جون ميجور، واشرافه على تنفيذ مشروع تمديد خط "جوبيلي" الذي بات يربط شمال لندن بغربها وشرقها، والذي انتظره اللندنيون طويلاً. ويتمتع نوريس بعدد من مزايا ليفنغستون غير السياسية والايديولوجية طبعاً. فهو، مثله، متمرد بطبعه وينزع نحو الاستقلالية عن خط الحزب الرسمي، ما كان يسبب له متاعب كثيرة مع قيادة حزبه التي رفضت، لهذا السبب، ترشيحه لانتخابات المحافظ. وهذه النزعة الاستقلالية هي التي حالت دون صعود نوريس الى مراكز قيادية أعلى، كما حالت دون تبني وليام هايغ له بعد وراثته قيادة الحزب من ميجور. واذا كانت هذه المزايا ستلعب دوراً ايجابياً لصالحه في المنافسة على منصب المحافظ، فإن نقطة ضعفه الرئيسية هي خوضه هذه المنافسة كمرشح لحزب يتلاشى وسط الرأي العام البريطاني عموماً، ولدى الناخبين في العاصمة على وجه الخصوص. فمن الصعب جداً على اي مرشح مهما تمتع بصفات شخصية استثنائية، أن يخوض انتخابات تحت راية حزب يهجره اعضاؤه نحو الوسط الذي لا يزال يمثله بنجاح حزب العمال "الجديد".